موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد

أبو طالب المكي (المتوفى: 386هـ)

الفصل الرابع والثلاثون تفصيل الإسلام والإيمان وعقود شرح معاملة القلب من مذاهب أهل الجماعة

 

 


الفصل الرابع والثلاثون تفصيل الإسلام والإيمان وعقود شرح معاملة القلب من مذاهب أهل الجماعة

قال الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ) المائدة: 1، وقال سبحانه وتعالى: (وَلكنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ) المائدة: 89، وقال تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فيمَا أَخْطَأتُمْ بِهِ وَلكِنْ مَا تَعمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الأحزاب: 5، وقال جلّ ثناؤه: (وَلكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) البقرة: 225، فعمد القلوب وكسبها هو عقودها وأعمالها، وعقود القلب التي هي السنّة المجتمع عليها نقلها الخلف عن السلف، ولم يختلف فيه اثنان من المؤمنين، فيها ست عشرة خصلة؛ ثمان واجبات في الدنيا، وثمان واقعات في الآخرة، فأما اللاتي هنّ في الدنيا أن يعتقد العبد أنّ الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، ويقوى بالعلم، ويضعف بالجهل، وأنّ القرآن كلام الله عزّ وجلّ غير مخلوق، وعلمه القديم صفة من صفاته، وهو متكلم به بذاته، وفي الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما تقرب العبد إلى الله عزّ وجلّ بأفضل من شيء خرج منه وهو كلامه، وروينا عن ابن عباس: أنّ علياً رضي الله تعالى عنهما دعا عند قتال صفين يا كهيعص أعوذ بك من الذنوب التي توجب النقمة، وأعوذ بك من الذنوب التي تغيّر النعم، وأعوذ بك من الذنوب التي تهتك الحرم، وأعوذ بك من الذنوب التي تحبس غيث السماء، وأعوذ بك من الذنوب التي تديل الأعداء، انصرنا على من ظلمنا، قال الضحاك بن مزاحم: فكان عليّ رضي الله عنه يقدم هذه بين يدي كل شديدة، وفيما روينا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قوله: أعوذ بكلمات الله وأسمائه كلها، كما قال أعوذ بعزة الله وقدرته، دليل أنّ الكلام والأسماء صفات، وعن عليّ رضي الله تعالى عنه حين حكم الحكمين فنقم عليه الخوارج ذلك فقالوا: حكم في دين الله من المخلوقين، فقال: والله ما حكمت مخلوقاً، ما حكمت إلاّ القرآن، وقال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه حين سمع قرآن مسيلمة الكذاب الذي افتعله وتخرصه يضاهي به كلام الله تعالى، والله ما خرج هذا من آل ولا من تقي، قال أبو عبيدة: يعني ما خرج من الله تعالى، قال: وفيه دليل أنّ القرآن غير مخلوق، وأنه خرج من الله تعالى تكلم به، قال ومن هذا قوله تعالى: (لاَ يَرْقُبُونَ في مُؤمِنٍ إلاًّ وَلاَ ذِمَّةً) التوبة: 10معناه الله عزّ وجلّ لا يرقبونه.

وقد روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعنى ذلك في قوله: فضل كلام الله عزّ وجلّ على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه، وذلك أنه خرج منه، وقرأت في مصحف ابن مسعود قال: يا موسى قد فضّلتك برسالاتي وبكلامي على الناس، وهذا لا يجوز فيه إلاّ التكلم بالذات مع قوله سبحانه وتعالى: (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكُلِيماً) النساء: 164، قال أهل اللغة: المصدر إذا أدخل في الفعل فهو للمواجهة والوصف لا للأمر بالفعل، ولا على المجاز، ثم تسليم أخيار الصفات فيما ثبتت به الروايات وصحّ النقل، ولا يتأول ذلك ولايشبه بالقياس والعقل، ولكن يعتقد إثبات الأسماء والصفات بمعانيها وحقائقها لله تعالى، وينفي التشبيه والتكييف عنها إذ لا كُفُؤَ للموصوف فيشبه، ولا مثل له فيجنس منه، ولا نشبه ونصف، ولا نمثل ونعرف، ولا نكيف، وفي رد أخبار الصفات بطلان شرائع الإسلام من قبل أنّ الناقلين إلينا ذلك هم ناقلو شرائع الدين وأحكام الإيمان، فإن كانوا عدولاً فيما نقلوه من الشريعة فالعدل مقبول القول في كل ما نقله، وإن كانوا كذبوا فيما نقلوا من أخبار الصفات فالكذاب مردود القول في كل ما جاء به، والكذب على الله كفر، فكيف تقبل شهادة كافر؟ وإذ جاز أن يجترِئُوا على الله عزّ وجلّ بأن يزيدوا في صفاته ما لم يسمعوه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهم إلى أن يكذبوا على الرسول فيما من الأحكام أولى، ففي ذلك إبطال الشريعة، وتكفير النقلة من الصحابة والتابعين بإحسان، فلذلك كفر أصحاب الحديث من نفي أخبار الصفات، ويعتقد تفضيل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهل بيته رضي الله عنهم ورضوا عنه كافة، ويسكت عمّا شجر بينهم، وينشر محاسنهم وفضائلهم لتأتلف القلوب بذلك، ونسلم لكل واحد منهم ما فعله، لأنهم أوفر وأعلى عقولاً منا، فقد علم كل واحد بعلمه ومنتهى عقله فيما أدى إليه اجتهاده، وإن كان بعضهم أعلم من بعض، كما أن بعضهم أفضل من بعض، إلاّ أنّ علومنا وعقولنا تضعف وتنقص عن علم أدناهم علماً، كما فضّلوا علينا بالسوابق سبقاً وتقدّم من قدم الله ورسوله وأجمعِ المسلمون الذين تولى الله إجماعهم على الهداية، وضمن لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تفضيلاً لهم وتشريفاً لهم أن لا يجتمعوا على ضلالة، وقد قال عليّ لما قيل له: ألا تستخلف علينا؟ فقال: لا أستخلف عليكم بل أكلكم إلى الله عزّ وجلّ، فإن يرد بكم خيراً جمعكم بعد نبيكم على خيركم.

قال إبراهيم النخعي: فلما سلم الحسن بن عليّ رضي الله تعالى عنهما الأمر إلى معاوية سمّيت سنّة الجماعة، وقال له رجل من الشيعة: يا مذلّ المؤمنين، فقال: بل أنا معز المؤمنين، سمعت أبي عليه السلام يقول: لا تكرهوا إمارة معاوية فإنه سيلي هذا الأمر بعدي، وإن فقدتموه رأيتم السيوف تبدر عن كواهلها كأنها الحنظل، فليعتقد بقلبه من رضي الصحابة بإمامته، وأجمعوا على خلافته واتفق الأئمة من أهل الشورى على تقدمته على حديث ابن عمر في التفضيل، قال: كنا نقول على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، فيبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا ينكر وعلى حديث سفينة مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً، فهؤلاء الأربعة خلفاء النبوة؛ وهم أئمة الأئمة من العشرة، وعيون أهل الهجرة والنصرة، وخيار الخيار من الأصحاب، كما روينا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّ الله عزّ وجلّ اختار أصحابي على العالمين، واختار من أصحابي أربعة فجعلهم خير أصحابي، وفي كل أصحابي خير، واختار أمتي على الأمم، واختار من أمتي أربعة قرن، فكل قرن سبعون سنة فإنّا نحن قوم متبعون نقفو الأثر غير مبتدعين بالرأي والمعقول نرد به الخبر، إذ لا مدخل للقياس والرأي في التفضيل، كما لا مدخل لهما في الصفات وأصول العبادات، وإنما يؤخذ التفضيل توقيفاً وتسليماً ومن طريق الاجماع والإتباع خشية الشذوذ والابتداع لقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي عضُّوا عليها بالنواجذ، ومن شذ ففي النار، وقال تعالى في تصديق ذلك: (وَيَتَّبعْ غَيْرَ سَبيلِ المُؤمِنينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) النساء: 115، وإنما جاء الترتيب في التفضيل والخلافة مخالفاً للقياس، والمعقول توكيداً للنبوة وتأكيداً للرسالة، لئلا تلتبس النبوة بالملك ولا ينحو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الخلافة نحو الأكاسرة والأقاصرة في المملكة كما، كانت النبوة مخالفة للملك جاءت الخلافة على غير سيرة الملوك من استخلاف أبنائهم وأهل بيتهم، ولو كان للمعقول والقياس مدخل في التفضيل لكان أفضل الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحسن ابنه، لأنّ فيه النبوّة والعبّاس عمّه إذ فيه الأبوّة، وقد أجمعوا على خلاف ذلك وبمعنى هذا من إخراج الخلق من المألوف ورفع سكونهم عن المعهود، أنّ أبا قحافة وأبا سفيان ماتا مؤمنين، وأنّ أبا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمه ماتا كافرين، أجمع أهل النقل والتواريخ على ذلك، وقال أبو بكر الصدّيق رضي الله تعالى عنه لما أسلم أبوه بين يدي رسول الله عام فتح مكة: والله يا رسول الله لإسلام أبي طالب كان أحبّ إليّ لو أسلم من إسلام أبي ليقرّ الله به عينك، فبكى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأيضاً، فلما سبق في علم الله تعالى أن يجعل هؤلاء الأربعة خلفاء النبوة بما قدّر الله من أعمارهم، فلم يكن يتم ذلك إلاّ بترتيبهم على ما رتبوا في الخلافة، فكان آخرهم استخلافاً هو آخرهم موتاً، فدبر خلافتهم على ما علم من آجالهم، ووفى لهم بما وعدهم من استخلافهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم من خلائف أنبيائه السوالف، ومكّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وبدلهم أمناء بعد خوفهم، كما قال الصادق فيما عهد، ومن أوفى بعهده من الله، فذلك تأويل قوله عزّ وجلّ: (وَعَدَ الله الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَالِحَاتِ ليستَخلفَنَّهُم في الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) النور: 55 الآية، وأن يعتقد أنّ الإمامة في قريش خاصة دون سائر العرب كافة إلى يوم القيامة، وأن لا يخرج على الأئمة بالسيف، ويصبر على جورهم إن كان منهم، ويشكر على المعروف والعدل، ويطيع إذا أمر بالتقوى والبر حتى تأتيه يد خاطئة أو منية قاضية، كذلك السنّة، قال عالمنا أبو محمد سهل رحمه الله تعالى: هذه الأمة ثلاث وسبعون فرقة: اثنتان وسبعون هالكة، كلّهم يبغض السلطان، والناجية هذه الواحدة التي مع السلطان، وسئل أي الناس خير؟ فقال: السلطان، قيل: كنا نرى أنّ شرّ الناس السلطان، فقال: مهلاً إن لله تعالى في كل يوم نظرتين، نظرة إلى سلامة أموال المسلمين ودمائهم، ونظرة

إلى سلامة أفكارهم، فيطلع في صحيفته فيغفر له ذنوبه، وقال أبو محمد الخليفة إذا كان غير صالح فهو من الأبدال، وإذا كان صالحاً فهو القطب الذي تدور عليه الدنيا، قوله من الأبدال يعني أبدال الملك، كما حدثنا عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال: أبدال الدنيا سبعة، على مقاديرهم يكون الناس في كل زمان من العباد، والعلماء، والتجار، والخليفة، وزير، وأمير الجيش، وصاحب الشرطة، والقاضي وشهوده، روينا في الخبر: عدل ساعة من إمام عادل خير من عبادة ستين سنة، ويقال: إن الإمام العادل يوضع في ميزانه جميع أعمال رعيته، وكان عمرو بن العاص يقول: إمام غشوم خير من فتنة تدوم، وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يكون عليكم أمراء يفسدون وما يصلح الله تعالى بهم أكثر، فإن أحسنوا فلهم الأجر وعليكم الشكر، وإن أساؤوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر، وفي الخبر الآخر، يليكم أمراء يقولون ما لا يعرفوه ويفعلون ما ينكرون، وفي لفظ يفعلون ما لم يؤمروا، قلنا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلّوا. لى سلامة أفكارهم، فيطلع في صحيفته فيغفر له ذنوبه، وقال أبو محمد الخليفة إذا كان غير صالح فهو من الأبدال، وإذا كان صالحاً فهو القطب الذي تدور عليه الدنيا، قوله من الأبدال يعني أبدال الملك، كما حدثنا عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال: أبدال الدنيا سبعة، على مقاديرهم يكون الناس في كل زمان من العباد، والعلماء، والتجار، والخليفة، وزير، وأمير الجيش، وصاحب الشرطة، والقاضي وشهوده، روينا في الخبر: عدل ساعة من إمام عادل خير من عبادة ستين سنة، ويقال: إن الإمام العادل يوضع في ميزانه جميع أعمال رعيته، وكان عمرو بن العاص يقول: إمام غشوم خير من فتنة تدوم، وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يكون عليكم أمراء يفسدون وما يصلح الله تعالى بهم أكثر، فإن أحسنوا فلهم الأجر وعليكم الشكر، وإن أساؤوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر، وفي الخبر الآخر، يليكم أمراء يقولون ما لا يعرفوه ويفعلون ما ينكرون، وفي لفظ يفعلون ما لم يؤمروا، قلنا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلّوا.

وفي الحديث الآخر: ما أقاموا الصلاة، وكان سهل رحمه الله تعالى يقول: من أنكر إمامة لسطان فهو زنديق، ومن دعاه السلطان فلم يجب فهو مبتدع، ومن أتاه من غير دعوة فهو جاهل، وكان يقول: الخشيبات السود المعلقة على أبوابهم أنفع للمسلمين من سبعين قاضياً يقضون في المسجد، وقد كان أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يقول: إذا كان السلطان صالحاً فهو خير من صالحيّ الأمة، وإذا كان فاسقاً فصالحو الأمة خير منه؛ وهذا قول عدل، ولا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب وإن عظم، ولا ينزله جنة ولا ناراً بل يرجو له ويخاف عليه، وإن من مات مصرّاً على الكبائر عن غير توبة منها في مشيئة الله تعالى، إن أثبت وعيده عليه كان عدلاً، وإن عفا عنه وسمح له بحقه كان ذلك منه فضلاً، ولا نحكم ولا نقطع على الله تعالى بشيء، ولا نوجب لنا عليه شيئاً إنما نحن بين عدله وفضله وبمشيئته واختياره، إن حقّق علينا وعيده فنحن أهل ذلك، وإن غفر لنا فهو أهل التقوى وأهل المغفرة، كيف وقد روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من وعده الله تعالى على عمل ثواباً فهو ينجزه له، ومن أوعده على عمل عقاباً فهو فيه بالخيار، والحديث الآخر أنّ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيها) النساء: 93 فقال: جزاؤه جهنم إن جازاه، ففي كل قضاء الله تعالى حكمة بالغة وعدل، وحكم صادق وحق، وإن يصدق بجميع أقدار الله تعالى خيرها وشرها أنها من الله تعالى سابقة في علمه جارية في خلقه بحكمه، وأنهم لا حول لهم عن معصيته إلاّ بعصمته، ولا قوّة لهم على طاعته إلاّ برحمته، وأنهم لا يطيقون ما حملهم إلاّ به، ولا يستطيعون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً إلاّ بمشيئته، ونؤمن بقدرة الله وآياته في ملكه وغيب ملكوته مما ذكر في الأخبار من كرامته لأوليائه، وإجاباته لأحبائه، وإظهار القدرة للصدّيقين والصالحين، مزيداً لإيمانهم وتثبيتاً ليقينهم وتكرمة وتشريفاً لهم، وأنه ليس في ذلك إبطال لنبوّة الأنبياء ولا إدحاض حججهم من قبل أنّ هؤلاء غير مثبتين ولا مخالفين للأنبياء، ولا ادّعوا ما ظهر لهم بحولهم وقوّتهم، ولا أظهروا دعوة إلى أنفسهم، ولا تظاهراً به، ولا اجتلاباً للدنيا، ولا طلباً للرياسة على أهلها، وإنما هو شيء كشفه الله تعالى لهم من سرّ ملكوته كيف شاء، وأظهرهم عليه من غيب قدرته أين شاء كما شاء، تخصيصاً لهم وتعريفاً، وهم للأنبياء متبعون، وعلى آثارهم مقتفون، ولسنّتهم مقتدون، فآتاهم الله تعالى ذلك ببركة الأنبياء وبحسن اتباعهم لهم، ولأنهم إخوانهم أبدالاً لا أشكالاً وعنهم أمثالاً، وقد تواترت الأخبار من الصحابة والتابعين الأخيار بما ذكرنا فغنينا بالتواتر عن التناظر.

وأما الثماني الواقعات في الآخرة فأن يعتقد العبد مساءلة منكر ونكير يقعدان العبد في قبره سوياً ذا روح وجسد، فيسألانه عن التوحيد وعن الرسالة؛ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، وهما فتانا القبر، كذلك روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو معنى قول الله عزّ وجلّ: (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وفي الآخرة) إبراهيم: 27، قيل: عند مساءلة منكر ونكير، ويضلّ الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء، وعذاب القبر حقّ وحكمة وعدل على الجسم والروح والنفس، يشتركون في ذلك حسب اشتراكهم في المعصية، وإن كان نعيماً كان ذلك على الجسم والروح والنفس، يشتركون في النعيم كما اشتركوا في الطاعة؛ وهذا من أحكام الآخرة، يكون بمجاري القدرة ليس على ترتيب المعقول ولا عرف العقول، يوصل الله العذاب والنعيم إلى الأرواح والأجسام وهي متفرقة فيتصل ذلك بهما كأنهما متفقان، وليس في القدرة مسافة ولا ترتيب ولا بعد ولا توقيت، ويؤمن بالميزان ذي الكفتين واللسان أنه حق وعدل وحكمة وفضل، كما جاء وصفه في العظم، من أنّ طبقات السماوات والأرض توزن فيه الأعمال بقدرة الله تعالى، والصنج يومئذ مثاقيل الذرّ والخردل بحقيقة العدل، وقد خاب من حمل ظلماً فتكون الحسنات في صورة حسنة تطرح في كفة النور فيثقل بها الميزان برحمة الله تعالى، وتكون السيّئات في صورة سيئة تطرح في كفة الظلمة فيخف بها الميزان بعدل الله تعالى، ويعتقد أنّ الصراط حقّ على ما جاء وصفه في الآثار كدقة الشعرة وحدّ السيف؛ وهو طريق الفريقين إلى الجنة أو النار، دحض مزلة يثبت عليه أقدام المؤمنين بقدرة الله عزّ وجلّ، فيحملهم إلى الجنة بفضل الله تعالى، وتزل عنه أقدام المنافقين فتهوي بهم في النار بحكم الله عزّ وجلّ، وهو على متن جهنم بإذن الله تعالى، من قطعه نجا منها برحمة الله، ومن زلّ عنه وقع فيها بحكمة الله تعالى، ويؤمن بوقوع الحساب وتفاوت الخلق فيه، فمنهم من يحاسب حساباً يسيراً، ومنهم من يدخل النار بغير حساب؛ وهم الكافرون، وكان إمامنا أبو محمد رحمه الله تعالى يقول: يسأل الأنبياء عن تبليغ الرسالة، ويسأل الكفّار عن تكذيب المرسلين، ويسأل المبتدعة عن السنّة، ويسأل المسلمون عن الأعمال، فقولنا لقوله تبع، ويؤمن بالنظر إلى الله جلّ جلاله عياناً بالأبصار كفاحاً مواجهة تكشف الحجب والأستار بقدرة الله ومشيئته ونوره ورحمته كيف شاء؛ وهو معنى قول الله تعالى: (لِلَّذينَ أَحْسَنُوا الحُسْنى وَزِيَادَةَ) يونس: 26، فالحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى الله تبارك وتعالى، وكذلك فسّره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويعتقد إخراج الموحدين من النار بعد الانتقام حتى لا يبقى في جهنم موحّد بفضل الله بشفاعة الشافعين من النبيّين والصدّيقين، وأنّ لكل مؤمن شفاعة بإذن الله، فيشفع النبيوّن والصديقون والعلماء والشهداء وسائر المؤمنين كل واحد وسع جاهه وقدر منزلته، أجمعت الرواة بذلك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إثبات الشفاعة وفي إخراج الموحدين من النار؛ وهم الجهنميون من أهل الطبقة العليا من النار؛ وهو معنى قول الله تعالى: (رُبَّمَا يَوَدُّ الَّذينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمينَ) الحجر: 2، قال أهل التفسير ذلك عند إخراج الموحدين من النار، ويبقى الباقي لرحمة أرحم الراحمين، فيخرج من النار بمشيئته، وسعة رحمته، وفضل فضله، من لم يشفع لهم الشافعون ولم يقدم في الشفاعة لهم المرسلون، هكذا روينا معناه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فهذه عقود السنّة الهادية وطريقة الأمة الراضية، وقد أجمع السلف من المؤمنين على ما ذكرناه من قبل أنه لم ينقل عن أحد منهم خلافه، ولا روي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضدّه، بل قد روي في كل ما ذكرناه أخبار توجب إيجابه ومعانٍ تشهد لإثباته وتولى الله تعالى إجماعهم على سنّة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما تولى إظهار دينه على الدين كلّه.

وروينا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنّ الله عزّ وجلّ ضمن لي، وفي لفظ آخر: أعطاني أن لا تجتمع أمتي على ضلالة، فإذا رأيتم خلافاً فكونوا مع السواد الأعظم؛ والسواد الأعظم يعبّر به عن الكثرة، فالمختلفون متفقون على أنّ السواد الأعظم ما عليه العامة من المسلمين والكافة من العموم، وأنّ المبتدعة والمخالفة لما ذكرناه إنما هم فرق وشراذم قليلون وشيع وأحزاب متفرقون، لأن كل مبتدعة منهم فرقة، وكل شرذمة منهم مختلفة، وليس السواد الأعظم والجمّ الغفير الدهماء إلاّ أهل السنة والجماعة؛ وهم السواد والعامة، ولذلك كان عمر ابن عبد العزيز وغيره من الصالحين يقولون: ديننا دين العجائز وصبيان المكاتب ودين الأعراب أي هو القوي السليم العام، فسّر ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الآخر فقال: من كان على ما أنتم عليه اليوم، فأجمعت الأمة على أنّ ما أحدثت الفرق المختلفة لم تكن عليه الصحابة ولا تكلموا فيه ولا نقل عنهم، وأنهم كانوا على ما ذكرناه آنفاً، لأنه لم يرو عن أحد منهم خلافه، بل قد نقل عنهم وفاقه في القرن الأول والثاني، ثم حدث ما ذكرناه من الخلاف في بعض القرن الثالث، وفي القرن الرابع، وقد كان عمرو بن دينار وأيوب وحماد بن زيد إذا ذكر أحدهم الأرجاء ومذهب جهم يقول: لعن الله ديناً أنا أكبر منه؛ يعني أنه سبق حدوث هذه المذاهب التي تدين بها المبتدعون فلله الحمد؛ ربّ السموات وربّ الأرض؛ العالمين على حسن توفيقه وجميل هدايته، وما كنا لنهتدي لولا أنْ هدانا الله، فنعمة الله تعالى علينا بالسنّة كنعمتة علينا بالإسلام إذ نعمته علينا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كنعمته علينا بمعرفته لاقتران طاعته بطاعته ولحاجة الكتاب العزيز إلى تفسير سنّته.

وقد روينا في حديث عمر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشيطان مع الواحد وهو من اثنين أبعد، ذئب أحدكم كذئب الشاة، يتبع الشاذة والقاصية، فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، ومن شذّ ففي النار، وروينا عن أبي غالب عن أبي أمامة: أنه نظر إلى رؤوس الحرورية جيء بها من البصرة فنصبت على الخشب بدمشق، قال: شر قتلى تحت ظل السماء وخير قتلى من قتلوه، ثم قال: كلاب النار، ثم قرأ: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءِ الفتنة) آل عمران: 7، ثم قرأ: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجوُهٌ وَتَسْوَدُّ) آل عمران: 160، فأما الذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم، ويشير بإصبعه إليهم، ثم بكى، فقلت: يا أبا أمامة تقول فيهم ما تقول؟ ثم بكى، فقال: قاتل الله إبليس ما صنع بهؤلاء الناس يا أبا غالب، إنهم كانوا على ديننا فأبكي مما هم لاقون، هؤلاء بأرضك كثير فأعيذك بالله منهم ثلاث مرات، فقلت: آمين يا أبا أمامة أشيء سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو شيء تقوله من قبل رأيك؟ قال: إني إذاً لجريء ثلاث مرات، لقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ولا أربع يقول: تفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، تزيد أمتي عليها فرقة، كلها في النار إلاّ السواد الأعظم فقال رجل كان معنا: يا أبا أمامة إنّ في السواد الأعظم بني فلان قال: وإن فعلوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم، والجماعة خير من الفرقة، والطاعة خير من المعصية، ثم نظر إلى الرؤوس فقال: أيغضبون لنا ويقتلوننا هذه رؤوس الخوارج وهم الحرورية الذين خرجوا على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بالنهروان؛ وهم أوّل قرن نبغ من المبتدعة وأوّل بدعة ابتدعت في الإسلام، وكانوا قرّاء المصاحف في أعناقهم والسجادات كركب المعزى في جباههم، فأنكروا عليه تحكيم الحكمين وسألوه أن ينقض حكمه فيرجع عنه وقالوا: لا حكم إلاّ لله، وأنكروا أمر السلطان ورأوا الخروج على الإمام، وكفروا عثمان وصوّبوا قتل غوغاء المصريين له، وطالبوا عليًّا عليه السلام أنّ يوافقهم على رأيهم ويتابعهم على أهوائهم على أن قاتلوا معه المسلمين إن رجع عن تحكيم الحكمين، وكفّروا أهل الكبائر بالمعاصي، فرأى على ما أراه الله تعالى وبما عهد إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قتل المارقين فقتلهم فهؤلاء في النار، وقاتلوهم عليّ وأصحابه خير أهل الأرض عليّ يبغضه ويسبّه قبل أن يظهر منه ما ظهر، فخرج عليه عبد الله بن الكوافي ستة آلاف، فأرسل عليّ عليه السلام عبد اللّّه بن عباس إليهم يناظرهم ويحاجّهم، فسبّوه وبطشوا به، وجرأهم عليه ابن الكوافي هذا فقام خطيباً فيهم فقال: أتعرفوني بهذا أنا أعرفكموه: هذا من القوم الذين قال الله فيهم: ما ضربوه لك إلاّ جدلاً بل هم قوم خصمون، ثم تراجع بعضهم إلى ابن عباس فسأله فكشف له عن الحقّ واستتاب منهم ألفين، وقاتل عليّ كرّم الله وجهه أربعة آلاف؛ فهذه أوّل فرقة مرقت من الدين واتبعت غير سبيل المؤمنين، ثم افترقت الفرقة الثانية بالمدائن فرأوا دين الأرجاء، وأنّ الإيمان قول وعمل، وأنه لا يزيد ولا ينقص، وكتب بذلك إلى أمير الشام فهمّ بقتالهم، ثم شغل عنهم بقتال الروم ثم افترقت الفرقة الثالثة بالبصرة وهم القدرية إمامهم معبد الجهني، وتابعه عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء الغزال وأصحابهم، ثم خرجت الفرقة الرابعة من الكوفة سموا بذلك لما رفضوا زيد ابن علي بن الحسين حين خرج يقاتل هشاماً فقالوا له: أتبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما؟ قال: هما جداي إماما عدل لا أتبرأ منهما فرفضوه، ثم افترقت كل فرقة ثمان عشر فرقة، فتمت اثنتان وسبعون فرقة، وكلها نبع بأرض العراق، ومنه طلع قرن الشيطان، وظهرت الفتن نعوذ بالله منها، ما ظهر منها وما بطن، وقد روينا عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنّ لله عزّ وجلّ ثلاث أملاك؛ ملك على ظهر بيت الله تعالى، وملك على مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وملك على ظهر بيت المقدس، ينادون في كل يوم، يقول الملك الذي على ظهر بيت الله تعالى: من ضيّع فرائض الله خرج من أمان الله، ويقول الملك الذي على ظهر مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من خالف سنّة رسول الله

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم تنله شفاعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقول الملك الذي على ظهر بيت المقدس: من أكل حراماً لم يقبل منه صرف ولا عدل. لى الله عليه وسلم لم تنله شفاعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقول الملك الذي على ظهر بيت المقدس: من أكل حراماً لم يقبل منه صرف ولا عدل.

شرح معاملة القلب من العلم الظاهر

ذكر مباني الإسلام وأركان الإيمان

قال الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلى شَهِدْنَا) الأعراف: 172، وقال عزّ وجلّ: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ وَميثَاقَهُ الَّذي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) المائدة: 7، وقال تعالى: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ ميثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ) الحديد: 8، فمباني الإسلام خمسة: أوّلها شهادة أنّ لا إله إلاّ الله وحده وأنّ محمّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبده ورسوله؛ وهما كواحدة لاتصال إحداهما بالأخرى في الوجوب والحكم، وإقام الصلوات الخمس وهنّ كواحدة منها لتعلق كل واحدة بصاحبتها، وإيتاء الزكاة وهي كالصلاة، لاقترانها بها والإشتراط بها، وصوم رمضان، وحجّ البيت؛ وهما كشيء واحد من الفرض، فهذه الخمس كواحدة منهن في إيجاب العقد واعتقاد الوجوب، وإن اختلف الحكم في سقوط فعل بعضها بشرط، روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: بُنيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحجّ البيت، وأركان الإيمان سبعة: الإيمان بأسماء الله وصفاته، والإيمان بكتب الله تعالى وأنبيائه، والإيمان بالملائكة والشياطين، والإيمان بالجنة والنار، وأنهما قد خلقتا قبل آدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والإيمان بالبعث بعد الموت، والإيمان بجميع أقدار الله خيرها وشرّها، حلوها ومرّها أنها من الله تعالى قضاءَ وقدراً أو مشيئةً وحكماً، وأنّ ذلك عدل منه، وحكمة بالغة، استأثر بعلم غيبها ومعنى حقائقها، لا يسأل عمّا يفعل، ولا تضرب له الأمثال بملزمات العقول وتميثلات المعقول، تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً، وقد شهد الله سبحانه وتعالى بالضلالة على من ضرب لعبده الأمثال فقال تعالى جده: (أُنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا) الإسراء: 48، فكيف بمن ضرب المثل للسيد الأجلّ بعد نهيه عن ذلك وإخباره بعلم غيب ذلك، إذ يقول: فلا تضربوا لله الأمثال، إنّ الله يعلم وأنتم لا تعلمون، والإيمان بما صحّ من حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقبول جميعه، وافتراض طاعته وأمره على العباد، والتزام ذلك، إذ قد جعل الله تعالى طاعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شرط الإيمان وقرنها بطاعته، فقال تعالى: (وَأَطيعُوا الله وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ) الأنفال: 1، واشترط للرحمة طاعة الرسول كما اشترط لها تقواه فقال: (وَأَطيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) النور: 56، وحذّر من مخالفة أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الإستجابة له مقامه، وجعله في المبالغة في الوصف والمدح بدلاً عنه، فقال تعالى: (فَليْحَذَرِ الَّذينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصيبَهُمْ فِتْنةٌ أَوْ يُصيبَهُمْ عَذَابٌ أَليمْ) النور: 63، كما قال سبحانه وتعالى: (وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ) آل عمران: 28، وقال تعالى: (اسْتَجيبُوا الله وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لمَا يُحْييكُمْ) الأنفال: 42، لأنه قال: (إنَّ الَّذينَ يُبَايِعُونَكَ إنَّمَا يُبَايَعُونَ الله) الفتح: 1،، وهذه أمدح آية في كتاب الله تعالى وأبلغ فضيلة فيه لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه جعله في اللفظ بدلاً عنه، وفي الحكم مقامه، ولم يدخل بينه وبينه كاف التشبيه كإنما ولا لام الملك فيقول لله تعالى وليس هذا المقام من الربوبية لخلق غير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


4hFnTkfUWdo

 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!