موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(210) المكتوب العاشر والمائتان إلى الملا شكيبي الأصفهاني في حل بعض عبارات النفحات وبعض النصائح الضرورية التي التمسها

 

 


في مراتب العروج مقتبسين للأنوار الفوقانيّة تتوقّع الكعبة منهم البركات كما مرّ آنفا. (وأيضا) قد حرّرت في رسالة المبدأ والمعاد فقرات في بيان أفضليّة الأنبياء أولي العزم صلوات الله وتسليماته تعالى عليهم ومعنى أفضليّة بعضهم على بعض، ولمّا كان مبناها على الكشف والإلهام اللّذين يفيدان الظّنّ كنت نادما على كتابتي إيّاها، والتّفرقة والتّحكّم في التّفاضل، ومستغفرا منها، فإنّ التّكلّم في هذا الباب بلا دليل قطعيّ لا يجوز. أستغفر الله وأتوب إلى الله من جميع ما كره الله قولا وفعلا وكتبت في مكتوبك بأنّي كنت سئلت في سراى فرخ أنّ تعليم الطّريقة للطّالبين هل هو مرضيّ بالنّسبة إلى أو لا. فقلت في الجواب لا (اه) ما بقي في خاطر الفقير صدور النّفي بل قلت مشروط بالشّرائط ليس بمرضيّ مطلقا. والآن ينبغي أن تعلمها على ذلك الوجه المذكور، وينبغي أن تحتاط في رعاية الشّروط ورعاية الإحتياط دون المساهلة، وما لم يحصل اليقين في التّعليم بالإستخارات لا ينبغي الإقدام على التّعليم ودلّ أخانا ومولانا يار محمّد القديم على هذا وأكّد عليه في ترك الإستعجال في تعليم الطّريقة ليس المقصود توسيع الدّكّان، بل ينبغي ملاحظة مرضيّ الحقّ سبحانه، وما علينا الّا الإخبار. وأيضا أنّك كنت متأذّيا من مسترشديك ومنحرفا عنهم ينبغي لك التّأذّي والإنحراف من وضعك وصنعك، فإنّك تعاشرهم على نهج تكون عاقبتها أذيّة ألبتّة وقد قالوا: «ينبغي للشّيخ أن يتجمّل للمريد لا أنّه يفتح باب الإختلاط ويسلك طريق المصاحبة بإيراد الحكايات والقصص " والسّلام.

(٢١٠) المكتوب العاشر والمائتان إلى الملّا شكيبي الأصفهانيّ في حلّ بعض عبارات النّفحات وبعض النّصائح الضّروريّة الّتي التمسها

قد تشرّفت بمطالعة المكتوب الشّريف الّذي أرسلته إلى هذا الحقير القليل البضاعة على وجه الشّفقة والمرحمة وصرت مبتهجا ومسرورا عش بالسّلامة ومت بالسّلامة وما عشت تعش على محبّة الفقراء وإذا متّ تكن محبّتهم رأس مالك وأصل بضاعتك وإذا حشرت تحشر على محبّتهم بحرمة من افتخر بالفقر وآثره على (١) الغنا عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام ورقمت على وجه الكرم أنّه ما حقيقة معاملة الحكاية المذكورة في النّفحات من أنّ مريد الشّيخ ابن سكينة قدّس سرّه دخل يوما الدّجلة لاجل الإغتسال وخاض في الماء ولمّا رفع رأسه رأى نفسه في النّيل فخرج من الماء ودخل مصر وتزوّج فيه وولد له أولاد وأقام بمصر سبع سنين فدخل يوما النّيل اتّفاقا للاغتسال وخاض في الماء فلمّا رفع رأسه

__________

(١) (قوله وآثر الغنا) روى الترمذي عن ابى امامة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض على ربى ان يجعل بطحاء مكة ذهبا فقلت يا رب اشبع يوما واجرع يوما اهـ. وراودته الجبال الشم من ذهب * عن نفسه فأراها ايما شمم (القزاني رحمة الله عليه)

رأى نفسه في الدّجلة ورأى جميع أثوابه الّتي كان وضعها في أوّل مرّة بساحل الدّجلة على حالها فلبس ثيابه وجاء منزله فقالت له امرأته: الطّعام الّذي أمرت بطبخه للضّيوف حاضر إلى آخر القصّة. (أيّها المخدوم) المكرّم إنّ أشكال هذه الحكاية ليس من جهة حصول أمور سنين في ساعة واحدة فإنّ أمثال هذه المعاملة كثيرة الوقوع ومن جملتها معراج خاتم الرّسل صلّى الله عليه وسلّم فإنّه حين رجع إلى مكانه بعد طيّ معارج العروج وقطع مسافة منازل الوصول الّذي يتيسّر في ألوف من السّنين، يعني عادة رأى (١) أنّ حرارة فراشه باقية على حالها ولم يسكن الماء الّذي ملأه في الأبريق للوضوء عن حركته ووجهه ما ذكره في النّفحات من أنّه من قبيل بسط الزّمان وإنّما أشكال هذه الحكاية من جهة كون هذه المدّة آنا واحدا في بغداد ويحصل لهذا الآن امتداد بمصر إلى سبع سنين. فإذا كان التّاريخ الهجريّ بالنّسبة إلى أهل بغداد مثلا ثلثمائة وستّين سنة في ذلك الوقت ينبغي أن يكون بالنّسبة إلى أهل مصر في عين ذلك الوقت ثلثمائة وسبع وستّين سنة وهذا المعنى ممّا لا يجوّزه العقل ولا يسعه النّقل وهذه المعاملة وإن كانت مجوّزة بالنّسبة إلى شخص أو شخصين ولكنّها بالنّسبة إلى بلاد مختلفة وأمكنة متعدّدة محال.

وما يخطر في خاطر هذا الحقير الكليل هو أنّ هذه الحكاية ما وقعت في عالم اليقظة بل هي من قبيل الرّؤيا والواقعات واشتبه الرّؤيا بالرّؤية للمستمع والتبس له النّوم باليقظة، وهذا القسم من الإشتباه كثير الوقوع بل من مظان الإشتباه كون رؤيته وقصّته على شيخه ومجيئه بأولاده إليه في المنام والحكاية الّتي نقلها عن الشّيخ محي الدّين بن عربيّ قدّس سرّه بعد هذه الحكاية هي أيضا من هذا القبيل، والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال والله أعلم بحقيقة الامور كلّها. والتمست أيضا شرح هذه العبارة أنّ مربّي الجسد هو الرّوح، ومربّي القالب هو القلب. (أيّها المخدوم) إنّ مؤدّى هاتين العبارتين واحد وهو بيان حصول التّربية لعالم الخلق الإنسانيّ من عالمه الأمريّ، ولمّا كان وقوع لفظ الجسد مقرونا بلفظ الرّوح في الإطلاقات والمحاورات ووقعت المناسبة اللّفظيّة بين القالب والقلب وقع اختيار تعيين العبارة لجمع كلّ بما يناسبه. (وصدر) أيضا طلب النّصائح (أيّها المخدوم) يمنعني الحياء من أن أكتب شيئا من هذا الباب مع وجود جميع الخرابات والتّعلّقات والتّلوّثات وقلّة البضاعة وعدم الحاصل وأن أرقم من هذه المقولة حرفا بالتّصريح أو بالإشارة، ولكن أخاف من أن أنسب إلى الخسّة والدّناءة والضّنّ والبخل لو أمسكت عن القول المعروف وصنت نفسي عن ذلك فبناء على ذلك أجترئ على تحرير كلمات.

__________

(١) (قوله رأى ان حرارة فراشه باقية على حالها الخ) قيل مجرد حديث المعراج يكفى لاثبا المدعى واما مذا ذكر فلم يثبت قال في تاريخ الخميس وفى زين القصص عن عمار كان ذهابه ومجيئه ثلاث ساعات وعن وهب ابن منبه ومحمد ابن اسحاق في اربع ساعات وفى كلام السكى كان قدر لحظة ولا بدع لان الله تعالى قد يطيل الزمان القصير كما يطوى الطويل لمن يشاء الخ قلت وهذا الكلام مما يثلج له لا صدر والتقدير بالساعة لا يخفى تكلفه وتعسفه (القزاني رحمة الله عليه)

أيّها المخدوم إنّ بقاء الدّنيا قليل جدّا وقد تلف الأكثر من هذا القليل أيضا وزال وبقي الأقلّ. ومدّة الآخرة باقية ودائمة وجعلت معاملة الأبد والخلود مربوطة ببقاء أيّام معدودة وبعدها إمّا تنعّم أبديّ أو عذاب سرمديّ. أخبر بذلك المخبر الصّادق ليس فيه احتمال التّخلّف فينبغي استعمال العقل المتفكّر (أيّها المخدوم) قد مضى أشرف العمر في الهوى والهوس وضاع في تحصيل مراضي أعداء الله جلّ شأنه وبقي أرذل العمر فإن لم نصرفه اليوم في مرضيّات الحقّ جلّ سلطانه ولم نتلاف الأشرف ولم نتداركه ولو بالأرذل ولم نجعل المحنة القليلة وسيلة إلى الرّاحة الأبديّة ولم نكفّر السّيّئات الكثيرة بحسنات يسيرة فباىّ وجه نذهب غدا عند الله تعالى؟ .. وبأيّ حيلة نتمسّك؟ وإلى متى يمتدّ نوم الأرنب؟ وحتّى متى يكون قطن الغفلة هذه كلّها في الآذان، وسترفع الغشاوة عن أبصار البصيرة البتّة، ويزال قطن الغفلة عن السّامعة لا محالة، ولكن لا ينفع ذلك هنالك ولا يكون نقد الوقت غير الحسرة والنّدامة على ذلك فينبغي العمل لنفسك قبل ورود الموت والتّوسّد برمسك ثمّ الموت قائلا وا شوقاه. ولا بدّ أوّلا من تصحيح الإعتقاد وتصديق ما علم من الدّين بالضّرورة، ثمّ العلم والعمل بما تكفّل ببيانه علم الفقه أيضا ضروريّ ثمّ سلوك طريق الصّوفيّة أيضا مطلوب، لا لأجل مشاهدة الصّور والأشكال الغيبيّة ومعاينة الأنوار والألوان اللّاريبيّة، فإنّ هذا داخل في اللهو واللّعب وأيّ نقصان في الصّور والأنوار الحسّيّة، حتّى يتركها الإنسان ويشتاق إلى الصّور والأنوار الغيبيّة، ويقصدها بارتكاب الرّياضات والمجاهدات، وهذه الصّور والأنوار، وتلك الصّور والأنوار كلّها مخلوقة للحقّ سبحانه وآيات دالّة على صانعيّته تعالى ولنور الشّمس والقمر اللّذين في عالم الشّهادة مزيّة على الأنوار الّتي تشاهد في عالم المثال ولكن لمّا كانت رؤيتهما دائمة واشترك فيها الخواصّ والعوامّ أسقطوها عن نظر الإعتبار واشتاقوا إلى ما يرى في عالم الغيب من الأنوار،

(شعر):

ولا قدر للماء الّذي دام جاريا ... على باب إنسان وإن كان كوثرا

بل المقصود من سلوك طريق الصّوفيّة تحصيل ازدياد اليقين بالمعتقدات الشّرعيّة حتّى تخرج من مضيق الإستدلال إلى فضاء الكشف ومن الإجمال إلى التّفصيل مثلا انّ وجود الواجب الوجود تعالى وتقدّس ووحدته سبحانه إذا كان أوّلا معلوما بطريق الإستدلال أو التّقليد وحصل اليقين به على مقدارهما، فإذا تيسّر سلوك طريق الصّوفيّة يتبدّل ذلك الإستدلال والتّقليد كشفا وشهودا ويحصل اليقين الأكمل.

وعلى هذا القياس سائر الاعتقاديّات والمقصود منه أيضا تحصيل اليسر في أداء الأحكام الفقهيّة، وإزالة العسر الّذي يحصل من جهة النّفس الأمّارة ويقين هذا الفقير أنّ طريق الصّوفيّة خادم للعلوم الشّرعيّة، لا أنّه أمر مباين لها وقد حقّقت هذا في كتبي ورسائلي واختيار طريق النّقشبنديّة من بين سائر الطّرق لاجل حصول هذا الغرض أولى وأنسب، فإنّ هؤلاء الأكابر التزموا متابعة السّنّة واجتناب البدعة ولهذا تراهم



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!