موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

رد المتشابه إلى المحكم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية

ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

وهو على الأغلب من تأليف الشيخ محمد بن أبى العباس الشاذلى، الملقب بابن اللبان (المتوفى سنة 749 هجرية)

فصل النفس

 

 


ومن المتشابه : صفة النفس ، في قوله تعالى : تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ لأن النفس في اللغة تستعمل بمعان ، كلها تتعذر في الظاهر ههنا ، وقد أولها العلماء بتأويلات ، منها : ان النفس عبر بها عن الذات والهوية ، وهذا - وإن كان شائعا في اللغة - ولكن تعدى الفعل إليها بواسطة “ في “ المفيدة للظرفية محال ، لأن الظرفية يلزمها التركيب ، والتركيب في ذاته محال :

يجل عنه تبارك وتعالى .

وقد أولها بعضهم بالغيب ، أي ولا أعلم ما في غيبك [ و ] سرك ، وهذا أحسن لقوله آخر الآية : إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ولكن قانون اللغة يأباه ، ولا بد من تخريجه على ما مهدناه حتى تنتظم أشتات الصفات ، وذلك أن الصورة إذا كانت ظلة غمام آياته ، فنفسه هي أم كتابه ، وهي الآيات المحكمات ، قال تعالى : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ والآيات المحكمات هي الدالة على وحدانيته ، بدليل قوله تعالى في أول هود : كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ الآية ، ثم فسر أحكامها بالتوحيد في قوله :

أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ وفسر تفصيلها بالاستغفار والتوبة ، في قوله : وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ونبه على أن آياته المحكمة يرجع أعدادها إلى آية واحدة ، محكمة ، وهي : لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ فما من علم من العلوم في الغيب ولا في الشهادة ، إلّا وهو منتظم في سلك “ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ “ ، مستثمر من ثمار أسرارها ، ولهذا اكتفى بعلمها للنبي صلى الله عليه وسلم إجمالا وتفصيلا في قوله تعالى :

فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ الآية “ * “ .

“ تنبيه “ : قوله تعالى : تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إذا خرجته على هذا تطلع على أسرار بديعة ، وذلك أن السياق اشتمل على سؤال عيسى ( ع ) عما بلغه لبني إسرائيل ، هل أمرهم بتوحيد ربهم أم بأن يعبدوا له ولأمه .

ومن المعلوم أنه لم يكن أمرهم إلّا بالتوحيد ، فلما أراد أن يخبر بذلك تلطف في الأخبار به إجمالا وتفصيلا .

أما تفصيلا فبقوله : ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ الآية .

وأما إجمالا فبقوله : تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ فقوله :

وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ أي أم كتابك المشتمل على سر قدرك ، وان القلم جرى فيه بكفرهم .

وقوله : تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي أي أم كتابي ، وهو ما كتبه اللّه له من بينات التوحيد ، وأيده به من روح القدس ، قال تعالى : وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ “ * * “ .

“ تبصرة “ : شأن المحجوبين عن اللّه من أرباب الرئاسة ، مواددة من عبدهم ومن عبد أقاربهم لأجلهم .

وأهل القلوب المؤمنة مبرءون من ذلك ، بمقتضى قوله تعالى : لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إلى قوله : أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ومن المعلوم أن عيسى ( عليه السلام ) كتب في قلبه الإيمان ، وأيد بالروح ، فلهذا قال : تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي أي ما كتبته من الإيمان في قلبي ، وأيدتني به من الروح ، وان ذلك ثمرة كوني لم أوادد هؤلاء الذين عبدوني وعبدوا أمي من دونك و أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ .

“ تنبيه “ : قوله : أَمَرْتَنِي بِهِ ولم يقل أمرت به ، مع أن الأمر بالتوحيد ، ولم يختص به ، بل أمر به جميع الأنبياء ، ولكنه نبه بذلك على سر القدر ، وأن الأمر أمران : أمر حقيقة ، وأمر شريعة .

فأمر الحقيقة : هو المشار إليه بقوله تعالى : إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وهو متوجه إلى جميع الكائنات ، فما من كفر ولا إيمان إلّا وهو مأمور به - بهذا الاعتبار “ * “ - لأنه لا يكون إلّا بأمره .

وأما أمر الشريعة : فهو الذي ربط به الثواب والعقاب ، وقامت به الحجة لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ فمن هذا يفهم السر في قول عيسى أَمَرْتَنِي بِهِ خصصه بالإضافة إليه ، تنبيها على أمر الشريعة ، ولم يقل أمرت :

تنبيها على أمر الحقيقة .

“ إشارة “ : بما كان في هذا اشتباه على المحجوبين - من المعتزلة وغيرهم - الذين يقولون : إن كفر العبد منسوب إلى اختراعه ، غير مستند إلى إرادة ربه ، وإلّا لما جاز له أن يعاقبه عليه ، لا جرم بين اللّه جوابهم على لسان نبيه عيسى ( عليه السلام ) ، في قوله تعالى : إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ علل تعذيبه لهم بأنهم عباده ، تنبيها على أن التعذيب لا يحتاج في جوازه عقلا إلى معصية ولا كفر ، ولهذا لم يقل فإنهم عصوك ، وإنما مجرد كونهم عبادا يجوز للمالك أن يفعل بهم ما يشاء .

له حق وليس عليه حق * ومهما قال فالحسن الجميل

“ مناجاة “ : إلهي جلت عظمتك أن يعصيك عاص أو ينساك ناس ، ولكن أوجبت أوامرك في أسرار الكائنات ، فذكرك الناسي بنسيانه ، وأطاعك العاصي بعصيانه ، وان من شيء إلّا يسبح بحمدك ان عصى داعي إيمانه ، فقد أطاع داعي سلطانك ولكن قامت عليه حجتك و لِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ .

“ اعتبار “ قوله : وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ أي ويحذركم أم كتابه ، بدليل قوله أول الآية : يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ . . . الآية ، مع قوله : وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ

مع ما ثبت في صحيح مسلم وغيره من قوله صلى الله عليه وسلم : “ فوالذي لا إله غيره ان أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلّا ذراع واحد ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلّا ذراع واحد ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها “ الحديث .

فهذا تحذير من أم الكتاب ، الذي يكون خاتمة العبد على وفق ما سبق له فيه ، وبهذا يفهم السر في ذكر النفس ، وأم الكتاب متقاربين في أول السورة .

“ إشارة “ في الحديث : أن خشية سوء الخاتمة مخصوصة بأهل أعمال الجنة ، وأما أهل الاخلاص لأعمال التوحيد فلا يخشى عليهم سوء الخاتمة ، ولهذا قال : “ ليعمل بعمل أهل الجنة ، حتى ما يكون بينه وبينها إلّا ذراع واحد “ فافهم بذلك ان المتقرب متقربان : متقرب إلى الجنة بأعمالها ، ومتقرب إلى اللّه

بذكره ، كما ثبت في الصحيح : “ أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه حين يذكرني “ إلى قوله : “ وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا “ وذلك يفهمك ان المتقرب إلى اللّه ، لا يمكن أن يبقى بينه وبينه ذراع ، لأن ذلك الذراع إن كان التقرب به مطلوبا من العبد ، لم يبق بعده مقدار يتقرب اللّه به إليه ، وحينئذ فيستلزم الخلف في وعده ، وهو محال ، وإن كان موعودا به من اللّه : لزم تنجيز وعده ، وتحقيق القرب للعبد ، فلا يبقى بعد ولا دخول إلى النار .

فعلم أن ذلك الذراع مخصوص بأهل التقرب إلى الجنة ، التي لا يلزم أن تقرب ممن تقرب إليها ، فافهمه فإنه بديع .

“ تتمة “ قوله في الحديث : “ فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي “ .

إذا أردت تخرجه على ما تقدم ، فمعناه أن العبد إذا ذكر اللّه في سره فذكره له من آيات توحيده المتشابهة ، فلا يزال يذكر ويشهد ذكر نفسه ، حتى ينكشف حجابه كما قدّمناه في حجب الوجه وسبحاته ، فهناك يحترق ذكر العبد المخلوق ، ويتجلى ذكر اللّه لعبده بسبحاته ، فيصير العبد مذكورا واللّه ذاكرا ، وذلك من آيات التوحيد المحكمة ، وهي أم الكتاب ، فلهذا عبر عنها بالنفس ، ونسبت إليه سبحانه في قوله : “ ذكرته في نفسي “ .

قوله : “ وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه “ ، هذا من باب الترقي من حال الجمع والفناء إلى حال الفرق والبقاء وذلك لأن العبد إذا جمعه اللّه عليه بذكره له في نفسه وحده ، أفناه ، فإذا أراد أن يجعله هاديا بعثه لذكر اللّه في الملأ ، فذلك ابقاؤه ، فإذا ذكره : ذكره اللّه في ملأ خير منه .



 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!