موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

رد المتشابه إلى المحكم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية

ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

وهو على الأغلب من تأليف الشيخ محمد بن أبى العباس الشاذلى، الملقب بابن اللبان (المتوفى سنة 749 هجرية)

فصل الاستواء

 

 


ومن الآيات المتشابهة ، آيات الاستواء ، والأحاديث الواردة فيه ، ومرجعها عند المحققين إلى الآيات المحكمات ، وأول ما ينبغي تقديمه معنى الاستواء لغة ، وأصله : أفتعال ، من السواء ، والسواء في اللغة : العدل ، والوسط ، وله وجوه في الاستعمال ترجع إلى ذلك ، منها استوى : بمعنى أقبل ، نقله الهروي عن الفراء قال :

العرب يقولون : استوى إلي يخاصمني ، أي أقبل علي .

الثاني : بمعنى : قصد ، قاله الهروي .

الثالث : بمعنى استولى .

الرابع : بمعنى اعتدل .

الخامس : بمعنى استقام .

السادس : بمعنى علا ، قال الشاعر :

ولما علونا واستوينا عليهم * تركناهم صرعى لنسر وكاسر

قاله الحسن بن سهل :

إذا علم أصل الوضع وتصريف الاستعمال فنزل على ذلك الاستواء المنسوب إلى ربنا سبحانه وتعالى ، وقد فسره الهروي بالقصد ، وفسره ابن عرفة بالإقبال ، كما نقله عن الفراء : وفسره بعضهم بالاستيلاء ، وأنكره ابن الأعرابي قال : العرب لا تقول أستولى إلّا لمن له مضاد ، وفيما قاله نظر ، لأن الاستيلاء من الولي ، وهو القرب ، أو من الولاية ، وكلاهما لا يفتقر إطلاقه لمضاد .

ونقل الحسن بن سهل عن ابن عباس ( رضي اللّه عنهما ) أنه فسر قوله تعالى : ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ قال : علا أمره ، وهذه التفاسير كلها محتملة ، وهي على وفق اللغة والمعاني اللائقة بربنا سبحانه .

وأما استوى بمعنى أستقر ، ومنه قوله تعالى : وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وقوله تعالى : لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ الآية ، فلا يليق نسبة مثله إلى استواء ربنا تعالى على العرش .

مع أنا نقول : قد علمت أصل اشتقاق الاستواء ، ولا مدخل فيه لمعنى الاستقرار ، وإنما الحق : أن معنى أستوى على الدابة جاء على الأصل ، ويكون معناه : أعتدل ، أو علا عليها ، والاستقرار من لازم ذلك بحسب خصوصية المحل ، لا أن للاستقرار مدخلا في معنى اللفظ مطلقا ، وحينئذ فلا يصح نسبة مثله إليه تعالى ، لاستحالته في حقه وعدم وضع اللفظ له .

وقد ثبت عن الإمام مالك ( رحمه اللّه ) أنه سئل : كيف استوى ؟ فقال :

“ كيف غير معقول ، والاستواء غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة “ .

فقوله : “ كيف ، غير معقول “ أي كيف من صفات الحوادث ، وكل ما كان من صفات الحوادث فإثباته في صفات اللّه تعالى ينافي ما يقتضيه العقل ، فيجزم بنفيه عن اللّه سبحانه .

قوله : “ والاستواء غير مجهول “ أي : أنه معلوم المعنى عند أهل اللغة ، والإيمان به على الوجه اللائق به تعالى واجب ، لأنه من الإيمان باللّه وبكتبه ، “ والسؤال عنه بدعة “ أي حادث ، لأن الصحابة ( رضي اللّه عنهم ) كانوا عالمين بمعناه اللائق بحسب اللغة ، فلم يحتاجوا للسؤال عنه ، فلما جاء من لم يحط بأوضاع لغتهم ، ولا له نور كنورهم يهديه لصفات ربه ، شرع يسأل عن ذلك ، فكان سؤاله سببا في اشتباهه على الناس ، وزيغهم عن المراد ، وتعين على العلماء حينئذ ألا يهملوا البيان .

قال تعالى : وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ ولابد في إيضاح البيان من زيادة ، فنقول : قد قررنا أن الاستواء مشتق من السواء ، وأصله : العدل ، وحينئذ فالإستواء المنسوب إلى ربنا تعالى في كتابه بمعنى : أعتدل ، أي قام بالعدل ، وأصله من قوله تعالى : شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ فقيامه بالقسط والعدل هو استواؤه ، ويرجع معناه إلى أنه أعطى بعزته كل شيء خلقه موزونا بحكمته البالغة ، للتعرف لخلقته بوحدانيته ، ولذلك قرنه بقوله : لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ والاستواء المذكور في كتابه : إستواءان استواء سماوي ، واستواء عرشي : فالأول معدي بالي ، قال تعالى : هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وقال : ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ ومعناه - واللّه أعلم - : أعتدل ، أي قام بقسطه وتسويته إلى السماء ، فسواهن سبع سماوات ، ونبه على أن إستواءه هذا هو قيامه بميزان الحكمة ، وتسويته بقوله أولا

عن الأرض : وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ وبقوله آخرا : ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وأما الاستواء العرشي ، فهو أنه تعالى قام بالقسط متعرفا بوحدانيته في عالمين : عالم الخلق ، وعالم الأمر ، وهو عالم التدبير أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ فكان استواؤه على العرش للتدبير بعد انتهاء عالم الخلق ، لقول اللّه تعالى : اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ وبهذا يفهم سر تعدية الاستواء العرشي ب “ على “ ، لأن التدبير للأمر لابد فيه من إستعلاء واستيلاء .

اعتبار : اعتبر - بعد فهم هذا - قوله تعالى في خطابة لنبينا صلى الله عليه وسلم : يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ واعتبر ما أثمرته هذه التسوية والتعديل ، بقوله تعالى عند ليلة الإسراء : ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى مع قوله صلى الله عليه وسلم :

“ بلغت إلى مستوى أسمع فيه صريف الأقلام “ .

ومن المعلوم أن القلم إنما يجري بالقدر ، كما ثبت في حديث عبادة بن الصامت ( رضي اللّه عنه ) :

ان أول ما خلق اللّه القلم ، فقال له : أكتب . فقال : وما أكتب ؟ . فقال أكتب القدر ! ما كان وما هو كائن إلى الأبد . وبهذا الاعتبار يعلم أن الاستواء ، عبارة عما قررناه لك من أن إستواءه قيامه بالقسط ، وتقدير المقادير في عالم خلقه وعالم أمره .



 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!