موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(34) المكتوب الرابع والثلاثون إلى نور محمد التناري في جواب عريضته التي كتبها لبيان توارد الاحوال

 

 


وهلاك الإحسان (فإن قيل) أنت كتبت في بعض مكتوباتك أنّ مقام الرّضاء فوق مقام المحبّة (١) ومقام الحبّ (٢) وهنا تكتب أنّ مقام هذه المحبّة فوق مقام الرّضاء فكيف التّوفيق بين هذين الكلامين؟ (أجيب) أنّ هذا المقام - أعني مقام المحبّة المذكورة هنا - وراء ذلك المقام - أعني مقام المحبّة والحبّ هناك - فإنّ ذلك المقام مشتمل على النّسب والاعتبارات إجمالا وتفصيلا فإنّه وإن قالوا لتلك المحبّة ذاتيّة وتصوّروا ذلك الحبّ حبّا ذاتيّا ولكنّه ليس فيه قطع النّظر عن الشّئون والاعتبارات بخلاف هذا المقام؛ فإنّه معرّى عن النّسب والاضافات كما مرّ وما اندرج في بعض المكتوبات من أنّه لا مجال للقدم فوق مقام الرّضاء الّا لخاتم الرّسل - عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام - كأنّه عبارة عن هذا المقام؛ فإنّه مخصوص بخاتم الرّسل - عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام - والله أعلم بحقائق الامور كلّها. (ينبغي أن يعلم) أنّ كراهة الظّاهر ليست بمنافية لرضا الباطن ومرارة الصّورة ليست بمنافية لحلاوة الحقيقة فإنّ ظاهر العارف الكامل وصورته مترو كان على ما هما عليه من الصّفات البشريّة ليكونا قبابا لكمالاته وليحصل له الإبتلاء والامتحان وليكون المحقّ ممزوجا بالمبطل وينبغي أن يتصوّر نسبة ظاهر العارف الكامل وصورته إلى باطنه وحقيقته كنسبة ثوب إلى شخص لابس لذلك الثوب ومعلوم أنّه ما مقدار الثوب وقدره بالنّسبة إلى الشّخص وكذلك قدر صورة العارف بالنّظر إلى حقيقته وربّما يظنّ مكفوفو البصر مطموسو البصيرة صورة العارف مثل الجبل ويتخيّلونها مثل صورهم الّتي لا حقائق لها فلا جرم يكونون في مقام الإنكار ويكتسبون الحرمان والسّلام على من اتّبع الهدى (٣) والتزم متابعة المصطفى

(٣٤) المكتوب الرّابع والثلاثون إلى نور محمّد التّناريّ في جواب عريضته الّتي كتبها لبيان توارد الأحوال

__________

(١) المحبة: في اللغة: نقيض الكراهية والإسم منها الحب. انظر: ابن منظور: لسان العرب / حبب وصورة المحبة في البدايات: التلذذ بالعبادة والتسلي عن فوات الأشتات المتفرقة.

وأصلها في الأحوال: الإبتهاج بشهود الحق وتعلق القلب به معرضا عن الخلق، معتكفا على المحبوب بجوامع هواه غير ملتفت إلى ما سواه.

وفي الأبواب: جمعية الباطن بالسلو عما سوى المحبوب والإخبات إلى جنابه مع الإعراض عما سواه من كل مرغوب. وفي المعاملات: شغل القلب بالحبيب والفراغ عن كل حميم وقريب. وفي الأخلاق: محبة الخصال المقربة منه وتجنب الملكات المبعدة عنه. وفي الأصول: تجريد القصد المستوي إليه عن الموانع وتصميم العزم وتهجر القواطع. وفي الولايات: الإبتهاج بحسن الصفات والتنور بنور الذات عند التحقق بالأسماء بمحو الرسوم والسمات. وفي الحقائق: محبة تخطفه عن أودية تفرق الصفات إلى حضرة جمع الذات. انظر: الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ٣٠٧ ٣٠٨.

(٢) -

(٣) طه: ٤٧

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى (وبعد) فقد وصل المكتوب الشّريف واتّضح ما حرّر فيه من توارد الأحوال. (اعلم) أنّ الحقّ سبحانه كما أنّه ليس داخل العالم كذلك ليس خارج العالم وكما أنّه ليس بمنفصل عن العالم ليس بمتّصل بالعالم وهو سبحانه موجود ولكنّ جميع تلك الصّفات أعني الدخول والخروج والاتّصال (١) والانفصال (٢) مسلوبة عنه سبحانه ينبغي أن يطلبه تعالى خاليا عن هذه الصّفات الاربعة وأن يجده سبحانه في خارج هذه الصّفات فإن امتزج لون من هذه الصّفات فليس الحاصل حينئذ غير التّعلّق بالظّلال والمثال بل ينبغي أن يطلبه تعالى بصفة لا كيفيّة ولا مثليّة منزّهة عن غبار الظّلّيّة وأن يحصّل اتّصالا لا كيفيّا بتلك المرتبة وهذه الدولة نتيجة الصّحبة لا تحصل بالتّكلّم والكتابة ولئن كتبت فمن يفهمها ومن يدركها؟!! فينبغي المداومة على المشغوليّة بالشّوق (٣) والذّوق وكتابة كيفيّات الأحوال إلى حين الملاقاة. والسّلام.

__________

(١) الإتصال: لغة نقيض الإنقطاع. انظر: ابن منظور: لسان العرب / وصل.

أما عند الصوفية: فهو أن لا يشهد العبد غير خالقه ولا يتصل بسره خاطر لغير صانعه.

وصورته في البدايات: الحضور مع الله بسلامة الفطرة والإعتصام بالله بتصحيح القصد.

وفي الأبواب: تصحيح التوجه بقوة التقوى والتنبل عن السوى.

وفي المعاملات: قوة المراقبة واعتقاد المقاربة.

وفي الأخلاق: الإتصاف بالأخلاق الإلهية.

وفي الأصول: السلوك إلى الله بحول الله وقوته.

وفي الأودية: رؤية الحقيقة بعين البصيرة.

وفي الولايات: التحقق بشهود الذات عند فناء الصفات. انظر: الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ٣٥٩

(٢) الإنفصال: لغة: من الفصل وهو القطع. انظر: ابن منظور: لسان العرب: وصل. والمراد به عند الصوفية: الإنفصال عن الكونين الذي هو شرط الإتصال. وصورته في البدايات: الإنفصال عن المرادات النفسانية والعادات. وفي الأبواب: الإنفصال عن الفضول الزائدة على الضروريات. وفي المعاملات: الإنفصال عن أفعال كل ما سوى الحق والتأثيرات وفي الأخلاق: الإنفصال عن ملكات النفس والهيئات. وفي الأصول: الإنفصال عن التلف والجهالات. وفي الأحوال: الإنفصال عن السلو والفرار بدون المحبوب. انظر: الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ٣٦١.

(٣) الشوق: لغة نزاع النفس وحركة الهوى. انظر: ابن منظور: لسان العرب / شوق. أما عند الصوفية: فهو موهبة اختص الله تعالى بها المحبين. فاشوق عندهم ثمرة المحبة فمن أحب الله تعالى اشتاق إلى لقائه. وصورة الشوق في البدايات: الإشتياق إلى الجنة وما وعد من الثواب وفي الأبواب: الشوق إلى الكرامة عند الله والتقرب إليه. وفي المعاملات: الإشتياق إلى ألطافه وآيات بره وأفضاله. وفي الأخلاق: الإشتياق إلى التخلق بأخلاقه. وفي الأصول: الإرتياح إلى لقائه والتنور بنور جماله. وفي الأودية: التشوق إلى ما في الغيب من الحقائق. واستشراف أنواع المعارف. وفي الولايات: استلحاظ الوجه الباقي بانكشاف سبحات الجلال واستشراف نور الذات على وجوه الجمال والكمال. انظر: الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ٣١١ ٣١٢.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!