موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(288) المكتوب الثامن والثمانون والمائتان إلى السيد أنبياء المانكپوري في المنع عن أداء صلاة النقل بالجماعة كصلاة ليلة العاشوراء والبراءة وغيرها وما يناسب ذلك

 

 


المعاني وكذلك الحكم بالإحاطة والمعيّة غير واقع في تلك الحادثة بل المعاني على صرافتها المخزونة نعم حيث تحقّق بين المعاني وصاحبها وبين الحروف والأصوات مناسبة الدّاليّة والمدلوليّة ربّما يحدث في التّخيّل بعض المعاني الزّائدة والأوهام الغير الواقعة والعالم ومعانيه والمخزونة منزّهان ومبرّآن بالحقيقة عن تلك النّسبة الزّائدة وهذه الحروف والأصوات موجودة في الخارج لا إنّ العالم والمعاني موجود فقط والحروف والأصوات أوهام وخيالات فكذلك العالم الّذي هو عبارة عمّا سواه تعالى موجود في الخارج بالوجود الظّلّيّ والكون الطّبيعيّ لا إنّه أوهام وخيالات فإنّ هذا المذهب هو عين مذهب السّوفسطائيّ حيث يقولون: إنّ العالم أوهام وخيالات وإثبات الحقيقة للعالم لا يخرجه عن أن يكون أوهاما وخيالات بل تكون الحقيقة موجودة لا العالم فإنّ العالم وراء تلك الحقيقة المفروضة.

تنبيه: إنّ المراد بمظهريّة العالم ومرآتيّته للأسماء والصّفات كونه مظهرا ومرآءة لصور الأسماء والصّفات لا لأعيان الأسماء والصّفات فإنّ الإسم كالمسمّى لا يكون محاطا بالمرآة أصلا والصّفة كالموصوف لا تكون مقيّدة بمظهر قطعا، شعر:

وجلّ اسمه سبحانه مثل ذاته ... كذا وصفه من أن يحاطا بمظهر

معرفة: إنّ كمّل أتباعه صلّى الله عليه وسلّم وإن كان لهم بواسطة اتّباعه صلّى الله عليه وسلّم نصيب من التّجلّي الذّاتيّ الّذي هو من خصائصه صلّى الله عليه وسلّم بالأصالة ولسائر الأنبياء عليهم السّلام تجلّي الصّفات وتجلّي الذّات أشرف من تجلّي الصّفات ولكن ينبغي أن يعلم أنّ للأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام في تجلّي الصّفات من مراتب القرب ما ليس لكمّل التّابعين من هذه الامّة مع وجود تجلّي الذّات بطريق التّبعيّة وهذا كما أنّ شخصا مثلا إذا وصل إلى الشّمس بطيّ مدارج العروج محبّة لجمالها حتّى لم يبق بينه وبين الشّمس غير حائل رقيق وشخص آخر مع وجود محبّته لذات الشّمس عاجز عن العروج إلى تلك المراتب وإن لم يكن بينه وبين الشّمس حائل أصلا فلا شكّ أنّ الشّخص الأوّل أقرب إلى الشّمس وأعلم بكمالاتها الدّقيقة فكلّ من فيه القرب أزيد ومعرفته أكثر فهو أفضل وكماله أوفر فلا يبلغ وليّ من أولياء هذه الامّة الّتي هي خير الامم مع وجود أفضليّة نبيّهم مرتبة نبيّ من الأنبياء وإن حصل بمتابعة نبيّه نصيب من مقام به الأفضليّة والفضل الكلّيّ إنّما هو للأنبياء عليهم السّلام والأولياء طفيليّون.

وليكن هذا آخر الكلام والحمد لله سبحانه على ذلك وعلى جميع نعمائه والصّلاة والسّلام على أفضل أنبيائه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين وعلى الصّدّيقين والشّهداء والصّالحين.

(٢٨٨) المكتوب الثّامن والثّمانون والمائتان إلى السّيّد أنبياء المانكپوريّ في المنع عن أداء صلاة النّقل بالجماعة كصلاة ليلة العاشوراء والبراءة وغيرها وما يناسب ذلك

الحمد لله الّذي شرّفنا بمتابعة سيّد المرسلين وجنّبنا عن ارتكاب المبتدعات في الدّين، والصّلاة والسّلام على من قمع بنيان الضّلالة ورفع أعلام الهداية وعلى آله الأبرار وصحبه الأخيار ينبغي أن يعلم أنّ لأكثر النّاس في هذا الزّمان من الخواصّ والعوامّ اهتماما تامّا في أداء النّوافل ولكنّهم يتساهلون في أداء المكتوبات ولا يراعون فيها السّنن والمستحبّات الّا قليلا يرون النّوافل عزيزة والفرائض حقيرة وذليلة قلّما يؤدّون الفرائض في أوقاتها المستحبّة لا يهتمّون لإدراك تكبير التّحريمة مع الجماعة بل لا يبالون بفوت نفس الجماعة أيضا وإنّما يغتنمون أداء نفس الفرائض بالتّكاسل والتّساهل ويؤدّون النّوافل بالجمعيّة التّامّة ورعاية كمال الإهتمام في يوم عاشوراء وليلة البراءة واللّيلة السّابعة والعشرين من رجب وليلة أوّل جمعة منه وهي الّتي يسمّونها ليلة الرّغائب ويظنّون فعلهم هذا حسنا ومستحسنا ولا يدرون أنّه من تسويلات الشّيطان الّذي يرى السّيّئات في صورة الحسنات.

قال شيخ الإسلام مولانا عاصم الدّين الهروىّ (١) في حاشية شرح الوقاية: إنّ التّطوّع بالجماعة وترك الفرض بالجماعة من تسويلات الشّيطان. (ينبغي) أن يعلم أنّ أداء النّوافل بالجماعة من البدع المذمومة والمكروهة ومن جملة البدع الّتي قال خاتم الرّسالة عليه الصّلاة والسّلام في شأنها " من أحدث (٢) في ديننا هذا فهو ردّ».

(واعلم) أنّ أداء النّوافل بالجماعة مكروه مطلقا في بعض الرّوايات الفقهيّة وفي بعض آخر الكراهة مشروطة بالتّداعي والجمعيّة فعلى هذا لو صلّى اثنان النّفل في ناحية المسجد من غير تداع يجوز بلا كراهة وفي الثّلاثة اختلاف المشايخ والأربعة مكروهة بالإتّفاق في بعض الرّوايات وفي البعض الآخر الأصحّ أنّها مكروهة في الفتاوى السّراجيّة كره التّطوّع بالجماعة بخلاف التّراويح وصلاة الكسوف وفي الفتاوى الغياثيّة قال الشّيخ الإمام السّرخسيّ رحمه الله: التّطوّع بجماعة خارج رمضان إنّما يكره إذا كان على سبيل التّداعي أمّا إذا اقتدى واحد أو اثنان لا يكره وفي الثّلاث اختلاف وفي الأربع يكره بلا خلاف وذكر في الخلاصة أنّ التّطوّع بجماعة إذا كان على سبيل التّداعي يكره وأمّا إذا صلّوا بجماعة بغير أذان وإقامة في ناحية المسجد لا يكره وقال شمس الأئمّة الحلوانيّ: إذا كان سوى الإمام ثلاثة لا يكره بالإتّفاق وفي الأربع اختلاف والأصحّ أنّه يكره وفي الفتاوى الشّافية: ولا يصلّي التّطوّع بالجماعة الّا في شهر رمضان وذلك إنّما يكره إذا كان على سبيل التّداعي يعني بأذان وإقامة امّا لو اقتدى واحد او اثنان لا على سبيل التّداعي فلا يكره وإذا اقتدى ثلاثة اختلف المشايخ رحمهم الله تعالى وإن اقتدى أربعة كره اتّفاقا وأمثال هذه الرّوايات كثيرة والكتب الفقهيّة بها مملوءة فإن وجدت رواية مجوّزة لأداء النّفل

__________

(١) هذا الذى ذكر قدس سره كله بدعة مستحدثة باتفاق المحققين وان ذكره المشاهير في كتبهم كصاحب القوت والغزالى وغيرهما منه (القزاني رحمة الله عليه)

(٢) رواه الشيخان عن عائشة رضى الله عنها وقد مر

بالجماعة مطلقا ساكتة عن ذكر العدد ينبغي حملها على المقيّد الواقع في رواية أخرى وأن يراد بالمطلق المقيّد وأن يقصر الجواز على اثنين أو ثلاث لأنّ العلماء الحنفيّة وإن كانوا يجرون المطلق على إطلاقه في الاصول ولا يحملونه على المقيّد ولكنّهم جوّزوا حمل المطلق على المقيّد في الرّوايات بل عدّوه لازما فإن لم يحمل على طريق فرض المحال ويجرى على إطلاقه لكان هذا المطلق معارضا على ذلك المقيّد إذا تساويا في القوّة. والمساواة في القوّة ممنوعة فإنّ رواية الكراهة مع وجود كثرتها مختارة ومفتى بها بخلاف رواية الإباحة ولو سلّم مساواتها أقول: إنّ التّرجيح على تقدير تعارض أدلّة الكراهة وأدلّة الإباحة في جانب الكراهة فإنّ فيه رعاية الإحتياط كما هو مقرّر عند أهل أصول الفقه فالّذين يصلّون صلاة النّفل يوم عاشوراء وليلة البراءة وليلة الرّغائب بجماعة عظيمة بحيث يجتمع في المساجد مائتان أو ثلثمائة رجل ويستحسنون تلك الصّلاة بمثل ذلك الإجتماع والجماعة مرتكبون أمرا مكروها باتّفاق الفقهاء، واستحسان القبائح من أعظم القبايح فإنّ اعتقاد الحرام مباحا منجرّ إلى الكفر وظنّ المكروه حسنا أقلّ منه بمرتبة واحدة فينبغي ملاحظة شناعة هذا الفعل كمال الملاحظة واعتمادهم في دفع الكراهة على عدم التّداعي نعم إنّ عدم التّداعي يدفع الكراهة على بعض الرّوايات ولكنّه مخصوص بمقتد واحد واثنين وهو أيضا مشروط بكونه في ناحية المسجد وبدونه خرط القتاد مع أنّ التّداعي عبارة عن إعلام بعض بعضا آخر لأداء صلاة النّفل وهذا المعنى متحقّق في تلك الجماعة فإنّهم يعلّمون بعضهم بعضا قبيلة قبيلة في يوم عاشوراء وغيره ويقولون ينبغي أن نذهب إلى مسجد الشّيخ الفلانيّ أو العالم الفلانيّ وأنّ نؤدّي الصّلاة هناك بالجمعيّة وهم قد اعتبروا هذا الفعل فمثل هذا الإعلام أبلغ من الأذان والإقامة فثبت التّداعي أيضا وإذا جعلنا التّداعي مخصوصا بالأذان والإقامة كما وقع في بعض الرّوايات وأردنا بهما حقيقة الأذان والإقامة فالجواب هو ما مرّ آنفا من أنّ عدم الكراهة مخصوص بواحد واثنين مع شرط آخر على ما مرّ ذكره. (ينبغي) أن يعلم أنّ بناء أداء النّفل على الإخفاء والسّتر لكونه مظنّة رياء وسمعة والجماعة منافية له والمطلوب في أداء الفرض الإظهار والإعلان لأنّه مبرّأ عن شائبة الرّياء والسّمعة فيكون المناسب أن يؤدّى بالجماعة أو نقول: إنّ كثرة الإجتماع مظنّة حدوث الفتنة ولهذا اشترطوا في أداء صلاة الجمعة حضور السّلطان أو نائبه حتّى يتحقّق الأمن من حدوث الفتنة وفي تلك الجماعات المكروهات احتمال إيقاظ الفتنة القويّة أيضا فلا يكون هذا الإجتماع معروفا بل يكون منكرا وفي الحديث النّبويّ عليه الصّلاة والسّلام «الفتنة نائمة (١) لعن الله من أيقظها " فاللّازم لولاة الامور وقضاة الإسلام وأهل الإحتساب منع هذا الإجتماع ومراعاة الزّجر بأبلغ الوجوه في هذا الباب حتّى يتحقّق استيصال هذه البدعة المنجرّة إلى الفتنة والله يحقّ الحقّ وهو يهدي السّبيل.

__________

(١) رواه الرافعى عن انس بن مالك وقد مر.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!