موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد

أبو طالب المكي (المتوفى: 386هـ)

الفصل السادس والثلاثون فضائل أهل السنّة والطريقة وطرق السلف من الأئمة

 

 


الفصل السادس والثلاثون فضائل أهل السنّة والطريقة وطرق السلف من الأئمة

السنّة اسم من أسماء الطريق، وهو اسم للطريق الأقوم، يقال: طريق وطريقة وسنن وسنّة وحجّة ومحجّة، فمن فضائل السنّة وطريق أهلها التقلّل من الدنيا في كل شيء، والقناعة من الله تعالى بأدنى شيء، والتواضع لله بكل شيء، وفي الخبر فضل العبادة التواضع، وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أربع لا يوجدن إلاّ بعجب التواضع؛ وهو أوّل العبادة، والصمت، وذكر الله تعالى، وقلة الشيء، واعلم أنّ التواضع يظهر بمعان خمسة: بالقول، والفعل، والزيّ، والأثاث، والمنزل، يكون في المؤمن بعضها، فمن كملت فيه فهو متواضع، والكبر ضد التواضع وهو يظهرأيضاً بأضداد هذه الخمسة يبتلي المؤمن ببعضها ويعافى من البعض، فمن كملت فيه فهو متكبر، وحقيقتها في القلب وظاهرها بالأفعال والأقوال ثم الورع عن الشبهات والمشكلات من العلوم والأعمال أن يقدم عليها بنطق أو عمل ولا يعتقد نفيها ولا إثباتها خشية أن يكون معتقد الباطل أو نافياً لحق، بل يكون اعتقاده فيها تسليماً لله عزّ وجلّ، ويقول: آمنت بحقائقها عند الله تعالى فذلك تعبّد من الله عزّ وجلّ للمؤمنين فيما تشابه من الأمور، أن يسكتوا ويسلموا، وبذلك وصف الراسخين في العلم وأقسم بنفسه على نفي إيمان من لم يسلم تسليماً وجعل التسليم مزيد الإيمان في قوله تعالى: (وَمَا زَادَهُمْ إلاَّ إيمَاناً وَتَسْلِيماً) الأحزاب: 22، وفي الخبر: إنما الأمور ثلاثة أمر استبان رشده فاتبعه، وأمر استبان غيه فاجتنبه، وأمر أشكل عليه فكله إلى عالمه، وكذلك ابن مسعود يقول: إن لهذا القرآن مناراً كمنار الطريق، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما لم تعلموه فكلوه إلى عالمه، وكان أيضاً يقول: أنتم اليوم في زمان خيركم فيه المسارع، وسيأتي عليكم زمان يكون خيركم فيه المتبين يعني لوضوح الحق في القرن الأوّل ولدخول الشبهات في زماننا هذا، فصار الحق غامضاً فكان خير الناس اليوم المتثبت بالورع، كما أخبر أنّ خيرهم يومئذ المسارع بالفضل ومما يدلك أنّ الإيمان هو التسليم، كما أنّ الإيمان هو التصديق، أنّ في قراءة بعض التابعين منهم جعفر بن محمد، وقد رويناه عن أبي جعفر ومحمد بن عليّ أنهما قرأا: (واجعلنا مسلمين لك) البقرة: 128 وقرأا أيضاً: (الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين) الزخرف: 69 فلولا أنهما بمعنى واحد لم يجز أن يخالفوا المعنى في المقروء.

وكذلك قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في الأمر المتشابه الذي يشبه الحق من جهة ويشبه الباطل من جهة: لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ولكن قولوا: آمنّا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم، هذا لأن الله سبحانه وتعالى أنزل التوراة؛ فهي حق، ثم أخبر أنهم قد حرّفوها فاحتمل أن يكون ما يخبرون به المؤمنين مما أنزل الله تعالى فلا يحلّ التكذيب به ولا اعتقاد نفيه، واحتمل ما يخبرون به المؤمنين أنهم حرّفوا فلا يحلّ قبوله ولا اعتقاد ثبوته، فأمرهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإيقاف ذلك والإيمان بما أنزل الله تعالى جملة، فإن كان ما أخبروهم حقّاً دخل فيه، وإن كان باطلاً لم يضرّه، فالمسلم هو الذي يسلم ما لم يظهر دليله في العقل لأجل القدرة والسنّة والنقل، كما أنّ المؤمن هو الذي يصدّق بما لم يظهر بمشاهدة العين الإيمان بالغيب، لأن العقل بصره القلب كالعين بصر الجسم، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع القلم عن المجنون حتى يعقل، كما قال الله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الأَعمى حَرَجٌ) النور: 61، ثم ترك ما لا يعني مما قد كفي ومما لم يكل إليه من القول والفعل، لأن الدخول فيما لا يعني هو التكلّف المنهي عنه الذي أخبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّ الأتقياء من أمته براء منه، وهو يشغل ويقطع عمّا يعني، وفيما يعني شغل عمّا لا يعني لكل فطن عاقل، وهو أصل الحكمة فيما أخبر به لقمان لما سئل: أنّى أوتي الحكمة؟ قال: بشيئين لا أتكلّف ما كفيت ولا أضيع ما كلّفت فهذا شيء لا يضرّ جهله ولا ينفع فعله، ولأنه شيء كتب عليه لم يكن له فيه فضل وإن سمع منه وظهر به، ولم يكن له فيه مزيد ولا لغيره نفع، ثم كفّ الأذى؛ فإن ذلك من الورع، وكان سهل رحمه الله تعالى يقول: كفّ الأذى كسب العقل واحتمال الأذى كسب العلم، والنصيحة للخلق والرحمة لهم كسب الإيمان من العمل في قطع ما قد اعتاد من عاجل حظوظ النفس مما يقطعه عن العمل لأجل الآخرة وأعمال النفس وإجهادها، وأن لا يكون لها معتاد من شهوة تعود على النفس منه منازعة، فإن العادة جند غالب لأجلها تعذرت التوبة ولغلبتها رجع العبد عن الاستقامة؛ وهي باب من أبواب الهوى، إلاّ فيما أمر به العبد أو ندب إليه، قال أبو سليمان الداراني: إن قدرت أنّ لا يكون لك وقت معتاد في الأكل تنازعك نفسك إليه فافعل، وقال: لأن أترك لقمة من عشائي أحبّ إليّ من قيام ليلة، أي لنقص النفس من المعتاد والتقلل أيضاً، وقال أيضاً، ترك شهوة من شهوات النفس أنفع للقلب من صيام سنة، وقيامها هذا كله خشية إيلاف العادات، فتنازع النفس إلى الألف فلا يمكنك ضبطها لغلبة الوصف، ثم حسن الصبر على ما أمر به، وحسن الصبر عمّا نهى عنه؛ فإن ذلك من أفضل الأعمال وله فضائل المزيد والكمال.

وفي حديث أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتقّ المحارم تكن من أعبد الناس، وفي لفظ آخر: تكن من أورع الناس، ومن أحسن ما سمعته من عظيم المثوبة في الصبر عن المعصية ما حدثونا في الإسرائيليات: أنّ رجلاً تزوّج امرأة من بلدة، وكان بينهما مسيرة شهر، فأرسل إلى غلام له من تلك البلدة ليحملها إليه فسار بها يوماً، فلما جنّه الليل أتاه الشيطان فقال له: إنّ بينك وبين زوجها مسيرة شهر فلو تمتعت بها ليالي هذا الشهر إلى أن تصل إلى زوجها، فإنها لا تكره ذلك وتثني عليك عند سيدك فتكون أحظى لك عنده، فقام الغلام يصلي فقال: يا رب، إنّ عدوك هذا جاءني فسوّل لي معصيتك، وإنه لا طاقة لي به في مدة شهر وأنا أستعيذك عليه يا رب فأعذني عليه، واكفني مؤونته، فلم تزل نفسه تراوده ليلته أجمع وهو يجاهدها حتى أسحر فشّد على دابة المرأة وحملها وسار بها، قال: فرحمه الله تعالى، فطوى له مسيرة شهر فما برق الفجر حتى أشرف على مدينة مولاه، قال: وشكر الله تعالى له هربه إليه من معصيته فنبأه، فكان نبيّاً من أنبياء بني إسرائيل، ثم إعداد العدة لما يستقبل إذا كان ذلك من مريديّ السعي للآخرة والشغل بالنفس والإقبال عليها دون الناس فقد وجب ذلك، والزهد في فضول الشهوات واجتناب كثير من الشبهات فقد افترض ذلك، وقلة الذكر للناس ولأمور الدنيا فقد حسن ذلك، ومنه غفلة وقسوة للقلب وكثرة الذكر لله تعالى والتذكير به وذكر آلائه ونعمائه وحسن الثناء عليه والمدح له، وقد كان بعض العلماء يقول: من جالسنا فليجتنب ذكر ثلاث خصال وليقض فيما يشاء: يجتنب ذكر الناس فإنهم داء، ويجتنب ذكر الدنيا فإنها قسوة، ويجتنب كثرة الطعام فإنها شره، وقال عالم آخر: من جالسنا فلا يذكر إلاّ الله وحده، فإن كان لا بدّ من ذكر غيره فليذكر الآخرة وليذكر الصالحين، وكان سهل رحمه الله تعالى ورضي عنه يقول: السنّة ما كان عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، وأول السنة الزهد في الدنيا لأنهم كانوا زاهدين، وكذلك جاء الخبر في وصف الفرقة الناجية: من كان على ما أنا عليه وأصحابي فقد كانوا على هذه الأوصاف التي ذكرناها، فمن كان على ذلك فهو على السنّة فهذه فضائل السنّة وهو مزيد الإيمان وحسن اليقين.

ذكر عري الإيمان وجمل الشريعة

قال الله جلّ ثناؤه وصدقت أنباؤه: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا) الجاثية: 18، فالشريعة اسم من أسماء الطريق، وهو اسم الطريق الواضح المستقيم الواسع، وهو وصف لطريق جامع لجوامع المحاج كلّها، كأنه طريق يستوعب ويجمع سائر الطرق، وللطريق أسماء كثيرة منها الصراط المستقيم والسبيل والمنهاج والمحجّة والمنسك، وجاء من اشتقاق هذا اللفظ أربعة أسماء: شارع، ومشرعة، وشرعة، وشريعة؛ وهو اسم لأوسعها وأوعبها لجميع الطرق، فالشريعة تشتمل على اثنتي عشرة خصلة هي جامعة لأوصاف الإيمان؛ أول ذلك الشهادتان وهي الفطرة، والصلوات الخمس وهي الملة، والزكاة وهي الطهرة، والصيام وهو الجنة، والحج وهو الكمال، والجهاد وهو النصر، والأمر بالمعروف وهو الحجة، والنهي عن المنكر وهو الوقاية، والجماعة وهي الألفة، والاستقامة وهي العصمة، وأكل الحلال وهو الورع، والحبّ والبغض في الله وهو الوثيقة، وقد روينا بعض هذه الخصال عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد جاء نحوها عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما.

ذكر شرط المسلم الذي يكون به مسلماً

لا يكون معتقد البدعة، ولا مقيماً على كبيرة، ولا آكل الحرام، ولا طاعناً على صالح السلف، ويكون كافّ اللسان واليد عن أعراض المسلمين وأموالهم، ويكون ناصحاً لجميع المسلمين مشفقاً عليهم، يسرّه ما يسرّهم ويسوءه ما يسوءهم، سيما لأئمتهم، داعياً لجملتهم، ويكون مخلصاً لأعماله كلها لله تعالى، وروي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي نفسي بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه، وروي عنه: ثلاث لا يغلّ عليهن قلب مسلم: إخلاص العلم لله تعالى، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم، ومن اجتمعت فيه هذه الخصال في زماننا هذا فهو من أولياء الله عزّ وجلّ؛ وهذا أول ولاية وأول نظرة من الله تعالى حامية عاصمة راحمة، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى سالم بن عبد الله: اكتب إليّ بسيرة عمر رضي الله تعالى عنه في الناس فإني أحب أنّ أسير بها فكتب إليه: أما بعد فإنك لست في زمان عمر، ولا لك رجال كرجال عمر؛ فإن عملت في زمانك هذا ورجالك هؤلاء بسيرة عمر فأنت خير من عمر رضي الله عنه.

ذكر حسن إسلام المرء وعلامات محبة الله تعالى له

يكون محباً للخير وأهله، مجانباً للشرّ وأهله، مسارعاً إلى ما ندب إليه أو أمر به إذا قدر عليه، حزيناً على ما فات من ذلك إذا أعجزه، تاركاً لما لا يعنيه من الأقوال والأفعال، بريئاً من التكلّف؛ وهو اجتناب ما لم يؤمر به ولم يندب إليه من ترك وفعل مصلّياً للخمس في جماعة إذا أمن الفتنة وسلم له دينه، ومجتنباً للغيبة ولذكر الناس، يحبّ للكافة ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه، ومسارعاً إلى الخيرات، مسابقاً إلى أعمال البرّ والقربات، طويل الصمت، لينّ الجانب، ذليلاً للمؤمنين، عزيزاً على المتكبرين، لا يماري في الباطل ولا يداهن في الدين، ولا يبغض على شيء من الحق وإن كان عليه، أو من أبعد الناس منه، ولا يحبّ على شيء من الباطل وإن كان له أو من أقرب الناس إليه، كارهاً للمدح ممن يحبه، قابلاً للنصح ممن يبغضه، يكون المدح والذم يجريان من قلبه مجرى واحد، صدوقاً فيما يضرّه، غير متصنّع بما يستعجل نفعه، سريرته أفضل من علانيته، محتملاً لأذى الخلق، صابراً على بلائهم، منفرداً بحاله عنهم، تاركاً الكثير من مجالسهم واجتماعهم خشية دخول الشبهات عليه، وخوفاً من تغيّر قلبه له، ومن اجتمعت فيه هذه الخصال في زماننا هذا فهو من المريدين للآخرة، وهذه ولاية ثانية ونظرة ثانية، ويقال إنّ أبدال كل قرن على قدر زمانهم وفي كل قرن سابقون ومقربون.

وقال بعض أهل التفسير في قوله تعالى: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ) الإنشقاق: 19، قال: لتركبنّ في كل قرن في طبقة من الناس على حال لم يكونوا عليه، وأكثر ما قيل في القرن مائة سنة، وأقل ما قيل فيه أربعون، وأوسط ذلك وأعدله وأشبهه بحمل الأحاديث والأخبار فيه أنّ القرن سبعون سنة؛ وهو قول عليّ رضي الله عنه، لأن رأس المائتين تمام ثلاثة قرون من المبعث، ونحن الآن في القرن السادس من أول سنة أربعين وثلاثمائة وآخره سنة عشر وأربعمائة، ويقال: إن الشمس تطلع من المغرب بعد القرن السابع وهو رأس الثمانين وأربعمائة وعلى قول من قال: القرن مائة سنة تطلع بعد سبعمائة سنة، وفي الخبر: أنّ ملك الموت إذا جاء لقبض روح المؤمن قال له ملكاه: أنظرنا حتى نملأ مسامعه من الثناء الحسن، فيقولان: جزاك الله عنّا خيراً فإنك كنت ما علمنا سريعاً في طاعة الله تعالى بطيئاً عن معاصية تحبّ الخير وأهله وتعمل بما استطعت منه، فربّ كلام حسن قد أسمعتنا ومجلس كريم قد أجلستنا فأبشر بالموعود الصدق بيننا وبينك الوقوف بين يدي الله تعالى بالشهادة لك عنده غداً.

ذكر حق المسلم على المسلم وهو وجوب حرمة الإسلام على المسلمين

وذلك عشر خصال مجموعة من ستة أحاديث؛ حديث عليّ رضي الله عنه: للمسلم على المسلم ست خصال واجبة، وحديث أبي أيوب الأنصاري: حق المسلم على المسلم ستّ خصال إن ترك منها شيئاً ترك حقّاً واجباً عليه، وحديث البراء بن عازب: أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسبع ونهانا عن سبع، وحديث ابن مسعود: للمسلم على المسلم أربع خلال واجبات، وحديث سعد وأبي هريرة في معنى ذلك، وحديث أنس: أربع من حق المسلم عليك إلاّ أنه ذكر غير ذلك، فاختلفت الألفاظ في الخصال وأنفقت المعاني، وذكر بعضهم في حديث ما لم يذكره الآخر، فجمعنا اختلافهم وعدد جمل الخصال فكانت عشرة إلاّ ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه؛ فإنه حديث غريب مؤكد للخصال وزائد عليها في الألفاظ نذكره بعدها، فأما الخصال العشر التي كثرت الأخبار بها فهي أن يسلم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا دعاه، ويشمته إذا عطس، ويعوده إذا مرض، ويشهد جنازته إذا مات، ويبرّ قسمه إذا أقسم عليه، وينصح له إذا استنصحه، ويحفظه بظهر الغيب إذا غاب عنه، ويحبّ له ما يحبّ لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، فأما حديث أنس: فروينا عن إسماعيل بن أبي زياد عن أبان بن عياش عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أربع من حق المسلم أن تعين محسنهم وأن تستغفر لمذنبهم وأن تدعو لمدبرهم وأن تحب تائبهم؛ فهذه الخصال داخلة في تلك الخصال وجامعة لها في معنى النصيحة لأخيك، وفي أن تحب له ما تحبّ لنفسك، وقد كان ابن عباس يؤكد هذا المعنى خاصة للمسلم على المسلم، ويفرضه فرض الحلال والحرام، ويفسّر به قوله: رحماء بينهم، فحدثناه في رواية جبير عن الضحاك عنه في قول الله عزّ وجلّ: رحماء بينهم؛ يعني متوادّين بينهم، يدعو صالحهم لطالحهم، إذا نظر الطالح إلى الصالح من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اللهم بارك له فيما قسمت له من الخير، وثبته عليه، وانفعنا به؛ وإذا نظر الصالح إلى الطالح من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اللهم اهده، وتب عليه، واغفر له، قال ابن عباس هذه الآية من حلالكم وحرامكم؛ فهذه الخصال المذكورة جامعة مختصرة في حرمة المسلمين ووجوب حق بعضهم على بعض لا عذر لأحد منهم في تركها إلاّ من عذرته السنّة، ويشهد له العلم، وبعضها أوكد من بعض وأكمل المؤمنين إيماناً لقومهم بها وأسرعهم إليها قد كثرت بها الروايات، وقد كان بعض السلف تركوا منها ثلاثة: إجابة الدعوة، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، إلاّ أنّ هؤلاء اعتزلوا الناس أصلاً وكانوا أحلاس بيوتهم لم يخرجوا إلاّ إلى الجمعات، ومنهم من ترك الجماعات وكان منهم من تبوأ الجبانات وفارق الأمصار والإخوان، وقال سهل: ما أعلم شيئاً أشدّ من حقوق الناس وكان يقول من كفّ أذاه عن الخلق مشى على الماء، وقال أبو يزيد وغيره بغية العقلاء السلامة من الله تعالى، ومن أراد السلامة من الله فليسلم الناس منه، فمن أراد أن يسلم الناس منه فليبعد منهم، فقد أنشدت لبعضهم في معناه:

الناس بحر عميق ... والبعد منهم سلامه

وقد نصحتك فانظر ... لا تدركنك ندامه

وقد روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: اتقوا الله واتقوا الناس، وعن ابن عباس مثلها: لولا مخافة الوسواس لم أجالس الناس، وقال مرة: لدخلت بلاداً لا أنيس بها وهل يفسد الناس إلاّ الناس؟ وقال بعض السلف: كلما كثرت المعارف كثرت الغرماء وكلما أطالت الصحبة توكدت الحقوق، وقال بعض العلماء: من عرف نفسه استراح، ومن عرف الناس تعنى، وقال بشر بن الحرث في ضده: من عرف الناس استراح، وقد قيل في معنى قوله عليه الصلاة والسلام: مداراة الناس صدقة، قال: مداراتهم في العلوم ومفارقتهم في العقول وفي أحد الوجوه من قوله تعالى: (إدْفَعْ بِالَّتي هيَ أَحْسَنُ) المؤمنون: 96، قال هي المداراة، وفي الخبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أعطي حظه من الرفق أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، ومن منع حظه من الرفق منع حظه من الدنيا والآخرة.

ذكر سنن الجسد

وفي الجسد اثنا عشرة سنة، وذلك مأخوذ من ثلاثة أحاديث متفرقة: منها حديث جبريل عليه السلام حين استبطأه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالوحي؛ خمس منها في الرأس وهي: المضمضة، والاستنشاق، والسواك، وقصّ الشارب، وفرق شعر الرأس؛ ومنها سبع في الجسد: وهي الختان، والاستحداد، وانتفاض الماء وهو الاستنجاء ونتف الإبط، وتقليم الأظافر، وغسل البراجم، وتنظيف الرواجب، فأما البراجم فهي معاطف ظهور الأنامل لم تكن العرب تكثر غسل ذلك لتركها غسل أيديها عقيب الطعام، فكان يجتمع في تلك المكاسر الوسخ فأمروا بغسلها، قال أبو هريرة وغيره من أهل الصفة: كنا نأكل الشواء ثم تقام الصلاة فندخل أصابعنا في الحصباء، ثم نفركها في التراب ونكبّر، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما كنا نعرف الأشنان على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما كانت مناديلنا بواطن أرجلنا، كنا إذا أكلنا الغمر مسحنا بها، ويقال: أول ما ظهر من البدع بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع: المناخل، والأشنان، والموائد، والشبع؛ فهذه كلها في شأن الجوف وهو شر وعاء مجوّف، وأما الرواجب فهي جمع راجبة وهي واحدة الأنامل لم تكن العرب يتفق لها الجلمان في كل وقت فيقصون أظفارهم فوقت لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقصّ الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أربعين يوماً، إلاّ أنه أمر بتنظيف ما تحت الأظافر لأنه مجمع النفث؛ وهي الرواجب إلى أن يقصوا أظفارهم، وجاء في الأثر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استبطأ الوحي فلما هبط جبريل عليه السلام قال له: كيف ننزل عليكم وأنتم لا تغسلون براجمكم ولا تنظفون رواجبكم، وقلحاً لا تستاكون؟ مر أمتك بذلك.

ويقال لما تحت الأظافر من الوسخ الأف، وهو الذي يقال أف وتف؛ فالأف وسخ الظفر، والتف وسخ الأذن، وقيل: بل التف كلمة اتباع للمبالغة في التأذي بالقذر المؤذي؛ ومن ذلك قولهم في الإتباع جائع نائع وعطشان نطشان ولا أثر له ولاعنبر، وقيل من هذا قول الله تعالى: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ) الإسراء: 23، أي لا تعبهما بما تحت الظفر من الوسخ، وقيل: لا تؤذهما تأذيك بما تحت ظفرك من الأذى أو لا تؤذهما بمقدار ذلك.

ذكر ما في اللحية من المعاصي والبدع المحدثة

قد ذكر في بعض الأخبار: أنّ لله تعالى ملائكة يقسمون والذي زين بني آدم باللحي، ويقال: إنّ اللحية من تمام خلق الرجل وبها تميّز الرجال من النساء في ظاهر الخلق، في وصف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه كان كثّ اللحية، وكذلك كان أبو بكر وكان عثمان طويل اللحية دقيقها، وكان علي رضي الله تعالى عنه عريض اللحية قد ملأت ما بين منكبيه، ويقال: إنّ أهل الجنة مرد إلا هارون أخا موسى عليهما السلام فإن له لحية إلى صدره تخصيصاً له وتفضيلاً، ووصف بعض بني تميم من رهط الأحنف بن قيس قال: وددنا أنا اشترينا للأحنف اللحية بعشرين ألفاً فلم يذكر حنفه في رجله ولا عوره في عينه وذكر كراهية عدم لحيته وكان عاقلاً حليماً، وقد روينا من غريب تأويل قوله تعالى: (يَزيدُ في الخَلْقِ مَا يَشَاءُ) فاطر: 1، قال اللحي وفيه وجوه كثيرة، وذكر عن شريح القاضي قال: وددت لو أنّ لي لحية بعشرة آلاف، وقال بعض الأدباء في اللحية خصال نافعة منها تعظيم الرجل والنظر إليه بعين العلم والوقار، ومنها رفعه في المجالس والإقبال عليه، ومنها تقديمه على الجماعة وتعقيله وفيها وقاية للعرض؛ يعني إذا أرادوا شتمه عرضوا له بها فوقت عرضه، وقال أبو يوسف القاضي: من عظمت لحيته جلت معرفته، ففي اللحية من خفايا الهوى ودقائق آفات النفوس، ومن البدع المحدثة اثنتا عشرة خصلة بعضها أعظم من بعض وكلّها مكروهة، قد كنا أجملنا ذلك عدداً في باب آفات النفوس، فأما تفسيره فإن من ذلك خضابها بالسواد لأجل الهوى وتدليس الشيبة، وخضابها بالحمرة والصفرة من غير نية تشبيهاً بالصالحين والقراء من السنّة، وتبييضها بالكبريت وغيره استعجالاً لإظهار علو السنّ وستر الحداثة لأجل الرياسة والتعظيم ليشهد عند الحكام أو لينفق بذلك حديثه ويدعي بالسنّ مشاهدة من لم يره، فعل ذلك بعض المحدثين وبعض الشهود، ومن ذلك نتفها أو نتف الشيب منها تغطية للتكهل، ومنها تقصيصها كالتعبية طاقة على طاقة للتزين والتصنع، ومن ذلك النقصان منها والزيادة فيها وهو أن يزيد في شعر العارضين من الصدغ من شعر الرأس حتى يجاوز عظم اللحى وذلك هو حدّ اللحية، أو ينقص من العظمين إلى نصف الخد وذلك مثله وهو نقصان من اللحية، ومن ذلك تسريحها لأجل الناس تصنّعاً أو تركها لأجل الناس شعثة مفتلة مغبرة إظهاراً للزهد أو التهاون بالقيام على النفس لأنه قد عرف بذلك، ومن ذلك النظر إلى سوادها عجباً بها وخيلاء وغرة بالشباب وفخراً؛ ومن ذلك النظر إلى بياضها تكبّراً بكبر السنّ وتطاولاً على الشبان فيحجبه نظره إليها عن النظر إلى نفسه من تعلّم العلم وتعلّم القرآن الذي لا يسعه جهله والسؤال عمّا يجهله استصغاراً لغيره من الشباب، أو حياء من شيبه، أو استنكافاً منه، فيظن بجهله أنّ كثرة الأيام التي بيّضت شعر لحيته أعطته فضلاً أو جعلت فيه علماً، ولا يعلم أنّ العقل غرائز في القلوب وأنّ العلم مواهب من علاّم الغيوب، ومن كانت غريزته الحمق وطبيعته الجهل كثرت حماقته كلما كبر وعظمت هالته إذا أسنّ، وقد روينا جميع ذلك في كثير من الناس وهذا كله محدث وهو ضاهي سنن الجسد الاثنتي عشرة في العدد، ومما جاء في جمل معاني ما ذكرناه من الكراهة أنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: حفوا الشوارب واعفوا اللحى، فقوله: حفوا أي اجعلوها حفافي الشفة أي حولها، لأنّ حفاف الشيء حوله، ومن ذلك قوله عزّ وجلّ: (وَتَرَى المَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرشِ) الزمر: 75، وكان بعض العلماء يكره حلق الشارب حتى تظهر البشرة ويراه بدعة، وقد كان مالك بن أنس وبعض علماء المدينة يقولون: حلق الشارب مثله إنما هو الأخذ منه حتى يبدو الإطار والإطار حروف الشفة من فوق.

وفي الحديث لفظة أخرى: أحفوا الشوارب، والإحفاء هو الاستئصال والاستقصاء؛ وهو أبلغ من قوله: حفوا، ومن هذا قوله عزّ وجلّ: (إنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا) محمد: 37 أي يستقصي عليكم، وقد كان كثير من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحفي شاربه، ونظر بعض التابعين إلى رجل أحفى شاربه، فقال: ذكرتني أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فقلت هكذا كانوا يحفون شواربهم، فقال: نعم وأشد من هذا كالحلق، وليس الإحفاء حلقاً إلاِ أنه شبيه به، وقد روينا في هذا الحديث ثلاثة ألفاظ أخر وهو: خذوا من الشوارب فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأخذ من شاربه، وروي قصوا الشوارب، وجزوا الشوارب؛ فهذه الثلاثة بمعنى واحد وهو يقتضي أخذ بعضه وترك البعض ليست كالإحفاء، وقال المغيرة بن شعبة: نظر إليّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد عفا شاربي فقال تعال: فقصه لي على سواك فهذا نص من فعله في أخذ الشارب، وقد رويت لفظة غريبة طروا الشوارب طراً؛ والطرّ أن يؤخذ من فوق الشارب ومن تحته يستدق، والطرّ الدقيق المستطيل المستخرج من شيء أكثر منه حتى يحمل على وصف دونه أو أصغر منه؛ ومن هذا سميت الطرة كأنها مستخرجة من شيء كثير مجعولة على وصف لطيف، وكان بعض السلف يترك سباليه وهما طرفا الشارب ويحفي وسط شاربه، وروي هذا عن عمر وغيره، وكذلك رأيت أبا الحسن بن سالم رحمه الله تعالى يفعل فأما قوله: وأعفوا اللحى يعني كثروها، ومن هذا قول الله عزّ وجلّ (حَتّى عَفَوْا) الأعراف: 95، أي كثروا، وفي الخبر أنّ اليهود يعفون شواربهم ويقصون لحاهم، فخالفوهم وردّ عمر بن الخطاب وابن أبي ليلى قاضي المدينة شهادة رجل كان ينتف لحيته ونتف الفينكين بدعة؛ وهما جنبتا العنفقة، شهد رجل عند عمر بن عبد العزيز بشهادة وكان ينتف فينكيه فردّ شهادته.

وورد عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: النهي عن نتف الشيب وقال: هو نور المؤمن ونهى عليه السلام عن الخضاب بالسواد قال: هو خضاب أهل النار، وفي لفظ آخر: الخضاب بالسواد خضاب الكفّار، وأمر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر أن يغير شيب أبيه، وقال: جنبه السواد وقال: هو خضاب أهل النار، وتزوج رجل على عهد عمر رضي الله عنه وكان يخضب بالسواد فنصل خضابه وظهرت شيبته فرفعه أهل المرأة إلى عمر فردّ نكاحه وأوجعه ضرباً، وقال: غررت القوم بالشباب ودلست عليهم شيبتك، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصفرة خضاب المسلمين، والحمرة خضاب المؤمنين، وكانوا يخضبون بالحناء للحمرة وبالخلوق والكتم للصفرة، ويقال: أوّل من خضب بالسواد فرعون لعنه الله، وقال سري بن المغلس السقطي: في اللحية شركان: تسريحها لأجل الناس وتركها متفتلة لإظهار الزهد، وقال أيضاً لو دخل عليّ داخل فمسحت لحيتي لأجله ظننت أني مشرك، وعن كعب وأبي الجلد وصفا قوماً يكونون في آخر الزمان يقصون لحاهم كذنب الحمامة ويعرقفون نعالهم كالمناجل أولئك لا آخلاق لهم، وذكر أيضاً عن جماعة أنّ هذا من أشراط الساعة، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة، وروي أبو المهزم عن أبي هريرة أنّ أصحاب الدجال عليهم السيجان شواربهم كالصياصي ونعالهم مخرطة؛ يعني شواربهم ملس تلوح، وأصل الصياصي القرون وهو جمع صيصة ومنه صيصة الديك الظفر الثاني الأملس مؤخر رجله كأنه عظم، وقوله عليهم السيجان يعني الطيالسة وهو جمع ساج، وقوله: نعالهم مخرطة أي لها أعناق طوال معرقفة كالخراطيم وهي أكمام الأباريق، وكان ابن عمر يقول للحلاق أبلغ العظمين فإنهما منتهى اللحية؛ يعني حدّها، ولذلك سميت لحية لأن حدّها للحي فالزيادة على ذلك الحد والنقصان منه محدث.

ذكر ما جاء في فعل بعض ذلك واستحبابه

إنّ من العلماء من كان يأخذ من لحيته في المناسك وغيرها وإن قبض الرجل على لحيته وأخذ ما تحت القبضة فلا بأس، قد فعله ابن عمر وجماعة من التابعين واستحسنه الشعبي وابن سيرين وكرهه الحسن وقتادة وتركها عافية على خلقتها أحبّ إليّ، وقد روينا خبراً من سعادة المرء خفة لحيته، إلاّ أنّ بعض الرواة رواه على معنى آخر فإن لم يكن صحفه فهو غريب، كان يقول فيه خفة لحيته أي بتلاوة القرآن ولا أراه محفوظاً، وقد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم الصالحون بعده يسرّحون لحاهم لأجل الدين والسنّة وتنظيفاً للطهارةونزع التفث من القمل وغيره ولإسقاط شعر ميت إن كان هناك، وقد كان من الزّهاد من يترك لحيته متفتلة لا يسرّحها شغلاً عن نفسه، والصدق بعينه حسن والصدق في كل شيء حسن، قال بعضهم: رأيت داود الطائي منفتل اللحية، فقلت: يا أبا سليمان لو سرّحت لحيتك، فقال: إني إذاً لفارغ، إلاّ أنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدهن شعره ويرجله غبّاً، وأمر بذلك فقال: وادهنوا غبّاً، وقال: من كانت له شهرة فليكرمه ودخل رجل ثائر الرأس أشعث اللحية فقال: أما كان لهذا دهن يسكن به شعره؟ ثم قال: يدخل أحدكم كأنه شيطان.

وقد روينا في خبر غريب: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسرّح لحيته في كل يوم مرتين، وفي خبر أغرب منه قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: اجتمع قوم بباب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرج عليهم فرأيته يطلع في الحب ليسوي من رأسه ولحيته، وفي الخبر المشهور أنه كان يمشط لحيته في كل يوم، وأنّ المشط والمدرى لم يكن يفارقه في سفر ولا حضر؛ فهذه سنّة العرب المعروفة فيهم وكان عليه الصلاة والسلام عليها، وكانت من أخلاقه، وقد كان الشباب يتشبهون بالكهول تفضيلاً للكهول غير عجب بالشباب ولا فخر بالحداثة.

وفي الخبر: خير شبابكم من تشبّه بشيوخكم وشرّ شيوخكم من تشبّه بشبابكم، وفي الحديث: أنّ من إجلال الله تعالى إجلال ذي الشيبة لمسلم، وقد كان الشيوخ يقدمون الشباب ويرون فضلهم بالعلم والدين تواضعاً وإخباتاً لا تكبّراً بالكبر ولا غلّواً، كان عمر رضي الله تعالى عنه يقدم ابن عباس وهو حدث السنّ على أكابر الصحابة ويسأله دونهم.

وروي عن ابن عباس وغيره: ما آتى الله تعالى عبداً العلم قط إلاّ شاباً والخير كله في الشباب، ثم تلا قوله تعالى: (قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبراهيمُ) الأنبياء: 60 وتلا قوله سبحانه: (إنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) الكهف: 13، وقوله تعالى: (وَآَتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِيّاً) مريم: 12، وقد كان أنس بن مالك إذا ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قبض، وليس في شعر رأسه وشعر لحيته عشرون شعرة بيضاء فقيل ولِمَ يا أبا حمزة وقد أسنّ؟ قال: لم يشنه الله تعالى بالشيب، قيل: أو شين هو؟ قال: كلكم يكرهه، ويقال إنّ يحيى بن أكثم ولي القضاء وسنّه إحدى عشرون سنة فقال له رجل ذات يوم وهو في مجلسه يريد أن يحشمه بذلك كم سنّ القاضي أيده الله تعالى؟ فقال مثل سن عتاب بن أسيد حيث ولاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمارة مكة وقضاءها فأفحمه، وروينا عن مالك بن معول قال: قرأت في بعض كتب الله عزّ وجل: لا تغرّنكم اللحى فإن التيس له لحية، وقال بعض الأدباء كلما طالت اللحية تشمّر العقل وقال أبو عمرو بن العلاء إذا رأيته طويل القامة صغير الهامة عريض اللحية فاقض عليه بالحمق، ولو كان أمية بن عبد شمس، وقال معاوية رحمه الله تعالى: يتبين حمق الرجل من طول قامته وعظم لحيته، وفي كنيته ونقش خاتمه، وكان إبراهيم النخعي ومثله من السلف يقول: عجبت لرجل عاقل طويل اللحية كيف لا يأخذ من لحيته فيجعلها بين لحيتين فإن التوسط في كل شيء حسن وأنشدت لبعض الظرفاء:

لا تعجبنّ بلحية ... كبرت منابتها طويله

يهوى بها عصف الريا ... ح كأنها ذنب الحسيله

قد يدرك الشرف الفتى ... يوماً ولحيته قليله

وأنشد لبعض العرب:

لعمرك ما الفتيان ... إن تنبت اللحى

ولكنما الفتيان ... كل فتى ندي

ولم يكن الأشياخ يستنكفون أن يتعلموا من الشباب ما جهلوا ولا يزرون عليهم لصغر سنهم إذ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء لا مانع لما أعطى الله من صبي أو غيره ولا معطي لما منع الله من كبير أو غيره، وقال أبو أيوب السجستاني: إني أدركت الشيخ ابن ثمانين سنة يتبع الغلام يتعلم منه فيقال له تتعلم من هذا؟ فيقول: نعم، أنا عبده ما دمت أتعلم منه، وقال عليّ بن الحسن من سبق إليه العلم فهو إمامك فيه وإن كان أصغر سنّاً منك، وقيل لأبي عمرو بن العلاء: أيحسن للشيخ الكبير أن يتعلم من الصغير؟ فقال: إن كانت الحياة تحسن به فإن التعلّم يحسن، فإنه يحتاج إلى العلم ما دام حيّاً، وقال يحيى بن معين لأحمد بن حنبل وقد رآه يمشي خلف بغلة الشافعي رضي الله تعالى عنه: يا أبا عبد الله تترك حديث سفيان بعلوّ وتمشي خلف بغلة هذا الفتى وتسمع منه؟ فقال أحمد: لو عرفت منه ما أعرف لكنت تمشي من الجانب الآخر، إن علم سفيان إن فاتني بعلوّ أدركته بنزول وإن عقل هذا الشاب إن فاتني لم أدركه بعلوّ ولا نزول، وسمعت أبا بكر بن الجلاء يقول، إني لأرى الصبي يعمل الشيء فأستحسنه فأقتدي به فيكون إمامي فيه وما رأيت أشد تواضعاً منه على علمه وزهده، فأما معنى الخبر الذي روي لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم عن أكابرهم، فإذا أتاهم عن أصاغرهم هلكوا، فإن ابن المبارك سئل عن معنى ذلك فقال: أصاغرهم أهل البدع لأنه لا صغير من أهل السنّة ممن عنده علم، ثم قال: كم من صغير السن حملنا عنه كبير علم، وقد قيل: إنّ قوله عن أكابرهم يعني أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فهذا مواطئ للخبر الآخر: لا تزال أمتي بخير ما دام فيهم من رآني وليأتين عليهم زمان يطلب في أقطار الأرض فلا يوجد أحد رآني، كيف وقد جاء بذلك لفظة ذكرتها لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن أكابرهم، فإذا أتاهم عن أصاغرهم استعصى الكبير على الصغير فهلكوا أي فذلك خشية أن لا يتعلم منه لما ذكرناه من الحياء والتكبّر والاستنكاف ووجه آخر هذا مجازه عندي على الخبر والكون لا على الذم لأنه قد جاء في الأثر وصف هذه الأمة في أوّل الزمان بتعلم صغارها من كبارها، فإذا كان آخر الزمان تعلم كبارهم من صغارهم، فإذا كان كذلك فهذا تفضيل الأصاغر وتشريف هذه الأمة على سالف الأمم لأنهم لم يكونوا يحملون العلم إلاّ عن القسيسين والرهبان والأشياخ العباد والزهاد، وأخبر أنّ هذه الأمة في آخر الزمان تفضل سالف الأمم في أوّل أزمنتهم بأن يتعلم الكبير من الصغير كما فضلهم الله تعالى به فذلك أشدّ وطأ للخبر الآخر: أمتي كالمطر لا يدري أوّله خير أم آخره، ولمثله من الشاهد: كيف تهلك أمة أنا في أولها والمسيح ابن مريم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في آخرها.

وقد روينا في الخبر: لا تحقروا عبداً آتاه الله تعالى علماً فإن الله تعالى لم يحقره إن جعل العلم عنده وكان شعبة يقول: من كتبت عنه حديثاً أو تعلمت منه علماً فأنا عبده، وقال مرة: إذا كتبت عن الرجل سبعة أحاديث فقد استرقني، فأما الخضاب بالسواد فقد يروى أن بعض العلماء ممن كان يقاتل في سبيل الله تعالى كان يخضب بالسواد ولكن لم يكن هذا يخضب به لأجل الهوى وتدليس الشيب إنما كان يعدّ هذا من أعداد القوة من العدة لأعداء الله تعالى بمعنى قول الله عزّ وجلّ: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) الأنفال: 60 وإظهار الشباب من القوة وقد رمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضطبع هو وأصحابه ليراهم الكفار فيعلموا أنّ فيهم جلداً وقوة، ومن صنع شيئاً بنية خالصة صالحة يريد بذلك وجه الله تعالى وكان عالماً بمذهب له ذهب إليه فهو فاضل في علمه وفعله وإن كان ذلك من دون أعماله لم يتبع أن يستن به فيه لأنّا روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من شرّ الناس منزلة عند الله يقتدي بسيئة المؤمن ويترك حسنته، فأخبر أنّ للمؤمن سيئة وأنّ من شرّ الناس من تأسى بها معذرة لنفسه في هواها.

باب ما ذكر من نوافل الركوع وما يكره من النقصان منه

قال الله سبحانه وتعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) الطور: 49، روينا عن عليّ رضي الله تعالى عنه أنه فسره قال: ركعتا الفجر، وكذلك فسّر قوله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) ق: 40، قال: ركعتا المغرب، وهذا على قراءة من كسر الألف، فأما من نصبها فإن معناه إدبار الصلوات أي أعقابها وأواخرها، والتسبيح اسم الصلاة النافلة لكون التسبيح فيها، وتسمى النافلة سبحة، فمن سنن الركوع واستحبابه إدبار الصلوات وقبلها الذي لا أستحبّ ترك شيء منه، وبعضه أوكد من بعض سبع عشرة ركعة مجموع من خمسة أحاديث: حديث عليّ رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنهار فقال: ست عشرة ركعة، وحديث ابن عمر: حفظت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشر ركعات، وحديث أبي أيوب الأنصاري في الصلاة قبل الظهر، وحديث أنس بن مالك وعائشة في الصلاة بعد العشاء الآخرة، وفي الوتر وخبر أم حبيبة الوارد بالفضل من العدد: من صلّى في يوم اثنتي عشرة ركعة غير المكتوبة بنى الله تعالى له بيتاً في الجنة، وخبر غريب رواه أهل البيت مواطئ لبعض ما ذكرناه أنّ الله تعالى فرض عليكم في اليوم والليلة سبع عشرة ركعة وسننت لكم مثلها؛ أول ذلك ركعتا الفجر وهما سنّة مؤكدة، وأربع قبل الظهر وهن مستحبات مؤثرة في الاستحباب، وركعتان بعدها وهما سنّة، وأربع قبل العصر رجاء أن يدخل في دعوة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وركعتان بعد المغرب وهما سنّة مؤكدة، وثلاث ركعات الوتر مؤكدة، فأما حديث عليّ رضي الله عنه فإنه ذكر من صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً لم يذكره غيره: أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلّي الضحى ست ركعات في وقتين، إذا أشرقت الشمس وارتفعت قام فصلّى ركعتين وهذا هو الإشراق وهو الورد الثاني من النهار، وإذا انبسطت الشمس وكانت في ربع السماء من المشرق، ومثلها حين تكون في ثلاثة أرباع السماء، من صلاة العصر صلّى أربعاً وهذا هو الضحى الأعلى والورد الثالث من النهار، والمواظبة على هذه الصلاة بمراعاة هذين الوقتين من عزائم الأعمال وفواضلها، وذكرت أم هانئ أخت عليّ رضي الله عنه أنه صلّى الضحى ثماني ركعات أطالهن وحسّنهن ولم ينقل هذا العدد غيرها، وأما عائشة رضي الله تعالى عنها فإنها ذكرت أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلّي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء لله فلم تحد.

وقد روينا في حديث منفرد أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلّي الضحى ست ركعات، وقد روى أبو أيوب الأنصاري عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً تفرّد به: أنه لم يكن يدع أن يصلي أربعاً الزوال وقبل صلاة الظهر يقرأ فيهن بمقدار سورة البقرة، قال: فسألته عن هذه الصلاة فقال: إنّ أبواب السماء تفتح هذه الساعة ويستجاب الدعاء فأنا أحبّ أن يرفع لي فيها عمل صالح، وقد جاء في حديث أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفسّراً: من صلّى في يوم اثنتي عشرة ركعة غير المكتوبة بنى الله له بيتاً في الجنة، ركعتين قبل الفجر، وأربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين قبل العصر، وركعتين بعد المغرب، ورواه ابن عمر في حديثه: حفظت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل يوم عشر ركعات فذكرها إلاّ قوله: وركعتين قبل الفجر، فإنه قال: تلك الساعة لم تكن تدخل فيها على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكن حدثتني أختي حفصة أنه كان يصلّي ركعتين في بيتها ثم يخرج، وقال في حديث: ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد العشاء، وقالت عائشة: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلّى بعد العشاء الأخيرة أربع ركعات ثم ينام.

وقال أنس بن مالك: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر بعد العشاء بثلاث ركعات، يقرأ الأولى: بسبِّح اسم ربِّك الأعلى وفي الثانية: قل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة: قل هو الله أحد، وقد جاء في خبر أنه كان يصلّي بعد الوتر ركعتين جالساً وفي بعضها متربّعاً، وفي بعض الخبر إذا أراد أن يدخل في فراشه زحف إليه وصلّى فوقه ركعتين قبل أن يرقد، يقرأ فيهما: إذا زلزلت الأرض، وسورة ألهاكم التكاثر.

وفي رواية أخرى: وقل يا أيها الكافرون، فإن أضعف العبد هذه السبع عشرة ركعة فجعلها أربعاً وثلاثين يداوم عليها ويجعلها ورده من الصلاة فهو أفضل؛ وهذا مذهب أهل البيت واحتجوا فيه بخبر رووه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: فرض الله تعالى على أمتي في اليوم والليلة سبع عشرة ركعة وسننت لهم مثلهما وإن كان الحفاظ من أهل النقل يضعغون هذا الحديث إلاّ أنه قال عليه الصلاة والسلام: الصلاة خير موضوع، فمن شاء أكثر ومن شاء أقلّ، وقال: بين كل أذان وإقامة صلاة لمن شاء، فإن فعل ذلك وراعاها على ما يرتبه فهو مقارب لما ذكرناه آنفاً من السنن والاستحباب قبل الصلوات الخمس وبعدها ركعتان قبل الفجر، وأربع من الضحى، وأربع قبل الظهر، وأربع بعدها، وأربع قبل العصر، وست بعد المغرب، وأربع قبل العشاء وست بعدها، ثم يوتر بواحدة؛ فهذا حينئذ نحو ما رسمناه وهو مشبه لما نقلناه من الآثار، وليستند إلى الخبر المأثور وإلى فعل أهل البيت، وأكثر ما روي من صلاته بين العشاءين مما نقل عدده ست ركعات، وأكثر ما روي من صلاة الضحى ثمان ركعات، ومن صلاته بالليل ثلاث عشرة ركعة، إلاّ حديثاً مقطوعاً موقوفاً على طاووس رواه ابن المبارك: أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلّي من الليل سبع عشرة ركعة، فهو حديث شاذ ذو سائر الأخبار المسندة عن ابن عباس، وعائشة، وميمونة، وأم حبيبة؛ إنما هي إحدى عشرة ركعة وثلاث عشرة ركعة، واستحب أن يصلّي العبد قبل كل صلاة أربعاً وبعدها أربعاً إلا ما لا صلاة قبلها ولا صلاة بعدها، ثم يزيد بعد ذلك ما قسم الله تعالى له، وأن يصلّي الضحى ثماني ركعات ويواظب عليهن إذا أنشط أطالهن وإذا فتر قصرهن، فإنّ المداومة على العمل عمل ثان، وهو من أفضل الأعمال وأحبّه إلى الله تعالى، وإلاّ اقتصر على أربع يديمهن، ولا أكره أن يصلّي قبل المغرب ركعتين بعد غروب الشمس، فقد قال أنس بن مالك: كان اللباب من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلّون ركعتين قبل المغرب، وكان أبيّ بن كعب، وعبادة بن الصامت، وأبو ذر، وزيد بن ثابت، وغيرهم من أكابر أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلّونها، وقال عبادة أو غيره: كان المؤذن إذا أذن لصلاة المغرب ابتدر أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السواري يصلّون ركعتين، وقال أيضاً بعضهم: كنّا نصلّي ركعتين قبل المغرب وذاك داخل في عموم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بين كل أذانين صلاة لمن شاء، وقد كان أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يصلّيهما فعليهما الناس عليه، وقال مرة: لم أرَ الناس يصلّونهما فتركتهما، وقال: إن صلاّهما الرجل في بيته أو حيث يراه الناس فحسن وذلك استحب.


4hFnTkfUWdo

 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!