موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(163) المكتوب الثالث والستون والمائة إلى السيد النقيب الشيخ فريد في بيان أن كلا من الإسلام والكفر ضد الآخر واجتماعهما محال وإعزاز أحدهما مستلزم لإذلال الآخر إلخ

 

 


آدم عليه السّلام كما قال عليه الصّلاة والسّلام «أكرموا (١) عمّتكم النّخلة فإنّها خلقت من بقيّة طينة آدم عليه السّلام " وتسميته بركة يمكن أن تكون باعتبار هذه الجامعيّة فالإفطار بثمرتها الّتي هي التّمرة تكون جزءا من المفطر بها وحقيقتها الجامعيّة تكون جزءا من حقيقته باعتبار تلك الجزئيّة ويكون آكلها جامعا لكمالات غير متناهية مندرجة في حقيقة التّمر الجامعة بذلك الإعتبار وهذا المعنى وإن كان حاصلا في أكله مطلقا ولكنّه وقت الإفطار الّذي هو أوان خلوّ الصّائم عن الشّهوات المانعة واللّذّات الفانية يكون تأثيره أزيد وظهور هذا المعنى فيه يكون أتمّ وأكمل وما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نعم (٢) سحور المرء التّمر يمكن أن يكون ذلك باعتبار أنّ في غذائه الّذي يصير جزءا من الآكل تكميل حقيقته لا تكميل حقيقة الغذاء ولمّا كان هذا المعنى مفقودا وقت الصّوم رغّب في التّسحّر بالتّمر ثلافيا لهذا المعنى وكان في أكله فائدة أكل جميع المأكولات وتبقى بركته باعتبار جامعيّته إلى وقت الإفطار وهذه الفائدة الغذائيّة المذكورة إنّما تترتّب إذا وقع ذلك الغذاء على وجه شرعيّ ولم يجاوز حدود الشّرع مقدار شعرة وأيضا إنّ حقيقة هذه الفائدة إنّما تتيسّر إذا كان آكله قد جاوز الصّورة وبلغ المعنى والحقيقة واطمئنّ عن الظّاهر بالباطن فحينئذ يكون ظاهر الغذاء ممدّا لظاهره وباطنه مكمّلا لباطنه والّا ففائدته مقصورة على الإمداد الظّاهريّ وآكله في عين القصور، (شعر):

اجتهد في جعل أكل جوهرا ... ثمّ كل من بعد ذا ما تشتهي

وهذا أعني تكميل الغذاء لآكله هو سرّ تعجيل الإفطار وتأخير السّحور والسّلام.

(١٦٣) المكتوب الثّالث والسّتّون والمائة إلى السّيّد النّقيب الشّيخ فريد في بيان أنّ كلّا من الإسلام والكفر ضدّ الآخر واجتماعهما محال وإعزاز أحدهما مستلزم لإذلال الآخر إلخ

الحمد لله الّذي أنعم علينا وهدانا إلى الإسلام وجعلنا من أمّة محمّد عليه الصّلاة والسّلام. اعلم أنّ نقد سعادة الدّارين مربوط باتّباع سيّد الكونين عليه الصّلاة والسّلام فحسب والإتّباع إنّما هو بإتيان أحكام الإسلام وإجرائها بين الأنام ورفع رسوم الكفر وإبطالها ودفعها عن الخاصّ والعامّ فإنّ الكفر والإسلام ضدّان لا يجتمعان إلى قيام السّاعة وساعة القيام فإثبات أحدهما موجب لرفع الآخر وإعزاز أحدهما مستلزم لإذلال الآخر وقد قال الله سبحانه خطابا لنبيّه وحبيبه صلّى الله عليه وسلّم يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ

__________

(١) رواه ابو يعلى في مسنده والعقيلى في الضعفاء وابن عدى وابن ابى حاتم وابن السنى وابو نعيم في الطب وابن مردوية في التفسير عن على بلفظ اكرموا عمتكم النخلة فانها خلقت من فضلة طينة ابيكم آدم قال العزيزى اسانيدها ضعيفة ولكن باجتماعها تتقوى اهـ. (القزاني رحمة الله عليه)

(٢) رواه باو داود عن ابى هريرة رضى الله عنه (القزاني رحمة الله عليه)

الْكُفّارَ والْمُنافِقِينَ واُغْلُظْ عَلَيْهِمْ (١) فإذا أمر الله سبحانه رسوله الّذي هو موصوف بالخلق العظيم بجهاد الكفّار والغلظة عليهم علم أنّ الغلظة عليهم داخل في الخلق العظيم فعزّة الإسلام في مذلّة الكفر وأهله فمن أعزّ أهل الكفر فقد أذلّ أهل الإسلام والإعزاز ليس هو عبارة عن تعظيمه واجلاسهم في الصّدر البتّة بل إدخالهم في المجالس ومصاحبتهم والّتكلّم معهم بلغاتهم كلّ ذلك داخل في الإعزاز فإنّ اللّائق بهم إبعادهم مثل الكلاب فإن تعلّق بهم غرض من الأغراض الدّنياويّة بحيث لا يكاد يتيسر بدونهم فحينئذ ينبغي أن يختلط بهم بقدر الضّرورة مراعيا شيمة عدم الإلتفات إليهم والاعتداد بهم وكمال الإسلام في ترك هذا الغرض بالكلّيّة وعدم الإلتفات إليهم والإختلاط بهم وقد سمّى الله سبحانه أهل الكفر في كلامه المجيد عدوّه وعدوّ رسوله فالإختلاط بأعداء الله وأعداء رسوله من أعظم الجنايات وأقلّ ضرر المخالطة بهؤلاء الأعداء والمصاحبة معهم حصول الوهن والضّعف في قدرة إجراء الأحكام الشّرعيّة ورفع رسوم الكفر الشّنيعة لمانع حياء المؤانسة بهم وهذا الضّرر عظيم جدّا فإنّ المودّة والالفة مع أعداء الله ينجرّ إلى عداوة الله عزّ وجلّ وعداوة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وربّما يزعم الإنسان أنّه من أهل الإسلام وانّه مؤمن بالله ورسوله ولكنّه لا يدري أنّ أمثال هذه الأعمال الشّنيعة يذهب دولة الإسلام عنه بالتّمام نعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيّئات أعمالنا،

(شعر):

تحبّ عدوّي ثمّ تزعم أنّني ... أحبّك إنّ العقل منك لعازب

وشغل هؤلاء الملاعين أعداء الدّين الإستهزاء بالإسلام والسّخريّة بأهله منتظرين بأنّهم إن وجدوا فرصة يخرجوننا من الإسلام أو يقتلوننا جميعا فينبغي لاهل الإسلام أيضا الإستحياء والحميّة فإنّ الحياء من الإيمان والحميّة الإسلاميّة ضروريّة فاللّائق بأولي الأمر أن يكونوا في إذلال هؤلاء المخذولين دائما وقد ارتفعت الجزية من أهل الكفر في بلاد الهند رأسا وبالذّات وذلك بواسطة شآمة مصاحبة أهل الكفر مع سلاطين هذه الدّيار والمقصود الأصليّ من أخذ الجزية منهم هو إذلالهم وهذا الإذلال يكون على حدّ لا يقدرون لبس الثّياب النّفيسة خوفا من أخذ الجزية ولا يقدرون على التّجمّل بل يكونون خائفين وجلين من أخذ أموالهم على الدّوام وكيف يتجاسر السّلاطين على المنع من أخذ الجزية والحال أنّ الحقّ سبحانه وضع الجزية ذلّا لهم والمقصود من أخذها فضيحتهم ومذلّتهم وغلبة أهل الإسلام وعزّتهم (ع) وفي إذلال كفر عزّ الإسلام * وعلامة حصول دولة الإسلام بغض أهل الكفر وكراهتهم وقد سمّاهم الله سبحانه في كلامه المجيد نجسا وفي محلّ رجسا فينبغي إذا أن يكون أهل الكفر في نظر أهل الإسلام نجسا ورجسا فإذا رأوهم كذلك فلا جرم يجتنبون عن صحبتهم ويستكرهون مجانستهم والرّجوع إلى هؤلاء الأعداء في شيء من الأشياء والعمل بمقتضى رأيهم وحكمهم من كمال إعزازهم فما يكون حال

__________

(١) الآية: ٧٣ من سورة التوبة.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!