موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد

أبو طالب المكي (المتوفى: 386هـ)

الفصل الخامس والأربعون ذكر التزويج وتركه أيهما أفضل ومختصر أحكام النساء في ذلك

 

 


الفصل الخامس والأربعون ذكر التزويج وتركه أيهما أفضل ومختصر أحكام النساء في ذلك

قال سبحانه وتعالى: (وَأنْكِحوا الأَيَامى مِنْكُمْ) النور: 32 الآية، فأمر المحتاجين وندب المعصومين، فالنكاح فرض مع الحاجة وسنّة على الكفاية، ثم وعدهم تعالى الغنى على الفقر، فالغنى على الغني يجعله على نحو الفقر من الفقير، فقد يكون فقيراً من الأجر فيغنيه بالأجر، ويكون فقيراً من عدم الحكم فيغنيه بإيجاب الحكم عليه، ويكون فقيراً بالضيعة والشتات وفقد المنزل والأثاث فيغنيه بوجود ذلك، وأحكمه عزّ وجلّ بما عقبه من قوله تعالى وهو الحكيم: (والله وَاسِعٌ عَليمٌ) البقرة: 247، فهو واسع لغناهم عن معاني فقرهم عليهم بحالهم وما يصلحهم فيما لا يعلمون على مقادير رتبهم، وروى الحسن عن أبي سعيد عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من ترك التزويج مخافة العيلة فليس منا، وروينا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فأنكحوه ألاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.

وفي الخبر: من نكح لله عزّ وجلّ وأنكح لله تبارك وتعالى استحق ولاية الله تعالى، وهذا أدنى حال تنال به الولاية لأنها مقامات لكل مقام عمل من الصالحات، إلاّ أنا روينا أنّ بشر بن الحارث قيل له إنّ الناس يتكلمون فيك، فقال: وما عسى يقولون؟ قيل: يقولون إنك تارك لسنّة يعنون النكاح، فقال: قل لهم: إني مشغول بالفرض عن السنّة، وقال مرة: ما يمنعني من ذلك إلا آية في كتاب الله تعالى قوله: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذي عَلَيْهِنَّ) البقرة: 228، ولعسى أن لا أقوم بذلك، وكان يقول: لو كنت أعول دجاجة لخفت أن أكون جلاّداً على الجسر، هذا يقوله في سنة عشرين ومائتين، والحلال والنساء أحمد عاقبة، فكيف بوقتنا هذا؟ فالأفضل للمريد في مثل زماننا هذا ترك التزويج إذا أمن الفتنة وعود العصمة، ولم تنازعه نفسه إلى معصية، ولم يترادف خواطر النساء على قلبه حتى يتشتت همه أو يقطعه عن حسن الإقبال على الخدمة من مسامرة الفكر ومحادثة النفس بأمر النساء، وما لم يجمح بصره إلى محظور ولم يخالط ذكره شهوة تستولي عليه، لأنّ أول خطايا الفرج شهوة القلب بمسامرة الفكر وهو معقول الخطيئة الثانية: إنعاظ الفرج عن شهوة القلب وهذا عمل، وقبض الرجل على فرجه متعظاً معصية ثالثة، فإن ظهرت الشهوة من الفرج فهو معصية رابعة، ومسّ الفرج باليمين مكروه، فمتى وقعت هذه المعاني فإنها تغيّر القلب عن الخشوع، وتدخل عليه النقصان، ومتى لم يبتل العبد بها، فإن الخلوة أفضل المعاني، وفيها يجد لذة الوجود وحلاوة المعاملة، ويقبل على نفسه ويشتغل بحاله ولا يهتم بحال غيره، فيحمل حاله على حال غيره فيقصر، أو يقوم بحكم آخر فيعجز، ويعالج شيطاناً آخر مع شيطانه، وتنضم نفس أخرى إلى نفسه، وله في مجاهدة نفسه ومصابرة هواه وعدوه أكبر الأشغال، ومنها أنّ المكاسب قد فسدت فليس ينال أكثرها إلاّ يمعصية وهو مسؤول من أين اكتسبه وفيم أنفقه، فإن كان كسب من غير حلّه حسب ذلك عليه، وإن أنفق على هواه لم يحسب ذلك له، ومنها أن أكثر النساء قليلات الدين والصلاح، والأغلب عليهن الجهل والهوى، فلا يأمن أن ينقاد لهنّ لأجل هواه فيخسر آخرته، أو يمانعهن فيغالطهن، فلا ينقدن له فيتنغص عليه عيش دنياه، وقال الحسن رحمه الله: والله ما أصبح اليوم رجل يطيع امرأته فيما تهوى إلاّ أكبه الله في النار، ومنها أنّ الأغنياء في مقام الظالمين للفقراء لبخس حقوقهم عنهم، وتقصيرهم عمّا أوجب الله عزّ وجلّ عليهم لهم، فإن كان المتأهل فقيراً لقي شدةً وجهداً وعنتاً وكداً ولم يأمن دخول الآفات عليه لأجل عيلته، وقد سئل ابن عمر رضي الله عنه عن جهد البلاء فقال: كثرة العيال، وقلة المال، وقال بعض السلف: قلة العيال أحد اليسارين، وكثرة العيال أحد الفقرين، ويقال: إنّ العيال عقوبة شهوة الحلال وإنّ الحرص عقوبة طلب فوق الكفاية فهو عقوبة الموحدين.

وقد جاء في الأثر: الوحدة خير من قرين السوء وهو من القرين الصالح على غير يقين، فلا يزال اليقين بالشك، فإن أكثر النساء من لا صلاح فيه لغلبة الهوى وحبّ الدنيا عليهن، وفي الخبر: مثل المرأة الصالحة في النساء كمثل الغراب الأعصم من مائة غراب، يعني الأبيض البطن، وفي وصية لقمان لابنه: يا بني اتّقِ المرأة السوء فإنها تشيبك قبل المشيب، واتّقِ شرار النساء فإنهنّ لا يدعون إلى خير، وكان من خيارهن على حذر، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خيرات النساء: إنكن صواحبات يوسف عليه السلام، إن صرفكنّ أبا بكر رضي الله عنه عن الإمامة ميل منكنّ إلى الهوى وتزيين وإغواء، كما أنّ زليخا حين راودت يوسف عليه السلام كان ذلك منها غواية وتسويلاً، ففيه اعتذار ليوسف عليه السلام وإيقاع اللوم عليها وتشبّه لهنّ بها، وقال الله فيهن حين أفشين سرّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنْ تَتُوبا إلى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) التحريم: 4، يعن مالت إلى الهوى فأمرهما بالتوبة للميل إلى الهوى، ثم قال: وإن تظاهرا عليه يعني تعاونا وهما من خير الأزواج فماظنك بمن شاكلته الجهالة ووصف الهوى والضلالة؟.

وفي الخبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أفلح قوم تملكهم امرأة، وقال الله تعالى مخبرًا بعداوة بعض الأزواج والأولاد: (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فاحْذَرُوهُمْ) التغابن: 41، يعني في الآخرة لانحطاطكم في أهوائهم وميلكم إلى وهن آرائهن، فصاروا عدوّاً غداً، كيف وقد تكون المرأة والولد أعدى عدو للرجل اليوم بل يوم القيامة إذا خالفهم في أهوائهم وعمل بالعلم في أحوالهم وقد كان إبراهيم بن أدهم يقول: من تعوّد أفخاذ النساء لم يفلح، وكان بشر رحمه الله يقول: لوكان لي عيال لخشيت أنْ أكون جلاّداً على الجسر، فالوحدة أروح للقلب وأقلّ للهمّ لخفة المؤونة وقلة المطالبة وأمن المنازعة وسقوط حكم من أحكام الشرع عنه، وقد كان السلف يعملون في إسقاط الحكم عنهم للعجز عن القيام بها، ويغتنمون ذلك، وفي التخلي قلّة الاهتمام بالأدخار والجمع، وترك المراعاة، والتحفظ للمبيت في البيت، وسقوط المسألة والاستخبار، وترك التجسس للآثار التي نهى الله ورسوله عنها إذ لا يأمن ذلك مع الزوجة السوء، وإنما زهد الزاهدون في الدنيا لراحة القلب واطّراح الهمّ وسقوط المطالبة، وقد أبيحت العزبة وفضل التعزب لهذه الأمة في آخر الزمان، بعد المائتين أبيحت العزبة لأمتي، ولأن يربي أحدكم جرو كلب خير من أن يربي ولدًا، والخبر المشهور: خير الناس بعد المائتين الخفيف الحاد الذي لا أهل له ولا ولد، وفي خبر آخر: يأتي على الناس زمان يكون هلاك الرجل على يدي زوجته وأبويه وولده، يعيّرونه بالفقر ويحمّلونه ما لا يطيق، فيدخل المداخل التي يذهب فيها دينه فيهلك وربما كانت المرأة عقوبة للعبد.

وقد حدثونا في أخبار الأنبياء عليهم السلام أنّ قوماً دخلوا على يونس عليه السلام فأضافهم، وكان يدخل ويخرج إلى منزله فتؤذيه امرأته وتستطيل عليه وهو ساكت، فعجبوا من ذلك، وهابوه أنْ يسألوه فقال: لا تعجبوا من هذا، فإني سألت الله عزّ وجلّ فقلت: يا ربّ ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا فقال: إنّ عقوبتك ابنة فلان فتزوّج بها، فتزوّجت بها وأنا صابر على ما ترون منها، وهذا كله لمن لم يخشَ العنت، فأما من خاف العنت وهو الزنا، وأصل العنت في اللغة هو الكسر بعد جبر، يقال للدابة إذا كسرت بعد ما جبرت قد عنتت، فكأنه كان مجبوراً بالعصمة وبالتوبة ثم كسر بالزلل أو العادة السوداء فنكاح الأمة حينئذ خير له من العنت، والصبر عن نكاح الأمة خير من نكاحها، وهذا معنى قوله عزّ وجلّ في نكاح الأمة: (ذَلِكَ لِمَنْ خَشِي َ العَنَتَ مِنْكُمْ) النساء: 25، وكذلك إنْ كثرت الخواطر الردية والوساوس الدنية في قلبه بذكر النكاح فشغله ذلك عن فرضه أو شتت ذلك همه، فإن نكاح الأمة أيضاً خير له على أنّ نكاح الأمة محرم على من وجد طولاً بحرة، انصرف الناس ذات يوم من مجلس ابن عباس وبقي شاب لم يبرح، فأطال القعود فقال له ابن عباس: هل لك من حاجة فقال: نعم، لي حاجة استحيت أنْ أسألك عنها بحضرة الملأ قال: سلني عمّا شئت قال: إني أهابك وأجلك فقال ابن عباس: إنما العالم بمنزلة الوالد لا حشمة على السائل منه، فمهما أفضيت به إلى أبيك فأفض به إليّ فإنه لا عيب عليك عندي فقال: رحمك الله إني شاب لا زوجة لي وربما خشيت العنت على نفسي، وربما استمنيت بذكري فهل لي في ذلك معصية، فأعرض عنه ابن عباس رضي الله عنهما ثم قال: أف وتف، نكاح الأمة خير من هذا، وهذا خير من الزنا، ونكاح الأمة عند علماء العراق حرام على من وجد عشرة دراهم، وعند بعض علماء الحجاز إذا كان واجداً ثلاثة دراهم لم يحل له نكاح الأمة، وعن بعض أصحاب ابن المسيب إنْ وجد الرجل درهمين حرم عليه الأمة، وقال بعض الناس: أحمق الناس حرّ تزوّج بأمة، وأعقل الناس عبد تزوّج بحرّة، لأن هذا يعتق بعضه وذلك يرق بعضه، لأنه يرق ولده وقد جاء في كراهة الاستمناء وتحريمه والتغليظ فيه أخبار شديدة.

روينا أنّ الله عزّ وجلّ أهلك أمة من الأمم كانوا يعبثون بمذاكيرهم، وقد أسنده إسماعيل بن أبان عن أنس بن مالك، وسئل أبو محمد عن النساء فقال: الصبر عنهن ولا الصبر عليهن، والصبر عليهن خير من الصبر على النار، وكذلك قال بعض العلماء قبله: معالجة العزبة خير من معالجة النساء وقال بعض علمائنا البصريين من أهل الورع واليقين، وقد سئل عن التزويج في مثل زماننا، فذكر ضيق المكاسب وقلة الحلال وكثرة فساد النساء، فكرهه للورع وأمره بالمدافعة فأعيد عليه في ذلك، فقال إنه يدخل في المعاصي لدخول الإنسان في الآفات وفي المكاسب المحرمات ومن أكله بدينه وتصنعه للخلق، فلا يصلح التزويج في هذالوقت إلاّ لرجل يدركه من الشبق ما يدرك الحمار إذا نظر إلى أتان، لم يملك نفسه أنْ يثب عليها حتى يضرب رأسه، وهو لا ينثني، فإن كان الإنسان على مثل هذا الوصف كان التزويج له أفضل، وقد روينا عن قتادة في قوله عزّ وجلّ: (ولا تُحمِّلْنا ما لا طاقَةَ لنا بهِ) البقرة: 286، قال الغلمة وعن عكرمة ومجاهد رضي الله عنهما وخلق الإنسان ضعيفاً قال: لا يصبر عن النساء.

وروينا عن فياض بن نجيح إذا قام ذكر الرجل ذهب ثلثا عقله، وبعضهم يقول: ذهب ثلث دينه، وروينا في نوادر التفسير عن ابن عباس ومن شرّ غاسق إذا وقب قال: قيام الذكر وقد أسنده بعض الرواة، إلاّ أنه قال فيه: الذكر إذا دخل ولم يذكر قام، وفي الخبر: إذا تزوج الرجل فقد أحرز نصف دينه، فليتّقِ الله في الشطر الآخر، وفي دعاء البراء بن عازب: أعوذ بك من شرّ سمعي وبصري وقلبي ومني، فكان المني إذا امتلأ به خرز الصلب، فطلب الخروج فخيف منه فساد القلب ومرضه بمنزلة الدم إذا كان في العروق، فإذا تصاعد من الصلب طبخه وغيره فابيضّ وصار منياً بإذن الله عزّ وجلّ، وذكر النساء في مجلس معاوية فذمهن قوم فقال: لا تفعلوا، فما علل المريض ولا ندب الميت ولا عمر البيوت مثلهن، ولا احتاجت الرجال إلى مثلهن وفي بعض التفسير قال: (أنّا جعلنا ما على الأرض زينة لها) الكهف: 7 قال: النساء، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا يتم نسك الشاب حتى يتزوّج، وكان يجمع غلمانه لما أدركوا عكرمة وكريب وغيرهما فيقول: إنْ أردتم النكاح أنكحتكم، فإن العبد إذا زنا نزع نور الإيمان من قلبه، وقد قال عمر رضي الله عنه لأبي الزوائد: ما يمنعك من النكاح إلا عجوز أو فجور، وحدثنا بعض علماء خراسان عن شيخ له من الصالحين، كان يصحب عبدان صاحب ابن المبارك ووصف من صلاحه وعلمه قال: فكان يكثر التزويج حتى لم يكن يخلو من اثنتين أو ثلاثة فعوتب في ذلك فقال: هل يعرف أحد منكم أنه جلس بين يدي الله عزّ وجلّ مجلساً، أو وقف بين يدي الله موقفاً في معاملته، فخطر على قلبه خاطر شهوة، وأفكر في ذلك فقيل: قد يصيبنا هذا كثير فقال: لو رضيت في عمري كله بمثل حالكم في وقت واحد لما تزوّجت ثم قال، لكني ما خطر على قلبي خاطر يشغلني عن حالي إلاّ نفذته لأستريح منه، وأرجع إلى شغلي ثم قال: منذ أربعين سنة ما خطر على قلبي خاطر معصية، وسمع بعض العلماء بعض الجهال يطعن على الصوفية فقال: يا هذا ما الذي نقصهم عندك فقال: يأكلون كثيراً فقال: وأنت أيضاً، لو جعت كما يجوعون لأكلت كما يأكلون ثم قال: ماذ؟ قال: ويتزوّجون كثيراً فقال: وأنت أيضاً، لو حفظت فرجك كما يحفظون تزوّجت كما يتزوّجون وأي شيء أيضاً قال: ويسمعون القول قال: وأنت أيضاً، لو نظرت كما ينظرون لسمعت كما يسمعون، وقد سئل بعض العلماء عن القراء: لِمَ يكثرون الأكل ويكثرون الجماع وتعجبهم الحلاوة فقال: لأنه يطول جوعهم ويتعذر عليهم موجود الطعام، فإذا وجدوا استكثروا منه، وأما الحلاوة فإنهم تركوا شرب الخمر وكثرة لذات النفوس فاجتمعت لذتهم في الحلاوة، فهم يأكلونها، وأما الجماع فإنهم غضّوا أبصارهم في الظاهر، فضيقوا على قلوبهم في الخواطر، فاتسعوا في النكاح فأكثروا منه لما ضيقوا على جوارحهم عن الانتشار في الأبصار، وقد كان الجنيد رحمه الله يقول: أحتاج إلى الجماع كما أحتاج إلى القوت، وكان ابن عمر رضي الله عنه من زهاد أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلمائهم، وكان يصوم كثيرًا، وكان يفطر على الجماع قبل الأكل، وربما جامع قبل أنْ يصلي بالمغرب ثم يغتسل ويصلّي.

وروينا عنه أنه جامع أربعًا من جواريه في رمضان قبل صلاة عشاء الآخر، وقد كان ابن عباس رضي الله عنه يقول: خير هذه الأمة أكثرها نكاحاً، وكان سفيان بن عيينة يقول: كثرة النساء ليست من الدنيا لأن عليًّا رضي الله تعالى عنه كان أزهد أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان له أربع نسوة وسبعة عشر سرية، فالنكاح سنّة ماضية وخلق من أخلاق الأنبياء صلوات الله عليهم، وقد روينا في أخيار الأنبياء أنّ عابداً تبتل وبلغ من العبادة ما فاق على أهل زمانه، ووصف بذلك فقال: فذكر ذلك لنبي ذلك الزمان، فأثنى عليه بحسن الثناء فقال: نعم الرجل هو لولا أنه تارك لشيء من السنة قال: فنمى ذلك إلى العابد فأهمه فقال: ما ينفعني عبادتي ليلاً ونهاراً وأنا تارك للسنة، فجاء إلى ذلك النبي فسأله فقال: نعم أنت تارك للتزوّج فقال: ما تركته أنني حرمته ومنعني منه إلاّ أني فقيرلا شيء عندي وأنا عيال على الناس، يطعمني هذا مرة وهذا مرة، فكرهت أنْ أتزوّج امرأة أعضلها وأرهقها جهداً، فقال: ما يمنعك إلاّ هذا قال: نعم قال: فأنا أزوجك ابنتي قال: فزوجه النبي عليه السلام ابنته في قصة طويلة، وروينا في نوادر أخبارهم أيضاً: أنّ يحيى بن زكريا عليهما السلام تزوّج امرأة ولم يكن يقربها، قيل: لغض البصر وقيل: للفضل في ذلك، كأنه أراد أن يجمع الفضائل كلها، وقيل: للسنّة، وكان بشر بن الحارث رحمه الله يعتقد أحمد بن حنبل رحمه الله ويقول: فضل عليّ بثلاث بطلب الحلال لنفسه ولغيره، وأنا أطلب الحلال لنفسي واتساعه للنكاح وضيقي عنه وقد جعل إماماً للعامة، وأنا أطلب الوحدة لنفسي، ويقال إنّ أحمد بن حنبل رضي الله عنه تزوّج اليوم الثاني من وفاة أم عبد الله ولده، ويقال إنه لم يبت عزباً بعد وفاتها إلاّ ليلة، ولكن قد كان بشر رحمه الله يحتج لنفسه بحجة، قيل له إنّ الناس يتكلمون فيك فقال: وما عسى أنْ يقولوا قال: يقولون هو تارك للسنّة في ترك النكاح فقال: قل لهم: هو مشغول بالفرض عن السنّة، وعوتب مرة أخرى في ترك التزوج فقال: ما يمنعني من ذلك إلاّ حرف في كتاب الله عزّ وجلّ: (ولهن مثل الذي عليهن) البقرة: 228 قال: فذكر ذلك لأحمد بن حنبل فقال: وأين مثل بشر أنه قعد على مثل حد السنان، وعلى ذلك فقد بلغنا أنه رحمه الله رؤي في المنام بعد وفاته، فسئل عن حاله فقال: رفعت سبعين درجة في عليين، وأشرف بي على مقامات الأنبياء ولم أبلغ منازل المتأهلين، وبلغنا عنه أنه قال: وعاتبني ربي عزّ وجلّ وقال: يا بشر ما كنت أحب أنْ تلقاني عزباً قال: فقلت له ما فعل أبو نصر التمار فقال: رفع فوقي سبعين درجة فقلنا: بماذا، وقد كنا نراك فوقه فقال: بصبره على بناته والعيال.

وقد كان ابن مسعود يقول: لو لم يبقَ من عمري إلا عشرة أيام أموت في آخرها لأحببت أنْ أتزوج، ولا ألقى الله عزّ وجلّ وأنا أعزب، وماتت امرأة معاذ بن جبل رضي الله عنه في الطاعون، وكان هو أيضاً مطعوناً فقال: زوجوني فإني أكره أنْ ألقى الله عزّ وجلّ عزبًا، وقد كان بعض الصحابة، انقطع إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخدمه ويبيت عنده لحاجة إنْ طرقته فقال له: ألا تتزوج فقال: يا رسول الله، أنا فقير لا شيء لي وأنقطع عن خدمتك، فسكت عنه ثم أعاد عليه ثانية: ألا تتزوج، فقال له مثل ذلك، ثم تفكر الصحابي في نفسه فقال: والله لرسول الله أعلم بما يصلح في دنياي وآخرتي، وما يقربني إلى الله عزّ وجلّ مني لئن قال لي الثالثة لأفعلن فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا تتزوج قال: فقلت: يا رسول الله زوجني قال: اذهب إلى بني فلان فقل لهم إنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمركم أنْ تنكحوني فتاتكم قال: فقلت: يا رسول الله إنّه لا شيء لي فقال لأصحابه: اجمعوا لأخيكم وزن نواة من ذهب، فجمعوا له وذهب إلى القوم فأنكحوه، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أولِمْ فقال: يار سول الله لا شيء عندي فقال لأصحابه: اجمعوا لأخيكم ثمن شاة، فجمعوا له وأصلح طعاماً، ودعا عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، وفي الخبر المشهور: من كان ذا طول فيلتزوج، وفي لفظ آخر: من استطاع منكم الباءة يعني الجماع فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لا فليصم، فإن الصوم له وجاء، وأصل الوجاء رض الخصيتين للفحل من الغنم لتذهب فحولته وضرابه، فكانت العرب تجأ بحجرين فتقطع ضرابه، فيسكن لذلك عهره ويسمن، ومن ذلك الخبر ضحى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكبشين أملحين موجوءين يعني أبيضين مرضوضي الخصية.

روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تناكحوا، تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط والرضيع، وفي الخبر الآخر: من أحبني فليستن بسنتي يعني النكاح، وحديث أبي سعيد الخدري: من ترك النكاح مخافة العيلة فليس منا، وقد كان عمر يكثر النكاح ويقول: ما أتزوج إلاّ لأجل الولد، وقد كانت هذه نية جماعة من السلف، يتزجون لأجل أنْ يولد لهم فيعيش، فيوحد الله تعالى ويذكره أو يموت، فيكون فرطاً صالحاً يثقل به ميزانه كيف، وقد روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنّ الطفل يجر أبويه بسرره إلى الجنة وأنّ المولود يقال له: ادخل الجنة قال: فيقف على باب الجنة، فيظل محبنطئاً أي ممتلئاً غيظاً وغضباً فيقول: لا أدخل إلاّ وأبواي معي فيقال: أدخلوا أبويه معه الجنة، وقد روينا خبرًا غريباً: أنّ الأطفال يجمعون في موقف القيامة عند عرض الخلائق للحساب فيقال للملائكة: اذهبوا بهؤلاء إلى الجنة قال: فيقفون على باب الجنة قال: فيقول لهم: مرحباً بذراري المسليمن، ادخلوا لا حساب عليكم فيقولون: فأين آباؤنا وأمهاتنا قال: فتقول الخزنة: إنّ آباءكم وأمهاتكم ليسوا مثلكم، إنهم كانت لهم ذنوب وسيّئات، فهم يحاسبون عليها ويطالبون قال: فيتضاغون ويضجون على باب الجنة ضجة واحدة فيقول الله عزّ وجلّ للملائكة، وهو أعلم: ما هذه الضجة، فيقولون: يا ربّنا، أطفال المسلمين قالوا لا ندخل الجنة إلاّ مع آبائنا فيقول الله عزّ وجلّ: تخللوا الجمع، فخذوا بأيدي آبائهم فأدخلوهم معهم الجنة، وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من مات له اثنان من الولد، فقد احتظر له بحظار من النار، وفي خبر آخر: من مات له ثلاثة لم يبلغوا الحنث أدخله الله عزّ وجلّ الجنة، بفضل رحمته إياهم قيل: يا رسول الله، فاثنان قال: واثنان، وكان بعض الصالحين يعرض عليه التزويج فيأباه برهة من دهره قال: فانتبه من نومه ذات يوم فقال: زوجوني فسئل عن ذلك فقال: لعل الله يرزقني ولداً أو يقبضني، فيكون مقدمة لي في الآخرة، ثم حدث عن سبب ذلك فقال: رأيت في نومي كأن القيامة قد قامت، وكنت في جملة الخلائق في الموقف، وبي من العطش ما كاد أن يقطع عنقي، وكذلك الخلائق في شدة العطش من الحر والشمس والكرب قال: فبينما نحن كذلك، إذا الولدان يتخللن الجمع، عليهم مناديل من نور وبأيديهم أباريق من فضة وأكواب من ذهب وهم يسقون الواحد بعد الواحد، ويتخللون الجمع ويجاوزون أكثر الناس قال: فمددت يدي إلى أحدهم فقلت: اسقني شربة فقد أجهدني العطش فقال: ليس لك فينا ولد إنما نسقي آباءنا فقلت: وما أنتم فقالوا: نحن من مات، من أطفال المسلمين.

وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خير نسائكم الودود الولود، وروي أيضاً: حصيرة في البيت خير من امرأة لا تلد، وروي أيضاً: سوداء ولود خير من حسناء لا تلد، هذا كله لأجل هذا، وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من رغب عن سنتي فليس مني وإنّ من سنتي النكاح، ومن أحبني فليستن بسنتي ويقال: إنّ الله تعالى لم يذكر في كتابه من الأنبياء إلاّ المتأهلين وهم خمس وثلاثون، وقد ذكرنا آنفًا أنّ يحيى عليه السلام قد تزوّج، وأما عيسى عليه السلام فإنه سينكح إذا نزل من السماء ويولد له، وقد قيل إنّ فضل المتأهل على العزب كفضل المجاهد على القاعد، وإنّ ركعتين من متأهل أفضل من سبعين ركعة من أعزب، وقال الله تعالى في وصف الرسل ومدحهم: (وَلَقدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً) الرعد: 38، فعدّ الأزواج والذرية من مدحهم وذكرها في وصفهم، وكذلك ألحق بهم أولياءه في المدح والفضل في قوله عزّ وجلّ: (وَالَّذينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) الفرقان: 74، فسألوا الله عزّ وجلّ من فضله، وكل ما ذكرناه من فضل النكاح يشترك في فضل ذلك النساء، بل هو لهن أفضل وأثوب لسقوط المكاسب عنهن، وقد أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المرأة بالتزوج وندبها إليه، وأخبر بفضل الرجل وفضل المتزوجة على العزباء في غير حديث، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لعن الله المتبتلين من الرجال الذين يقولون: لا نتزوج، لعن الله المتبتلات من النساء اللاتي يقلن: لا نتزوج بعد ما ذكر من عظيم حق الرجل على المرأة وثقل واجبه حتى قالت المرأة إذاً لا أتزوج إذاً قال: بل تزوجي، فهو خير، والأخبار في فضل النكاح للزوجين معًا أكثر، وليس مذهبنا الإطالة والإكثار في الجمع، وقد ندب الله تعالى إلى النكاح في قوله تعالى: (فَاْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُمْ) البقرة: 223، وفي أنّى ثلاث، معان: معنيان منها هنا يكون أنّى بمعنى كيف شئتم من ليل أو نهار، فكيف شئتم مقبلة أو مدبرة، وبين ذلك بعد أنْ يكون في موضع الحرث، وقد يكون أنّى في موضع آخر بمعنى أين، ولا يصلح هذا الوجه ههنا ثم قال عزّ وجلّ (وقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ) البقرة: 223، قيل: النكاح معطوف به الإتيان، وهو أحد الوجوه الثلاثة: لما فيه من فضل الاغتسال من الجنابة، ولما فيه من فضل مباشرة المرأة وأنّ المرأة إذا لاعبها بعلها وقبلها كثرت له من الحسنات ما شاء الله، فإذا اغتسلا خلق الله من كل قطرة ملكًا يسبح الله تعالى إلى يوم القيامة، وجعل ثواب ذلك لهما، ولما في ذلك من التحصين لهما ووضع النطفة في محلها، وفي ذلك فضائل جمّة، وقد أمر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: ليتخذ أحدكم قلبًا شاكرًا ولسانًا ذاكراً، زوجة مؤمنة تعينه على آخرته.

والوجه الثاني في قوله تعالى: (وَقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ) البقرة: 223، قيل: الولد قدموا لآخرتكم، لأنه عمل من أعمالكم، كما قال عزّ وجلّ: (أَلحقْنا بِهِمْ ذُريَّتَهُمْ وما أَلتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيءٍ) الطور: 21، أي ما نقصناهم أولادهم، أي جازيناهم بهم وجعلناهم مزيدًا في حسناتهم لأنهم من أعمالهم وأكسابهم، وكما قال عزّ وجلّ: (ما أغْنى عنْهُ مَالُهُ وما كسَبَ) المسد: 2، يعني ولده، ففي تدبره أنّ الولد يغني المؤمن في الآخرة كما يغني المال عنه إذا أنفقه في سبيل الله تعالى، وفي الخبر: ولد الرجل من كسبه فأحل ما أكل من كسب ولده، والوجه الثالث في قوله عزّ وجلّ: (وَقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ) البقرة: 223، قيل التسمية عند الجماع أي اذكروا اسم الله تعالى عنده، فذلك تقدمة لكم، وأنه يستحب للمجامع أنْ يسمي الله عزّ وجلّ عند جماعه، ويقرأ (قل: هو الله أحد) الإخلاص: 1 قبله، وكان بعض أصحاب الحديث إذا أراد الجماع، هَلّل وكبر حتى يسمع أهل الدار تكبيره، وإذا كانت المرأة معينة لزوجها على الطاعة، طالبة للتقلل والقناعة فهي نعمة من الله عليه يطالبه بشكرها قال الله عزّ وجلّ: (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) الأنبياء: 90 فعد ذلك من نعمة الله عليه وإحسانه إليه، وقيل في التفسير: كان خلقها سيّئًا فحسن، وقيل: كان في لسانها طول فقصر، وروينا عن نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فضلت على آدم عليه السلام بخصلتين: كانت له زوجة عونًا له على المعصية وأزواجي عونًا لي على الطاعة، وكان شيطانه كافرًا وشيطاني مسلمًا لا يأمرني إلاّ بخير، فعدّ ذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فضائله، وإذا كانت المرأة حسنة الوجه خيّرة الأخلاق سوداء الحدقة والشعر، كبيرة العين بيضاء اللون، محبة لزوجها قاصرة الطرف فهذه على صورة الحور العين قال الله تعالى في ذلك: (فيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ) الرحمن: 7،، قيل: خيرات الأخلاق حسان الوجوه وقال تعالى: (وَحورٌ عينٌ كأمْثالِ اللُّؤْلُؤ المَكْنُونِ) الواقعة: 22 - 23، والحور البيض والعين، كبار الأعين هو جمع عيناء، والحوراء هي البيضاء شديدة بياض العين، شديدة سوادها وسواد الشعر وقال عزّ وجلّ: (عُرباً) الواقعة: 157 العربة على معنيين: تكون العاشقة لزوجها، وتكون المشتهية للجماع، وذلك يكون من تمام اللّذة في الوقاع، لأنّ المرأة إذا لم تكن محبة لزوجها ولا مشتهية لإفضائه إليها، نقص ذلك من لذته فلذلك وصف الله عزّ وجلّ نساء أهل الجنة بتمام اللّذة، ويقال: رجل شبق وامرأة عربة يوصفان بشهوة الجماع كيف وقد روي: خير نسائكم الغلمة على زوجها وقال بعض الحكماء: ثلاث من اللّذات لا يؤبه لهن: المشي في الصيف بلا سراويل، والتبرز على الشط، ومجامعة الربوخ يعني المشتهية للجماع وقال عزّ وجلّ في تمام وصفهن: (قاصِراتُ الطَّرْفِ) الصافات: 48، أي قد قصر طرفها على زوجها وحده، فليست ترى أحسن منه ولاتريد بدلاً غيره، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خير نسائكم التي إذا نظر إليها الرجل سرّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسه وماله.

وروينا عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه في معنى قوله عزّ وجلّ: (رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةَ) البقرة: 102 قال: المرأة الصالحة، وفي بعض التفسير: (فلنحيينه حياة طيبة) النحل 16قال: المرأة الصالحة وقد كان عمر رضي الله عنه يقول: المرأة الصالحة ليست من الدنيا لأنها تفرغك للآخرة، إلاّ أنه كان يقول: المنفرد يجد من حلاوة العبادة ما لا يجد المتزوّج، وكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول: ما أعطى عبد بعد إيمان بالله عزّ وجلّ خيرًا من امرأة صالحة، ووصف النساء فقال: منهن غنم لا يجزأ منه، يعني غنيمة لا يعتاض منها بعطاء، الحديا هي العطاء، ومنهن غل لا يفدي منه أي لا قيمة له فيفدى منه ويجوز أنّ لا راحة منه كالغل، فصاحبها أسير بحبها لا يفتدى أبدًا إلاّ بموتها وقال أيضًا: قيل: كانت العرب من نهاية تعذيبها للأسير تسلخ جلد الشاة ثم تلبسه إياه لحماً طريًا، فيلتزق على جسده وينقبض، ثم لا تنزعه عنه حتى يقمل وينتثر منه الهوام، فذلك؛ هو الغل مثل المرأة المكربة، واعلم أنّ النساء على أوصاف النفس، من عرف صفات النفس عرف بها أوصاف النساء، وقاساهن بالتجربة، والخبر: عرف بذلك صفات النفس: فمنهن المسوّلة وهي أدناهن، ومنهن الأمارة بالسوء وهي شرهن لا تستر من الأذى ولا تني عن خلق السوء والبذاء، ومنهن بمنزلة النفس اللوّامة وهي من صالحي النساء، ومنهن المطمئنة المرضية وهذه هي الصالحة الخيّرة الساكنة الراضية، وفصل الخطاب: إنْ كان صلاح قلب العبد واستقامة حاله في بالعزبة فلا أعدل بالوحدة شيئاً، لأن أقل ما فيها السلامة، والسلامة في وقتنا هذا فضيلة وغنيمة، وإن تاقت نفسه إلى التزويج ولم يأمن دواعي الهوى فيتزوج إذا أدى إلى سلامة دينه، وإنْ لم تتم كفايته بواحدة ضم إليها أخرى فإن لم تكن بهما غنيمته وتمام حاله وتحصينه زاد ثالثة إلى أربع، فإن الأربعة مع توقان النفس إلى النكاح وقوة شهوتها في التنقل في المناكح بمنزلة الواحدة، وإنّ الواحدة مع وقوع الكفاية ووجود الاستغناء تنوب عن الأربع، كذلك خير الله عزّ وجلّ صورة النفس فيما عليه جبلها، وفاوت بين الطبائع فيما عليه جعلها، يقال: إنّ الله عزّ وجلّ أباح الجمع بين الأربع لأجل الطبائع الأربع، لكل طبيعة واحدة على قدر حركاتها وتوقان النفس عندها، ولا نقص على العبد في ذلك إذا قام بما عليه لهن أو سمحن بحقوقهن من النفقة والمبيت له، بل ذلك مزيد له.

ودلالة على قوته وتمكنه في الحال، وهذه طرائق الأقوياء والأئمة من الرجال، وأيضاً فإنّ الله عزّ وجلّ ما أنعم به من امتطاء الأربع من النساء من الحكمة، وتلوين الطبع في الصنعة مثل ما أنعم به من تكوين سيرة المطايا، التي جعلهن مراكب عباده، فجعل تفاوت تكوين وطء الأربعة بمنزلة تغاير مشي دواب البر الأربعة فقال عزّ وجلّ: (وَالخَيْلَ والبغالَ والحميرَ لِتَرْكَبُوها وَزينَةً) النحل: 8، وقال عزّ وجلّ: (مِنَ الفُلْكِ والأنْعَامِ ما تَرْكَبُونَ) الزخرف: 12، يعني الإبل، فسير الناقة غير سير الفرس، وسير البغل مخالف لمشي الحمار، وكذلك جعل لمن جمع الأربع بالوطء ما لا يجعل بالآحاد والمثنى والثلاث، فحسن ذلك وأباحه لمن جمع بنيهن أربعًا كإطلاقه لمن جعل له المطايا أربعة ينتقل على دابة بعد دابة، فكان له فرس وبغل وحمار إذا اتسع بذلك وأقام بمؤونتهن، وقد يكتفي الواحد بدابة واحدة فيكون فيها بلاغ إلى حين، ذلك تقدير العزيز العليم وإتقان صنع المنعم الحكيم، وقد شرط الله تعالى مع الزوجة ثلاثة شروط، إنْ وجدت تمّت بهن كفاية العبد وسكنت بها نفسه، وكان ذلك من آيات الله الدالة عليه، وإنْ لم توجد الشروط الثلاثة مع الإحدى، كان له المزيد عليها إلى الرباع، وكن في المعنى كالآحاد لعدم الشروط التي أخبر الله عزّ وجلّ بسكون النفس عندها، وعند الأربع توجد الشروط في قلوب المؤمنين لا محالة كما أخبر عزّ وجلّ، وكان ذلك أيضًا من آياته وحكمته الدالة عليه فقال سبحانه: (وَمنْ آياتِهِ أنّ خلَقَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسًكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكنُوا إليْها وجعلَ بينْكمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) الروم: 21، فإن وجد العبد سكون النفس ورحمة القلب ومودة المرأة في الواحدة، فهو من آيات الله عزّ وجلّ وهي كفايته وغنيته، وإنْ لم يجد السكون ولا الرحمة ولا المودة إلاّ في الأربع، فهن حينئذ كفايته وقنيته، والله تبارك وتعالى يغني بالواحدة ويقني بالأربع، أي يجعل غنيًا ويجعل قنية جماعة ومدخرًا، وذلك أيضًا من آيات الله تعالى واختياره لمن قوي عليه واستقام به، وقد شبه بعض الناس الأزواج بالقمص فقال: ليس من السرف أنْ يجمع الرجل أربعة أقمصة، وما زاد على ذلك كان سرفاً، كما إنّ الله عزّ وجلّ أمر بالجمع بين الأربع من النساء، ويصلح أنْ يستدل له بقوله تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ) البقرة: 187، فجعلهن في معنى الملبوس ورفع فيهن إلى الأربع وفي قوله تعالى: (فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) النساء: 3، ثم ابتدأ فنص على مثنى ولم يقل: إحدى على الندب والاستحباب للجمع بين اثنين، وإنّ العدل قد يوجد ويقدر عليه معهما، ثم رد إلى الواحدة لمن خاف الجور فيهن فقال تعالى: (فإنْ خِفْتُمْ أن لا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) النساء: 3، ففي دليل الخطاب أشتراط العدل في الأربع، ثم ذكره بقوله: (ذَلكِ أدْنى أن لا تَعُولُوا) النساء: 3، يعني أقرب أن لا تجوروا، وقد قال بعض الفقهاء من أهل الحجاز واللغة: لا تعولوا، أي لا تكثر عيالكم، والأول أحب إليّ، لأنه أشبه بالقرآن كأنه عطف على النص لما قال: أنْ لا تعولوا، قال: ذلك أدنى أنْ لا تجوروا، والأول أحب إليّ، ويصلح هذا الوجه أيضًا في اللغة من قال: عال يعول، بمعنى أعال يعيل، وأكثر العرب فرقت بين ذلك يقولون: عال يعول إذا جار، وأعال يعيل من العيلة إذا كثر عياله، وشاذ نادر من يجعلها لغتين بمعنى فليتوخّ العدل بين أزواجه، من جمع بينهن في النفقة والكسوة والمبيت، ولا يحيف على بعض فيقصر عن كفايتها وواجبها في ذلك.

فقد جاء في الحديث: من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى، وفي لفظ آخر، فلم يعدل بينهما، جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل ولا عدل عليه في المحبة والجماع، لأن ذلك لا يملك إذاً سوى بين البيتوتة، ولا عليه أيضاً أنْ يجامع من بات عندها إنما عليه المبيت ليلة وليلة وفي تفسير قوله تعالى: (وَلَنْ تَسْتطيعُوا أنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساء ولوْ حرَصْتُمْ) النساء: 129، قال: لا تقدروا على العدل بينهن في الحب والجماع، لأن ذلك فعل الله عزّ وجلّ في القلوب وفي شهوة النفس، وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقسم بين نسائه في العطاء والمبيت، وكان يقول: اللهم هذا جهدي فيما أملك ولا طاقة لي فيما تملك ولا أملك، يعني في المحبة والجماع، فقد كان يحب بعضهن أكثر من بعض وكانت عائشة رضي الله عنها أحبهن، وكان يطاف به محمولاً في مرضه في كل يوم وليلة فيقول: أين أنا غدًا ففطنت امرأة منهن فقالت: إنما يسأل عن يوم عائشة رضي الله عنها فقلن: يا رسول الله إنّه ليشق عليك أنْ تحمل، فقد أذنا لك أنْ تكون في بيت عائشة رضي الله عنها فقال: قد رضيتن بذلك قلن: نعم قال: فحولوني إلى بيت عائشة، فلذلك كانت تقول: قبض في بيتي وبين سحري ونحري تفتخر بذلك، ثم قال الله تعالى عزّ وجلّ: (فلا تَميلوا كُلَّ المَيْلِ) النساء: 129 يعني على واحدة دون الأخرى في التقصير والنفقة فتذروها كالمعلقة أي موقوفة غير مستقرة، كأنها لا ذات زوج ولا مطلقة، أي لا أيم فتتحمل لنفسها ولا ذات زوج ينفق عليها فتستغني بزوجها.

والعرب تقول: علقت الأمر إذا أوقفته، وقول معلق أي موقوف غير مطلق بحكم، فعليه أنْ يقسم بينهن أيامه ولياليه، فيكون عند كل واحدة يوماً وليلة، إلاّ أنْ تهب لصاحبتها ليلتها أو تسمح له بذلك، فكذلك كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم بين نسائه، فأراد أنّ يطلق سودة بنت زمعة لما كبرت فوهبت ليلتها لعائشة، وسألته أنْ يقرها على الزوجية لتحشر في نسائه، فتركها ولم يكن يقسم لها، فكان يقسم لعائشة ليلتين ولسائر أزواجه ليلة ليلة، إلاّ أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لشدة عدله كانت نفسه إذا تاقت إلى واحدة في غير ليلتها أو نهارًا في غير يومها تاه فجامعها، ثم طاف في ليلته على سائرهن، وكذلك كان يفعل في يومه، فمن ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها وغيرها، أنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف على نسائه في ليلة واحدة، وعن أنس، طاف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تسع نسوة في ضحوة ومن لم يكن له إلاّ واحدة استحب له أنْ يفضي إليها في كل ثلاث ليال بمنزلة من له أربع نسوة، ويكون يباشرها في الليلة الرابعة، وبهذا قضى عمر وكعب بن الأسود رضي الله عنهما للرجل أن يأتيها في كل أربع ليال ليلة، فإن علم أنّ حاجتها إلى أكثر من ذلك كان عليه أن يفعل ماهو أقرب إلى تحصينها وأثبت لعفافها، وإنْ علم منها كراهة ذلك وقلة همتها له لم يكن عليه الإفضاء إليها إلاّ في كل شهر مرة أو في كل سنة مرة، وعليها أنْ لا تمنعه ليلاً ولا نهارًا في كل وقت، وإن كانت صائمة فلا يحل لها أن تصوم إلاّ بإذنه، وتزوّج عليّ عليه السلام بعشر نسوة وتوفي عن أربع وسبع عشرة سرية، وكان بعض أمراء الشام إذا بلغه عنه كثرة نكاحه يقول: ليست بنكحة ولا طلقة يعرض له بذلك، ويقال أنه تزوّج بعد وفاة فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها بتسع ليال، ونكح أُمامة ابنة زينب ابنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كانت فاطمة صلوات عليها أوصته بذلك، وتزوّج الحسن بن عليّ رضي الله عنهما مائتين وخمسين امرأة وقيل ثلاثمائة، وقد كان عليّ عليه السلام يضجر من ذلك ويكره حياء من أهليهن إذا طلقهن وكان يقول: إنّ حسناً مطلقاً فلا تنكحوه فقال له رجل من همدان: والله يا أمير المؤمنين، لننكحنه ما شاء فمن أحب أمسك ومن كره فارق، فسرّ عليّ رضي الله عنه بذلك وأنشأ يقول:

ولو كنت بواباً على باب جنة ... لقلت لهمدان ادخلي بسلام وهذا أحد ما كان الحسن يشبه فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يشبهه في الخلق والخلق فقد قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أشبهت خلقي وخلقي، وقال حسن: مني وحسين: من عليّ، وكان الحسن ربما عقد على أربعة وربما طلق أربعاً فأرسل غلامه بطلاق امرأتين لهما وقال: قل لهما: اعتدا، وأمر له أنْ يدفع إلى كل واحدة عشرة آلاف درهم ففعل، فلما رجع إليه قال: ماذا قالتا فقال له الرسول: أما احداهما فنكست رأسها وسكتت، وأما الأخرى فبكت وانتحبت وسمعتها تقول:

متاع قليل من حبيب مفارق

فأطرق ورحم لها ثم قال: لو كنت مراجعاً امرأة لراجعتها، ودخل على عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فخطب ابنته فقال: إنك لأحب الناس إلي، ولكنك مطلاق وأكره أنْ يتغير قلبي عليك، فإن ضمنت أنك لا تفارقها فعلت، فسكت ثم اتكأ على بعض أصحابه ثم قال: ما أراد عبد الرحمن إلاّ أنْ يجعل ابنته طوقاً في عنقي، وقد روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّ الله عزّوجلّ يحب النكاح ويبغض الطلاق، فانكحوا ولا تطلقوا، وهذا لا يصلح لمن أراد أكثر من أربع، وتزوّ ج المغيرة بن شعبة بثمانين امرأة، وقد كان في الصحابة من له الثلاث والأربع، وكثير منهم لا يحصى كانت له اثنتان لا يخلو منهما، ويقال: إنّ كثرة النكاح من شدة غض البصر وقطع المشي في الأثر، إذا خشع الطرف وقصر عن الحرام وانقطع المشي على الأرض غاض البصر والنفس فاتسع في الحلال، وذلك أنّ للنفس استراحات إلى ما جانسها، هو فتورها عن الذكر، فاستراحات نفوس المتّقين إلى المباح من ذلك قوله عزّ وجلّ: (لِيَسْكُنَ إلَيْهاَ) الأعراف: 189، وهذا سكون النفس إلى الجنس لما تلائمه من الصفات المجانسة، وهو أحد المعاني في قول عليّ عليه السلام: روحوا القلوب يعني، في الذكر قيل: روحوها باستراحة النفس إلى المباح، يعني ذكر الآخرة لأن الذكر أثقال وهو بمعنى قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ لكل عالم شرهاً وفترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، والشره المكابدة والفترة الوقوف والاستراحة، وقد كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: إني لأستجم نفسي بشيء من اللهو فأقوى بذلك فيما بعد على الحق، وقد كان النساء قديماً على غير وصفهن الآن، كان الرجل إذا خرج من منزله تقول له امرأته: يا هذا وتقول له ابنته: يا أبانا، لا تكسب اليوم شيئاً من غير حله فيدخلك النار، فنكون نحن سببه، فإنّا نصبر على الجوع والضر ولانكون عقوبة لك، وأراد رجل من السلف أنْ يغيب عن أهله في غزوة، فكره إخوانه ذلك لأنسهم به فجاؤوا إلى أهله فقالوا: لِمَ تتركين زوجك يسافر ولا يدع لك نفقة، ويغيب عنك ولا تدرين متى يقدم فقالت: زوجي منذ عرفته أكال وما عرفته قط رزّاقاً، يذهب الأكال ويبقى الرزّاق، ومع ذلك فلا أحب أنْ أكون مشؤومة عليه أقطعه عن سبيل الخير.

قال أحمد بن عيسى الخراز لما تزوّج بامرأة عليّ: أي شيئ تزوّجت بي ورغبت فيّ قالت: على أنْ أقوم بحقك عليّ وأسقط حقّي عليكّ، وخطبت رابعة بنت إسماعيل بن أبي الحواري، فكره ذلك لما فيه من العبادة فألحت عليه وأكثرت فقال لها: يا هذه، مالي همة في النساء لشغلي بحالي فقالت يا هذا، إني لأشغل بحالي من شغلك بحالك، ومالي شهوة في الرجال، ولكني ورثت عن زوجي ثلاثمائة ألف دينار وهي حلال، وأردت أنْ أنفقها عليك وعلى إخوانك، وأعرف بك الصالحين فتكون طريقاً إلى الله عزّ وجلّ فقال: حتى أستأذن أستاذي قال: فجئت إلى أبي سليمان فذكرت قولها، وقد كان ينهاني عن التزويج ويقول: ما تزوج من أصحابنا إلاّ تغير، فلما ذكرت له ما قالت، أدخل رأسه في جيبه وسكت ساعة، ثم رفع رأسه وقال: يا أحمد، تزوّج بها فإن هذه وليّة لله تعالى، وهذا كلام الصديقين قال: فتزوّجت بها قال أحمد: فكان في منزلها كرّ من جص، فلم يبقَ منه شيء في غسل أيدي المستعجلين للخروج بعد الأكل سوى من كان يغسل يده بالأشنان في البيت قال: وتزوّجت عليها بثلاث نسوة، فكانت تطعمني من الطيبات وتطيبني وتقول: اذهب بقوتك ونشاطك إلى أزواجك، فكانت هذه من أرباب القلوب، وكان الصوفية يسألونها عن الأحوال، وكان أحمد يرجع إليها في بعض المسائل، وكانت فاضلة تشبه في أهل الشام برابعة العدوية في أهل البصرة، وقد كان أبو سليمان يقول في التزويج قولاً عدلاً: من صبر على الشدة فالتزويج له أفضل، والوحيد يجد من حلاوة العمل وفراغ القلب ما لا يجد المتأهل، وقال مرة: ما رأيت أحداً من أصحابنا تزوّج وثبت على مرتبته الأولى، وروينا عنه أنه قال: ثلاث من طلبهن فقد رغب في الدنيا، من طلب معاشاً، أو تزوّج أو كتب الحديث، ولعمري أنّ المرأة تحتاج إلى فضل مداراة ولطيفة من الحكمة، وطرف من المواساة وباب من الملاطفة، واتساع صدر للنفقة وحسن خلق، ولطف لفظ وهو لا يحسنه إلاّ عالم حليم، ولا يقوم به إلاّ عارف حكيم، فمن لم يقم بذلك ولم يهتدِ إليه، ولم يعتد للنفقة ولم يألف الجماعة، وكان قد ألف وحدته وأعتاد الانفراد بأكلته، وكان ضيق القلب بخيل الكف، سيءّ الخلق غليظ القلب، فظ اللفظ فالوحدة لهذا أصلح، والبعد من النساء لقلبه أروح، فمتى تزوّج من هذا وصفه عذب وعذب، وآذى وتآذى، وأثم وآثم به لأن النساء يحتجن إلى فضل حلم يحمل سفههن، وإلى سعة علم يغمر جهلهن، وإلى حسن لطف وحكمة يداري أخلاقهن ويتغافل عن زللهن، فإذا كان الرجل جاهلاً سفيهاً، أو كان سيءّ الخلق فظاً غليظاً، اجتمع الجهل فافترق العقل وتقادح الجفاء، وغلظ القلب والأذى فسد أكثر مما يصلح، وتنافرا ولم يكن بينهما أبدًا صلح، وليس هو وصف العقلاء، واستحب للرجل إذا أراد التزويج أنْ يشرح حاله ويبين أخلاقه للمرأة، حتى تكون على بصيرة من أمره ويقين من حاله، ويدخل على إختيار منها، فذلك من الورع وقد فعله بعض السلف، وقد تزوج رجل على عهد عمر رضي الله عنه، وكان يخضب بالسواد فلما دخل بأمراته نصل خضابه فظهرت شيبته، فاستعدى أهل المرأة وقالوا: نحن حسبناه شابًا فأوجعه ضربًا وقال: غررت القوم وفرق بينهما.

وروينا عن شعيب بن حرب، لما أراد أنْ يتزوج قال للمرأة: إني سيّء الخلق فقالت: يا هذا، أسوأ خلق منك من يحوجك إلى سوء الخلق.

وروي ضد هذا أنّ رجلاً أراد أنْ يتزوج فقال للمرأة: إنّ لي أخلاقًا أوقفك عليها فإن رضيت بها تزوّجتك فقالت: افعل فقال: أنا رجل ملول حقود، سيّء الظن غيور، ضيق الصدر واسع الضرب، إنْ كثرت عندي مللت، وإنْ أبعدت قلقت، وإنْ تكلمت أوغرت صدري، وإنْ سكت أشغلت قلبي، فقالت المرأة: أما بعد فقد ذكرت من نفسك أخلاقاً ماكنا نرضاها لبنات إبليس فكيف نرضاها لبنات آدم، انصرف راشداً لا حاجة لنا بك، ومن خشي على نفسه الآفات ووفق له امرأة فيها بعض الخصال المحمودة، فالتزويج له أفضل فليكن له حينئذ في التزويج نيّات، لأنه من أكبر الأعمال ولا يكون نكاحه لأجل هواه مجرداً فقد قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: إذا وافق الحق الهوى فذلك الزبد بالبرّ سيّان، فلتكن نيته إقامة سنّة وصلاح قلب، وسلامة دينه وغض بصره، وتحصين فرجه فقد أمر بذلك، ويحتسب في الكسب على العيال التوبة من الله عزّ وجلّ، ويحتسب مثل ذلك في نصحه لها في أمر الآخرة كما يحبه لنفسه، حتى يؤجر بسببها مثل ما يثاب لنفسه، فهو من النصيحة لها والإشفاق عليها، وليجعل ذلك لوجه الله سبحانه فقد روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أنفق الرجل على أهله فهو له صدقة، وإنّ الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إليّ في إمرأته، ومنها إنه كالمجاهد في سبيل الله، وقال رجل لبعض العلماء وهو يعدد نعم الله عزّ وجلّ عليه: من كل عمل قد أعطاني الله تعالى نصيباً، حتى ذكر الحج والجهاد وصنوف العبادات فقال له العالم: فأين أنت من عمل الأبدال قال: وما هو قال: كسب الحلال والنفقة على العيال، وقال ابن المبارك لإخوانه وهم في الجهاد: تعلمون عملاً أفضل مما نحن فيه قالوا: ما نعلم، ذاك جهاد في سبيل الله وقتال لأعدائه، أيّ شيء أفضل منه قال: لكني أعلم قالوا: ما هو قال: رجل متعفف ذو عيلة، قام من الليل فنظر إلى صبيانه نياماً متكشفين فسترهم وغطاهم بثوبه، فعمله هذا أفضل من جهادنا في سبيل الله عزّ وجلّ وقال رجل لبشر: قد أضرّني الفقر والعيال فادعُ الله لي فقال له بشر: إذا قال لك عيالك: ليس عندنا خبز ولا دقيق ونحن جياع فادعُ الله لي أنت ذلك الوقت، فإن دعاءك أفضل من دعائي، وقد روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ حسنت صلاته وكثر عياله، وقلّ ماله ولم يغتب المسلمين، فهو معي في الجنة كهاتين.

وفي حديث آخر: أنّ الله تعالى يحب الفقير المتعفف، أبا العيال ومن النية في ذلك أنّ الأهتمام بمصلحتهم، والغم على نوائبهم زيادة في حسناتهم، لأنه عمل من أعماله، وفي الخبر: إذا كثرت ذنوب العبد إاتلاه الله تعالى بالهم ليكفرها، وقال بعض السلف: من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلاّ الغم بالعيال، وقد روينا: أنّ من الذنوب ذنوبًا لا يكفرها إلاّ الهم بطلب المعاش، وله في الصبر عليهن وجميل الاحتمال لأذاهن، وفي حسن العشرة لهن مثوبات وأعمال الصالحات، وربما كان موت العيال عقوبة للعبد ونقصان حظ، إذا كان الصبر عليم والإنفاق مقاماً له كان عدم ذلك مفارقة لحاله نقص به، وحدثنا بعض العلماء: أنّ بعض المتعبدين كان له زوجة، وكان حسن القيام عليها إلى أنْ توفيت، فعرض عليه إخوانه التزويج فامتنع وقال: إنّ الوحدة أروح لقلبي وأجمع لهمي قال: فرأيت في المنام بعد جمعة من وفاتها، كأن أبواب السماء قد فتحت، وكان رجالاً ينزلون ويسيرون في الهواء يتبع بعضهم بعضًا، وكلما نزل واحد نظر إلي فقال: لمن وراءه هذا هو المشؤوم فيقول: نعم ويقول الثالث: لمن وراءه هذا هو المشؤوم فيقول الرابع: نعم قال: فراعني ذلك وعظم عليّ، وهبتهم أن أسألهم إلى أنّ مر بي آخرهم وكان غلامًا فقلت له: يا هذا، من المشؤوم الذي تومؤون إليه قال: أنت قلت: ولِمَ ذلك؟ قال: كنا نرفع أعمالك في أعمال المجاهدين في سبيل الله تعالى، فمنذ جمعة أمرنا أنْ نضعها في أعمال المخالفين، فما أدري ماذا أحدثت فقال لإخوانه: زوّجوني، زوّجوني فلم يكن يفارقه زوجة أو زوجتان أو ثلاث، وربما كانت النفس الأمارة أضر على العبد من أربع نسوة، وإنما كره من كره الأهل والولد لأجل الشغل بهم عن الله تعالى وما قرب إليه، فإذا كان من لا أهل له ولا ولد مشغولاً ببطالته عن الله عزّ وجلّ، منهمكاً في شهواته عن سبيل هؤلاء، كان أسوأ حالاً من ذي الأهل والولد وقد جعل من لا يطلب الأهل والمال للكفاف به والإفضال في المنزل المكروه.

وقد روي في الخبر: أنّ من أهل النار الضعيف الذي لا دين له، هو فيكم تبع، لا يبغون أهلاً ولا مالاً، قيل: هم السؤال المنهومون في المسألة، الذي همه بطنه لا يبالي كيف طلب ولا على أي حال من الفحش تقلب، فمن لم يشغله أهله وماله عن الله عزّ وجلّ كان أفضل ممن لا أهل له ولا ولد، فهو عبد بطنه وفرجه، أسير هواه وشهوته، وقد أخبر الله تعالى أنّ للمؤمنين أموالاً وأولاداً، ثم أمرهم أن لا يشغلهم ذلك عن الله عزّ وجلّ، وقد وصف أقواماً بأن بيعهم وتجارتهم لا تشغلهم عن عبادته، وأنهم أهل خوف من يوم تنقلب فيه القلوب والأبصار، وقد مدح قومًا فسألوه الأزواج والذرية، وجعل ذلك في وصفهم في قوله عزّ وجلّ: (يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبّ لنَا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّياتِنا قُرَّةَ أعْيُنٍ) الفرقان: 74، وقرّة أعين لا يشغل ولا يحجب عن قرّة العين بل يكشف عنه ويقرب منه، كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حبّب إليّ من دنياكم ثلاث، الطيب، والنساء، وجعل قرّة عيني في الصلاة، وقد كان أبو سليمان يقول: إنما تركوا التزويج لتتفرغ قلوبهم لذكره، وروينا عن ابن أبي الحواري الحديث الذي رواه عن حبيش عن الحسن: إذا أراد الله بعبد خيراً لم يشغله بأهل ولا مال، قال أحمد رضي الله عنه: فناظرنا في الحديث جماعة من العلماء، وإذًا ليس معناه أنه لا يكون له امرأة ولا ولد ولكن يكونون له ولا يشغلونه، وإنما يحسّ النكاح بمشغول الهمّ عن الفكر، فيه ذي نفس مطمئنة وعين خاشعة لرب ذي سكينة وقلب ذي خشية، كما حدثونا عن داود الطائي أنه قال: منذ خمسين سنة ما خالط ذكري ريح، وقيل لبعضهم: هل دخل ذكرك ريح بشهوة؟ فقال: أما منذ قرأت القرآن فلا، وقال بعض العلماء: منذ عشرين سنة ما وقع نظري على فرجي قاما بطال ذو نفس أمارة ونظرة ثاقبة وشهوة قوية، فالنكاح من أحسن أعماله وأرفع أحواله، لأنّ المباح مقام من لا مقام له، فإن عزم العبد على النكاح فلا يكون همه من النساء إلاّ ذات دين وصلاح، والعقل والقناعة فليس تخلص له النيّات التي ذكرناها آنفاً إلاّ على هذه القواعد، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تنكح المرأة لمالها وجمالها وحسنها ودينها فعليك بذات الدين، وفي لفظ آخر: من نكح المرأة لمالها وجمالها حرم مالها وجمالها، ومن نكحها لدينها رزقه الله عزّ وجلّ مالها وجمالها، وروينا أيضًا: لا تنكحوا المرأة لجمالها فلعل جمالها يرديها، ولا لمالها فلعل مالها يطغيها، وانكحوا المرأة لدينها فنكاح المرأة للدين والصلاح طريق من الآخرة، والرغبة في المرأة الناقصة الخلق الدنيئة الصورة الكبيرة السن، السن باب من الزهد، وقد كان أبو سليمان يقول: الزهد في كل شيئ حتى يتزوّج الرجل العجوز أو غير ذات الهيئة إيثارًا للزهد في الدنيا، وكان مالك بن دينار يقول: يترك أحدهم أن يتزوّج يتيمة فيؤجر فيها إنْ أطعمها وكساها تكون خفيفة المؤونة ترضى باليسير ويتزوّج بنت فلان وفلان، يعني أبناء الدنيا، فتشتهي الشهوات عليه وتقول: اكسني ثوب كذا واشتر لي مرط حرير فيتمرط دينه.

وقد أختار أحمد بن حنبل رضي الله عنه امرأة عوراء على أختها صحيحة جميلة، فسأل من أعقلهما؟ قيل: العوراء، فقال: زوّجوني إياها، وقد يكون في تزويج المرذولة المجذوعة فيه بأن يرفع قلبها إذ لا يرغب في مثلها، واستحبّ له أن ينظر إلى وجهها قبل التزويج بها وإلى ما يدعوه إليها، فإن ضمّ إلى الوجه والكفين فلا بأس بذلك عند علماء الحجاز، ففي النظر إلى الوجه أحاديث مأثورة، منها حديث محمد بن مسلمة قال: رأيته يتبع النظرة فتاة في الحي حتى توارت بالنخل فقلت له: تفعل هذا وأنت من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا بهذا، قال: إذا أوقع الله عزّ وجلّ في قلب أحدكم خطبة امرأة فلينظر إليها ليرى منها ما يدعوه إليها، وفي الحديث الآخر إن في أعين الأنصار شيئاً، فإذا أراد أحدكم أن يتزوّج منهن فلينظر إليهن، في لفظ آخر: إذا أوقع في نفس أحدكم من امرأة شيئ فلينظر إليها فإنه أحرى أنْ يؤدم بينهما، يعني يؤدم وقوع الأدمة على الأدمة، وهو أبلغ من البشرة لأنّ البشرة ظاهر الجلد والأدمة باطنه جاء، هذا في المبالغة على ضرب المثل، وقد كان الأعمش يقول: كل تزويج يقع عن غير نظر يكون آخره غمّاً وهمّاً ولا يغالي في المهر، فقد تزوّج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض نسائه على عشرة دراهم وأثاث البيت، وكان رحى يد، وجرة، ووسادة من أدم وحشوها ليف، وأولم على أحد نسائه بمدّين من شعير، وعلى أخرى بمدّي تمر، فالوليمة سنّة وترك الإجابة إليها معصية، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينهي عن المغالاة بمهور النساء ويقول: ما تزوّج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأة من نسائه ولا زوج على أكثر من أربعمائة درهم.

وروينا عن عائشة رضي الله عنها: كانت مهور أزواج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثني عشرة وقية ونصفًا، وقد كان يزوّج أصحابه على وزن نواة من ذهب، والنواة صغيرة وهي نواة التمر الصيحاني، يقال: قيمتها خمسة دراهم، وفي خبر: زوّج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض أصحابه على نواة من ذهب قومت ثلاثة دراهم وثلث، وقد زوّج سعيد بن المسيب، وهو من خيار التابعين وعلمائهم، ابنته من أبي هريرة على درهمين، ثم حملها هو إليه ليلاً، ولا أكره التزويج على عشرة دراهم، وهو أكثر الاستحباب في القلة ليخرج من اختلاف العلماء، ولا أستحبّ أن لا ينقص المهر عن ثلاثة دراهم، وهذا هو القول الأوسط من مذاهب الفقهاء وفي هذه القيمة تقطع يد السارق، وهذا مذهب بعض أهل الحجاز.

وقد روينا: أبركهن أقلهن مهراً، وروينا أيضاً من بركة المرأة سرعة تزويجها وسرعة رحمها، يعني الولادة ويسر مهرها، قال عروة: وأقول فإن من شؤمها كثرة صداقها، ولا يصلح للمتزوّج أن يسأله أي شيئ للمرأة ولا يحل له أن يدفع شيئاً ليأخذ أكثر منه، ولا يحلّ لهم أن يهدوا إليه شيئاً ليضطروه أن يكافئ بأكثر منه، وليس عليه أن يزيد بأكثر من قيمته إن كافأ، وله أن لا يقبل هديتهم إن علم ذلك منهم، وهذا كله بدعة في النكاح، وهو كالتجارة في التزويج، وهو داخل في الربا، وهو يشبه القمار، ومن زوّج أو تزوّج على هذا بهذه النية فهي نية فاسدة وليس نكاحه هذا للدين ولا للآخرة، وكان الثوري يقول: إذا تزوّج الرجل وقال: أي شيء للمرأة فاعلم أنه لصّ، فلا تزوّجوه، ولا ينكح إلى مبتدع، ولا فاسق، ولا ظالم، ولا شارب خمر، ولا أكل الربا، فمن فعل ذلك فقد ثلم دينه، وقطع رحمه، ولم يحسن الولاية لكريمته، لأنه ترك الإحسان، وليس هؤلاء أكفاء للحرة المسلمة العفيفة، وقد قال بعض السلف: النكاح رقّ فلينظر أحدكم عند من يرقّ كريمته، وقال بعضهم: لا تنكح إلاّ الأتقياء فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها أنصفها، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء، وأنكحوا إليهم، ولا نكاح إلاّ بولي وشاهدي عدل، وإن كانت ثيبًا فإن لم يكن ولّي فالسلطان ولي من لا ولي له أو من ولاه الحكم كذلك السنّة، وليتعلم المتزوّج علم الحيض واختلاف أوقاته وزيادته ونقصانه وأحكام الاستحاضة من ذلك، وعلم وقت الأطهار ليعلمها ذلك وليغنيها بذلك عن السؤال والظهور إلى الرجال، ثم ليعلم أهله علم ما لا يسعهم جهله من الفرائض وأحكام الصلاة وشرائع الإسلام واعتقادات المؤمنين من السنّة وما عليه من مذهب الجماعة، فإذ فعل ذلك لم يكن عليها أن تخرج إلى العلماء، وإن قصر عن علمها علم التوحيد ومباني الإسلام وعقود الإيمان ومذهب أهل السنّة فلها أن تخرج إلى السؤال عمّا لا يسعها جهله وليس لها أن تخرج بغير إذنه لطلب علم يرجى فضله، وليس للمرأة أنّ تحمل زوجها على المكاسب الحرام ولا تكلفه ما يقترف به الآثام، ولا للرجل أن يدخل في مداخل السواء ولا يبيع آخرته بدنياه، فإن صبرت معه على البرّ والتقوى أمسكها، وإن حملته على الإثم والعدوان فارقها، وإن يتفرقا يغنِ الله كلاً من سعته، ويقال: أول من يتعلق بالرجل يوم القيامة زوجته وولده، فيوقفونه بين يدي الله عزّ وجلّ فيقولون: يا ربنا خذ لنا حقّاً من هذا، فإنه ما علمنا ما نجهل، وكان يطعمنا الحرام ونحن لا نعلم، قال: فيقتصّ لهم منه، وفي خبر: أنّ العبد ليوقف للميزان وله من الحسنات أمثال الجبال، فيسأله عن رعاية عياله والقيام بهم، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، حتى تستفرغ تلك المطالبات جميع أعماله، فلا يبقى له حسنة، فينادي الملائكة: هذا الذي أكل عياله حسناته في الدنيا وارتهن اليوم بأعماله، فلهذا قال بعض السلف: إذا أراد الله بعبد شرّاً سلط عليه في الدنيا أنيابًا تنهشه، يعني العيال.

وروينا في الخبر: لا يلقى الله عبد بذنب أعظم من جهالة أهله، والخبر المشهور: كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول، وروي أنّ الآبق من عياله كالعبد الآبق من سيده، لا يقبل له صلاة ولا صيام حتى يرجع إليهم، وقد قال عزّ وجلّ: (يا أَيُّها الَّذين آمَنُوا قُوا أنْفُسَكُمْ وَأَهْليكُمْ نَاراً) التحريم: 6، فأضاف الأهل إلى النفس وأمرنا أن نقيهم النار بتعليم الأمر والنهي كما نقي أنفسنا النار باجتناب النهي، وجاء في تفسير ذلك: علّموهن وأدّبوهن، وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كلكم راع ٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته، فالمرأة راعية على مال زوجها وهي مسؤولة عنه، والرجل راعٍ على أهله وهو مسؤول عنهم، ويقال: إذا أنفقت المرأة من مال زوجها بغير إذنه لم تزل في سخط الله عزّ وجلّ حتى يأذن لها، ولا يحلّ لها أن تطعم من منزله إلاّ الرطب الذي يخاف فساده، فإن أطعمت وأنفقت عن إذنه ورضاه كان لها مثل أجره، وإن أطعمت بغير إذنه كان له الأجر وعليها الوزر، وينبغي أن يعرفها أعظم حقه عليها في مقام الوالدة بقوله للمرأة: عليك بطاعة زوجك، فإنّة جنتك ونارك، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة، وكان رجل قد خرج في سفر وعهد إلى امرأته أن لا تنزل من العلو إلى سفل الدار، وكان أبوها في السفل، فمرض أبوها فأرسلت المرأة تسأذن أن تنزل إلى أبيها فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أطيعي زوجك، فمات أبوها فاستأذنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أن تنزل إليه فقال: أطيعي زوجك، فدفن أبوها، قال: فأرسل إليها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبرها أنّ الله قد غفر لأبيها بطاعتها زوجها، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا صلّت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها، فأضاف: طاعة الزوج إلى أبنية الإسلام التي لا يدخل الجنة إلاّ بها، واشترط طاعته لدخولها، وذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النساء فقال: حاملات والدات مرضعات رحيمات بأولادهن، لولا ما تأتين إلى أزواجهن دخلت مصلياتهن الجنة وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساد، وأطلعت في الجنة فرأيت أقل أهلها النساء فقلت: أين النساء فقيل: شغلهن الأحمران الذهب والزعفران يعني الحلي ولبس المصبغات كانت العرب مشتهرة بذلك وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تصدقن من حليكن فإني رأيتكن أكثر أهل النار قلن: لِمَ يا رسول الله قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير يعني الزوج المعاشر، تكفرن نعمته عليكن فلذلك قالت الفتاة: يا رسول الله فلا أتزوج.

روينا عن أم عبد المغنية عن عائشة رضي الله عنها قالت: أتت فتاة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، إني فتاة أخطب وإني أكره التزويج فما حق الزوج على المرأة فقال: لو كان من فرقه إلى قدمه صديدًا فلحسته ما أدت شكره قالت: فلا أتزوج قال: بلى فتزوجي فإنه خير، فهذا مجمل خبر الخثعمية وقد فسر حقه في حديثها، وروينا عن عكرمة عن ابن عباس أنّ امرأة من خثعم أتت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني امرأة أيم، وإني أريد أنْ أتزوج فما حق الزوج فقال: إنّ من حق الزوج على الزوجة إذا أرادها على نفسها وهي على ظهر بعير أنْ لا تمنعه، وفي الخبر الجامع لفضائل الزوج: أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لو أمرت أحدًا أنْ يسجد لشيء سوى الله تعالى لأمرت المرأة تسجد لزوجها من عظم حقّه عليها، ومن حقّه أنْ لا تعطي شيئاً من بيته لا بإذنه فإن فعلت ذلك كان الإثم عليها والأجر له، ومن حقه أنه لا تصوم تطوّعاً إلاّ بإذنه فإن فعلت جاعت وعطشت ولم يقبل منها، ومن حقه أنْ لا تخرج من بيتها إلاّ بإذنه فإن فعلت لعنتها الملائكة حتى ترجع إلى بيتها أو تنوب، وينبغي أن تعرض نفسها عليه في كل ليلة، وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أقرب ما تكون المرأة من وجه ربها عزّ وجلّ إذا كانت في قعر بيتها، وإنّ صلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في المسجد، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في صحن دارها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها، والمخدع بيت في بيت وذلك إنها عورة فما كان أستر لها فهو أسلم، والأسلم هو الأفضل كيف وقد روي أنّ المرأة عوراء فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وفي حديث غريب أنّ للمرأة عشر عورات، فإذا تزوجت ستر الزوج عورة واحدة، فإذا ماتت ستر القبر عشر عورات، فإن أمرها بما يصلحها مما أبيح لهما فخالفته وعظها وزجرها، فإن عادت لخالفه هجرها في المضجع فبعض العلماء يقول: يوليها ظهره وبعضهم يقول: يعتزل فراشها في ليلة إلى ثلاث إلى سبع ليال فإن لم ينجح فيها ذلك ولم تبال به ضربها والعلماء يقولن: ضربًا غير مبرح وتفسيره أن لا يكسر لها عظماً ولا يدمي لها جسمًا، وله أنْ يغضب عليها في الأمر من أمور الدين من عشرة أيام إلى شهر، فقد غضب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهرًا في كلام كلمه بعض أزواجه، فأرسل بهدية إلى بيت زينب فردتها عليه فقالت له التي هو في بيتها: لقد أقمتك إذا ردت عليك هديتك فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنتن أهون على الله أنْ تقمينني، ثم غضب عليهن كلهن شهرًا ومعنى أقمتك استصغرتك وأذلتك فهذه كلمة من الاتباع، تقول العرب: أذللته وأقميته ويقولون: لتفعلن كذا صاغراً قميًا، وما زال كذلك حتى ذل وقمى فيبتغون بهذه الكلمة لسب بالتصغير والتذلل، للمبالغة في الوصف ولا ينبغي أن يفترِ على أهله من الإنفاق.

وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خيركم خيركم لأهله، وكان لعليّ عليه السلام أربع نسوة، وكان يشتري لكل واحدة في كل أربعة أيام بدرهم لحماً وقال الحسن: كانوا في الرحال مخاصيب، وفي الأثاث والثياب تقارب وقال ابن سيرين: أستحب للرجل أنْ يعمل لأهله في كل شهر، فالوذجة وإنْ كانت من أهله زلة أو هفوة احتمل ذلك ورفق بها ولم يعسفها، وفي الحديث: خلقت المرأة من ضلع أعوج إنْ قومته كسرته وإنْ تركتها استمتعت بها على عوج، وفي لفظ حسن: وكسرها طلاقها، وقد كان أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يراجعنه القول وتهجره إحداهن يوماً إلى الليل، ودفعت إحداهن في صدره فزجرتها أمها فقال: دعيها، فإنهن يصنعن أكثر من هذا، وجرى بينه وبين عائشة رضي الله عنها كلام حتى أدخل أبا بكر رضي الله عنه بينهما حكماً واستشهد فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تكلمين أو أتكلم قالت: بل تكلم أنت ولكن لا تقل إلاّ حقًا، فلطمها أبو بكر رضي الله عنه حتى دمي فوها وقال: أي عدوة نفسها، أو يقول غير الحق؟ بل أنت وأبوك تقولان الباطل ولا يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاّ حقّاً، نصرة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغضباً له حتى استجارت بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقعدت خلف ظهره فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لم ندعك لهذا ولم نرد هذا منك وقالت له مرة في كلام غضبت عنده: أنت الذي تزعم أنك نبي؟ فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حلماً وكرماً، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لعائشة رضي الله عنها: إني لأعرف غضبك من رضاك قالت: وكيف تعرف ذلك؟ قال: إنْ رضيت قلت: لا وإله محمد وإذا غضبت قلت: لا وإله إبراهيم قالت: صدقت إنما أهجر اسمك وقد كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمزح مع أزواجه ويقاربهن في عقولهن في المعاملة والأخلاق، وفي الخبر: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أفكه الناس مع نسائه، وقد كان لقمان الحكيم يقول: العاقل في بيته ومع أهله كالصبي فإذا كان في القوم وجد رجلاً، وفي تفسير الخبر المروي أنّ الله يبغض الجعظري الجواظ قيل: هو الشديد على أهله المتكبر في نفسه، وفي أحد المعاني في قوله عزّ وجلّ: (عُتُلٍّ بَعْدَ ذِلكَ زَنيمٍ) القلم: 13، قيل: الفظّ اللسان الغليظ القلب على أهله وما ملكت يمينه، وروينا في في الخبر: غيرة يبغضها الله عزّ وجلّ، غيرة الرجل على أهله في غير رينة كأنه يكون من سوء الظن الذي نهى الله عزّ وجلّ ورسوله عنه.

وروينا عن عليّ رضي اللهّ عنه: لا تكثر الغيرة على أهلك فترمي بالسوء من أجلك ولعمري إنّ الغيرة لها حدّ فإذا جاوزها الرجل قصر عن الواجب وزاد على الحق، وقد كان الحسن يقول: أتدعون نساءكم يزاحمن العلوج في الأسواق قبح الله من لا يغار، وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله فقال بعض ولده: بلى والله نمنعهن فضربه وغضب عليه وقال: تسمعني أقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تمنعوهن وتقول: بلى تمنعهن وقد قال الله عزّ وجلّ: (قَدْ جعلَ الله لِكُلِ شيءٍ قَدْرًا) الطلاق: 3، وقال بعض الحكماء: من جاوز الشيئ فمذموم كمن قصر عنه، فلا بأس بالحرة العفيفة أن تخرج لشيئ لا بد لها منه من قضاء حوائجها قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذن لكن أنْ تخرجن في حوائجكن كذلك تخرجن في الأعياد خاصة، أطلق ذلك لهن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكن لا يخرجن إلا بأذن أزواجهن وعن رضاهم: ولا يخرجن أيضًا إلاّ فيما يعني مما لا بدّ منه ومهما استغنين عن الخروج، وأنْ لا يراهن رجل فهو أفضل لهن وأصلح لقلوبهن، وروينا أنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لابنته فاطمة عليها السلام: يا بنية، أي شيئ خير للمرأة فقالت: أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل، فضمها إليها وقال: ذرية بعضها من بعض، وكان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسدون الثقب والكوى في الحيطان لئلا يطلع النسوان، وروينا إنّ معَّاذًا رأى امرأة تطلع من كوة في الجدار فضربها، وأنّ امرأته دفعت إلى غلام لها تفاحة قد أكلت بعضها فضربها. وقد كان عمر يقول: أعروا النساء يلزمن الحجال وقال أيضاً: عودوا نساءكم لا، وتكلم مرة في شيئ من الأمر فأخذت امرأته تراجعه في القول فزبرها وقال: ما أنت لهذا إنما أنت لعبة في جانب البيت إن كانت لنا إليك حاجة وإلاّ جلست كما أنت وهو مأجور على احتماله هفوات أهله وصبره على أذاهن ومثاب على حسن عشرتهن، وقد كان محمد بن الحنفية يقول ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدّاً، حتى يجعل الله له منه فرجًا ومخرجًا، فإن كانت بذيئة اللسان قليلة القبول عظيمة الجهل كثيرة الأذى، فطلاقها أسلم لدينهما وأروح لقلوبهما في عاجل دنياه وآجل أخرته، وقد شكى رجل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذاء امرأته فقال له: طلّقها فقال: إني أحبها قال: أمسكها إذاً، فخشي عليه تشتت همه بفراقها مع المحبة وتشتت الهم أعظم من أذى الجسم.

وفي معنى قوله عزّ وجلّ: (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ولا يَخْرُجْنَ إلاّ أنّ يأتينَ بِفاحَشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الطلاق: 1. قال ابن مسعود: إذا بذت على أهلها وآذت زرجها فهو فاحشة، وهذا يعني به في العدة لأن الله يقول: (أسْكِنُوهُنَّ مِنْ حيْثُ سَكَنْتُمْ مِنَ وُجْدِكُمْ) الطلاق: 6. فهو متصل بقوله: (وأحْصُوا العِدَّةَ ولا تُخْرِجوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِن) الطلاق: 1. أي في العدة، ومن الناس من يظن أنّ الطلاق محظور يتأول هذه الآية على غير تأويلها، فالطلاق مباح إلاّ أنه مكروه بغير سب لتفرقه الألفة. وقد يروى في خبر: ما أحل الله شيئًا أبغض إليه من الطلاق، ولا بأس أنْ تفتدي المرأة من زوجها إذا خافت أنْ لا تقيم حدود الله فيه ولا تقوم بواجب حقوقه عليها، وأكره أنْ يأخذ في الفدية أكثر مما أعطاها. وقد قال الله تعالى: (فإنْ خِفْتُمْ ألاّ يُقيما حُدودَ الله فلا جُناحَ عليْهِما فيما افْتَدتْ بهِ) البقرة: 229، وهذا هو الخلع الجائز عند أكثر العلماء، ولا يحل لامرأة أن تسأل زوجها طلاقها ولا أنْ تختلع منه بغير رضاه. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير بأس لم ترح رائحة الجنة، وقال: المختلعات هن المنافقات والنشوز، قد يكون من الزوجين معًا إلاّ أنه أبيح للزوج ضربها في النشوز وأبيح لها الصلح في نشوز الزوج قال الله عزّ وجلّ: (والصُّلحُ خَيْرٌ) النساء: 128. وأصل النشوز أنْ يعلو أحدهما على صاحبه ويرتفع عنه، كان يجفو عليه ويجتنبه فيكون في نحو غير نحوه، فيكون من هذا الكلام الفاحش ويكون منه الأذى ويكون منه الهجر والانفراد، ويحكم الحكمان في هذا أحدهما من أهله والآخر من أهلها، يعدلون وينظرون فيما بينهما. وقد وعد الله عزّ وجلّ الغني مع الفرقة كما وعده مع النكاح فقال: (وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ الله كَلاً مِنْ سَعَتِهٍ) النساء: 130 كما قال: (وَأَنْكِحوا الأيامى مِنْكُمْ والصَّالِحينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وإِمائِكُمْ إنْ يَكُونوا فُقَراءَ يُغنِهِمُ الله من فَضْلهِ) النور: 32. فقد يكون الغني بالمال ويكون بأن يستغني كل واحد منهما عن صاحبه بما خصه الله عزّ وجلّ من خفي لطفه.

وجاء في خبر: ثلاث لا يستجاب دعوتهم: رجل له امرأة سوء يقول أراحني الله منك وقد جعل الله الطلاق بيده إن شاء طلق، والآخر في المملوك السوء، وجار السوء، وليحسن الرجل عشرة أهله والقيام بهن. فقد قال الله تعالى: (فإِنْ أطَعْنَكُمْ فلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبيلاً) النساء: 34. أي لا تطلبوا طريقاً إلى الفرقة ولا إلى خصومة ومكروه، وهذه حينئذ على صورة الأنفس المطمئنة إذا استجابت للإيمان وطوعت لك إلى أخلاق المؤمنين فتولها من الإرفاق وأرفق بها في منالها من المباح. وقد شبه الله عزّ وجلّ حسن القيام على الزوجة بحسن القيام على الوالدين فقال فيهما: (وَصاحِبْهُما في الدُّنْيا مَعْروفاً) لقمان: 15. وقال في أمر النساء: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء: 19 ثم أجمل في النساء ما فرقه من حق الزوج في كلمة واحدة فقال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة: 228. وقال في عظيم حقهن: (وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَليظًا) النساء: 21. وقال عزّ وجلّ: (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْب) النساء: 36. قيل: هي المرأة. وآخر ما أوصى به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث كان يتكلم بهن حتى تلجلج لسانه وخفي كلامه جعل يقول: الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون، والله الله في النساء فإنهن عوار في أيديكم يعني أسرى أخذتموهن بعهد الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله. وسئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما حق المرأة على الرجل قال: يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى. ولا يقبح الوجه ولا يهجر إلا في البيت وينبغي أيضًا إذا أراد النكاح أنْ يتعلم ما تحتاج إليه المرأة من حسن العشرة والقيام بما لها عليه وجميل المداراة ولطف المفاوضة، ويعلمها حسن قيامها بما يجب له عليها ويعرفها ما أوجب الله له عليها من ذلك، ولا تملك المرأة شيئًا من أمرك فإنّ الله عزّ وجلّ قد ملكك إياها فلا تقلب بهواك حكمة الله فينقلب الأمر عليك، فكأنك قد أطعت العدوّ ووافقته في قوله، ولآمرنهم فليغيرن خلق الله وقد قال الله عزّ وجلّ: (ولا تُؤْتُوا السُفَهَاءُ أمْوالَكُمُ الَّتي جَعلَ الله لَكُمْ قِيامًا) النساء: 5 يعني النساء والصبيان ومنه قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تعس عبد الزوجة لأنه إذا أطاعها فيما تهوى دخل تحت التعس، فكأنه قد بدل نعمة الله كفراً لأن الله عزّ وجلّ جعله سيّدها في قوله عزّ وجلّ: (وَأَلَفيا سَيِّدَها لَدَى البابِ) يوسف: 25. يعني زوجها. قال الحسن: ما أصبح اليوم رجل يطيع امرأته فيما تهوى إلاّ أكبه الله في النار ولا يعودها عادة فتجترئ عليه وتطلب المعتاد منك، فهي على مثال أخلاق النفس سواء إن أرسلت عنانها جمحت بك، وإن أرخيت عنانها فترًا جذبتك ذراعًا، وإن شددت يدك عليها وكبحتها ملكتها فلعلها أن تطوع لك.

وكان الشافعي رضي الله عنه يقول ثلاثة إن أكرمتهم أهانوك وإن أهنتهم أكرموك، المرأة والخادم والنبطي. وكان نساء العرب يعلمن أولادهن اختبار أزواجهن. كانت المرأة إن أنكحت ابنتها قال: يا بنية، اختبري حليلك قبل أن تقدمي عليه، انزعي زج رمحه فإن سكت لذلك فقطعي اللحم على ترسه، فإن أقرّ فكسّري العظام بسيفه، فإن صبر فاجعلي الأكاف على ظهره وامتطيه فإنما هو حمار.

وأوصى أسماء بن خارجة الفزاري، وكان من حكماء العرب، ابنته ليلة زفافها فقال: يا بنية، قد كانت والدتك أحق بتأديبك مني لو كانت باقية، وأما الآن فإني أحق بتأديبك من غيري افهمي عني ما أقول: إنك قد خرجت من العش الذي فيه درجت وصرت إلى فراش لا تعرفينه وقرين لم تألفيه، كوني له أرضًا يكون لك سماء وكوني له مهادًا يكون لك عمادًا فكوني له أمة يكون لك عبدًا، لا تلحفي به فيقلاك ولا تتباعدي عنه فينساك، إذا دنى فاقربي منه وإن نأى فابعدي عنه، واحفظي أنفه وسمعه وعينه، لا يشم منك إلاّ طيباً ولا يسمع إلاّ حسنًا ولا ينظر إلاّ جميلاً وأنا الذي أقول لأمك ليلة ينائي بها:

خذي العفة مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب

ولا تنقريني نقرك الدفّ مرة ... فإنك لا تدرين ماذا المغيب

فإني رأيت الحب في القلب والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب

وأوصى بعض العرب بنيه فقال: لا تنكحوا من النساء ستة، أنانة ولا منانة ولا حنانة ولا حداقة ولا براقة ولا شداقة، تفسير ذلك الأنانة وهي التي تعصب رأسها كثيرًا وتكثير الأنين والتوجع والتشكي والمنانة التي تمن على زوجها تقول: فعلت بك وفعلت فأنا أفعل وأفعل والحنانة تكون على وجهين، تكون ذات ولد من غيره فهي تحن إليه وقد تكون ذات زوج قبله فيحن قلبها إليه. وقوله حداقة هي التي تومئ بحدقتها فتشتري كل شيئ وتطالب زوجها بما تشتهيه من كل شيئ، وقد تلحظ الرجال كثيرًا كما يلاحظ بعض الرجال النساء، والبراقة تحتمل تأويلين، أحدهما أنّ تكون غضوبًا في الطعام فتبرق لقلته أو لسوء خلقها ولا تكاد البراقة للمأكول أن تأكل إلاّ وحدها لشرهها، وتكون أيضاً تستقل نصيبها من كل شيئ وهذه لغة يمانية نعرفها فأشبه عندهم يقال: قد برقت المرأة وبرق الصبي الطعام إذا غضب عليه، والوجه الثاني من البراقة أنْ تكون من البريق أنْ تكثر صقال وجهها. وخضابه في بروقه أبدًا، وأما الشداقة فهي التي تشدق بكثرة الكلام وتكون ذربة اللسان مفوّهة في النطق.

ومن ذلك الخبر الذي جاء أنّ الله عزّ وجلّ يبغض الثرثارين من المتشدقين. وفي قصة الرجل السائح الأزدي أنه لقي إلياس عليه السلام في سياحته، فأمره بالتزويج وقال: هو خير لك، ونهاه عن التبتل وقال: لا تنكح من النساء أربعًا وأنكح من سواهن المختلعة والمبارية والعاهر والناشر، فالمختلعة هي التي تطلب الخلع من زوجها من غير ما بأس وهو مع ذلك يحبها. والمبارية المباهية لغيرها، المفاخرة بأسباب الدنيا التي تطلب من زوجها ما تباهي به غيرها وتفتخر به في نظائرها. والعاهر الفاجرة التي تعرف بحليل أو خدن وهو الذي قال الله عزّ وجلّ: (ولا مُتَّخِذاتِ أخْدَانٍ) النساء: 25. والناشر التي تعلو على زوجها في الفعال والمقال.

وقد كان عليّ عليه السام يقول: شرار خصال الرجل خيار خصال النساء، البخل والزهو والجبن. فإن المرأة إذا كانت مزهوة أي معجبة استنكفت إن تكلم الرجال، وإذا كانت جبانة فرقت من كل شيئ فلم تخرج من بيتها. وأكره العزل كراهية شديدة فإنه دقيقة من الشرك الخفي، وفيه نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكرهه جماعة من السلف الصالح، ولم يكن خيار المتّقين يعزلون. وأقلّ ما فيه، الخروج من التوكل على الله عزّ وجلّ، وقلة الرضا بحكم الله تعالى. وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول العزل هي الموؤودة الصغرى فلقوله هذا استنباط حسن من السنّة، وذلك أنه روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فضائل الجماع: أنّ الرجل ليجامع أهله فيكتب له من جماعة أجر ولد ذكر قاتل في سبيل الله عزّ وجلّ. فقيل له: وكيف ذلك يا رسول الله فقال: أنت خلقته، أنت رزقته، أنت هديته، إليك محياه إليك مماته. قالوا: بل الله خلقه، ورزقه، وهداه، وأحياه، وأماته. قال: فأنت تراه في هذا المعنى فيّ يقول: إذا جامعت فأمنيت في الفرج. وقد قال الله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أَءَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أمْ نَحْنُ الخَالِقُونَ) الواقعة: 58. فإذا لم يخلق الله من منيك خلقاً حسب لك كأنه قد خلق منه ذكرًا على أتم أحواله وأكمل أوصافه بأن يقاتل في سبيل الله فيقتل، لأنك قد جئت بالسبب الذي عليك وليس عليك خلقه ولا هدايته، وإنما يقدر على ذلك الله عزّ وجلّ وهو فعله مجرّدًًا فكان لك أجر ما لو فعله الله تعالى إذا قد أتيت بما أمكنك عمله، فلذلك قال ابن عباس: هو الموؤودة الصغرى لأنه يوجد العزل بعدم هذا الفضل، إذا كان العبد سبب عدمه لأنه لم يفعل ما يتأتى منه الولد، فذهب فضله وحسب عليه فتله، وإنما قلنا أنّ العزل دقيقة من الشرك لأن أهل الجاهلية كان سبب قتلهم بناتهم معاني أحدها خشية العار بهن، ومنها كراهة الإنفاق عليهن ومنها الشح وخوف الفقر والإملاق. وكان العرب من ولد له بنون وبنات فمات البنون وعاش البنات سموه أبتر وذموه بذلك. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا الوصف الذي يكرهون مات ولده الذكر وعاش البنات، فلذلك كان يسمونه مذمّمًا أي مذمومًا عندهم. ومنه سبه العاص بن وائل حتى قال، إنك أبتر فرد الله عزّ وجلّ عليه فقال تعالى: (إنَّ شَانِئكَ هُوَ الأبْتَرُ) الكوثر: 3. أي لا ذكر لك بعد موتك قد انقطع ذكرك بموت الذكور من ولدك فقال الله عزّ وجلّ بل: ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ) الكوثر: 3. الذي ينقطع ذكره وثناؤه فلا يذكر بخير بعد موته، فأما أنت فقد رفعت لك ذكرك تذكر معي إذا ذكرت. وكانت العرب تقول: من كنَّ له أحد الحوبات الثلاث، لم يشرف عشيرته ولم يسد قومه يعنون بالحوب الأم والأخت والبنت، والحوبات جمع حوب وهي كبيرة قال الله تعالى: في أكلكم (أمْوالَ الْيتَامَى ظُلْمًا) (كان حُوبًا كَبيرًا) النساء: 2 - 10. عندي ليس هذا الذي قلتم عندكم.

وكان من خيار التابعين المؤمنين من يستحب له الجمع بين هؤلاء الثلاث: الأم والأخت والبنت، لما فيهن من عظيم المثوبة والفضل ليخالف بذلك سنة الجاهلية. فقد توجد هذه المعاني أو بعضها في العزل فلذلك سميناه شركًا وكرهناه، وهو مذهب الخوارج من النساء كأن فيهن تقزز وتعمق من استعمال كثرة الماء للطهارة، ودخول الحمامات ومجاوزة الحد في الطهور. وكنّ أيضاً يقضين الصلاة أيام الحيض ويصمن في حيضهن، ولا يصلّين في ثياب الحيض حتى يغلسنها، ولا تدخلن الخلاء إلاّ عراة، وكانوا يكرهون الولادة طلبًا للنظافة والتقرز خلاف السنة. نساء العرب ابتدعوا هذه البدع ففارقوا بها سنّة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسنن نسائه من أنباط العراق وأهل النهر. وكان بعضهن دخل على عائشة رضي الله عنها لما قدمت البصرة، فلم تأذن لهن في الدخول عليها. وأيضًا فإن الله ورسوله ندبا إلى اتخاذ الولادة بقوله تعالى: (فأتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ) البقرة: 223. قيل: الولد وقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خير نسائكم الودود الولود وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سوداء ولود خير من حسناد لا تلد، وحصير في البيت خير من امرأة لا تلد. ومن بركة المرأة أن تيسر رحمها أحوج ما يكون إلى الجماع إذا طهرت من الحيض. وفي هذا الوقت أكثر ما يعبر النساء بالحمل وأحمد ما يكون المولود عاقبة إذا علق به قبل الطهر. فلهذه المعاني عقب الله عزّ وجلّ الأمر بالجماع والولد بعد الطهر في قوله تعالى: (فَإذا تَطَهَّرْنَ فَأتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أمرَكُمُ الله) البقرة: 222، ولأضدادها في الكراهة والذم أمر الله تعالى باعتزال النساء في الحيض، ويقال إنّ كل مبذول كان أو مجنونًا أو مجذوبًا أو مختلاً، أو في حاله وعتلاً مخبلاً لأنه كان غرسه في سبخة من الأرض فلم يزرع ولم يزك، ومن زرع من حرث طيب زكا زرعه وهو الغشيان في الطهر فلذلك قال: من حيث أمركم الله، وقد رخص طائفة في العزل.

روينا في ذلك رخصة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد كان سعد يعزل وقد أنكر عليّ عليه السلام على ابن عباس رضي الله عنهم في قوله: إنّ العزل هي الموؤودة الصغرى وقال: إنها لا تكون موؤودة إلاّ بعد سبع ثم تلا قوله عزّ وجلّ: (وإذا المَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ) التكوير: 8، أنها ذكرت بعد سبع ثم تلا قوله عزّ وجلّ آية تنقيل الخلقة: (وَلَقَدْ خَلَقْنا الإنسانَ مِنْ سُلالَةِ مِنْ طينٍ) المؤمنون: 12. ثم جعلناه نطفة إلى قوله ثم أنشأناه خلقًا آخر أي نفخ الروح فيه قال: فلا يكون موؤودة مقتولة إلاّ بعد هذه السبع الخصال، ولأن الله عزّ وجلّ ذكرها في كوّرت بعد سبع معان ثم جمع بينهما في الفهم فاستنبط ذلك، وهذا من دقيق العلم وغامض الفهم ولطيف الاستدلال الذي تفرد به عليه السلام لثقوب علمه ونفاذ فطنته وخفي استدلاله، فلا يجامعهن حتى يطهرن. فإذا تطهرن يعني بالماء ويكره الجماع مستقبل القبلة لحرمة القبلة. وفي الخبر، إذا جامع أحدكم أهله فلا يتجرّدا تجرد العيرين يعني الحمارين. وروينا أنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا جامع غطى رأسه وخفض صوته وقال للمرأة: عليك السكينة، ومن جامع مرة وأراد العود فليغسل فرجه قبل ذلك، فإن احتلم فلا يجامع حتى يغسل فرجه أو يبول، فإن جامع بعد الاحتلام من غير غسل خيف على ولده إن كان من جماعة أنْ يصيبه لمم من الشيطان.

ويكره له الجماع في ثلاث ليال من الشهر: في أول ليلة وفي آخر ليلة وفي ليلة النصف.

يقال إنّ الشيطان يحضر الجماع في هذه الليالي وقيل إنّ الشياطين يجامعون فيها، وروي عن عليّ عليه السلام كراهة ذلك وأبي هريرة ومعاوية رضي الله عنهما. ومن العلماء من كان يستحب الجماع في يوم الجمعة لأحد التأويلين من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من غسل واغتسل أي غسل أهله. ويكره الجماع في أول الليل لئلا ينام على غير طهارة، فإن الأرواح تعرج إلى العرش فما كان منها طاهرًا أذن له في السجود، وما كان جنبًا لم يؤذن له. والرؤيا أيضًا على طهارة من غير جنابة، وعلى وضوء أصح وأفضل إلاّ أنْ يغتسل ثم ينام فإن لم يغتسل وجامع فلا ينام ولايطعم حتى يتوضأ وضوءه للصلاة. وقد جاء رخصة في النوم بعد الجماع من غير أنّ يمس ماء، فعله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أكره أنْ يحلق الرجل رأسه أو يقلم ظفره أو يستحد أو يتورّى ويخرج دمًا وهو جنب، فإن العبد يرد إليه جميع شعره وظفره ودمه يوم القيامة، فما سقط منه من ذلك وهو جنب رجع إليه جنباً. وقيل: طالبته كل شعرة بجنابتها.

وقد روينا معنى هذا في حديث مقطوع موقوف عن الأوزاعي ويحيى بن كثير قال الأوزاعي: قد كنا نقول: لا بأس أن يطأ الجنب، حتى سمعنا بهذا الحديث والنص فيه على النهي أن يطأ الرجل جنبًا، ولا يحل للرجل من امرأته إلاّ الفرج لا غير على أي حال شاؤوا من جامع، فليتمهل على أهله وليتوقّف حتى تقضي هي نهمتها كما قضى هو نهمته. فربما أخر انزال المرأة بعد الرجل فيكون ذلك كريهًا إليها، فإن علم أنها قد سبقت بالشهوة لم يحتج إلى توقف وليس يخفي سبقها بالشهوة على فطن. وأوفق ما يكون الجماع بينهما إذا اتفقت الشهوتان منهما معًا، وأكثر ما يكون التباغض بين الزوجين لاختلافهما من طبع الإنزال أن يكون طبعه سابقًا لطبعها أيضًا.

قود كان بعض العلماء من الأدباء لا يتأخر عن المرأة حتى يستأمرها في ذلك، وينبغي أن يعلمها لأن المرأة إذا بلغت واحتلمت يجب عليه الغسل كما يجب على الرجل، فإنّ في ذلك سنة لأن أم سليم سألت عن ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمر بذلك قال: نعم، النساء نساء الأنصار لا يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين، وإذا كانت المرأة حائضاً ائتزرت بمئزر صغير من حقويها إلى أنصاف الفخذين وكان له المتعة بجميع جسدها كيف شاء إلاّ تحت المئزر، وهذا مذهب فقهاء الحجاز وهو أحب الوجهين إليّ، وبعض علماء أهل العراق يجوز من الحائض المباشرة لما تحت خلا الفرجين، ولا يعجبني هذا ولا حرج عليه من الاستمتاع ببدنها، وأستحب للرجل إذا دخل في لحافها أن يأتزر بحقو صغير يكون في وسطه وهو المئرز لئلا يتجرد عريانًا، فإنّ هذا من الأدب. ويضاجع الرجل الحائض كيف شاء وتناوله ما شاء، أو يؤاكلها ولا يجانبها في شيئ من الأشياء إلاّ الجماع في الفرج إتفقوا عليه واختلفوا فيما دونه. فذكر أهل الحجاز كما ذكرناه آنفًا وهو استحباب، واتفقوا على تجويز ما فوق المئزر من السرر إلى أنصاف الفخذين، فينبغي للمتزوّج أن يعرف حكم الطلاق، فإن عرض عليه طلاق طلق واحدة واحدة في طهر لا جماع فيه، لأن التطليقة الواحدة إذا انقضت عدة المرأة منها بحيض أو أشهر تعمل عمل التحريم بالثلاث سواء، إلاّ أنه يربح في التطليقة الواحدة أربع خصال: أحدها موافقة الكتاب والسنّة من قوله عزّ وجلّ: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) الطلاق: 1، وفي قراءة عمر وابن عباس رضي الله عنهم بيان ذلك: فطلقوهن لقبل عدتهن فقد دل أنّ الأقراء هي الأطهار، وكذلك هو عندي. وإن تكافأ ذلك في اللغة وتساوى في المعاني بأن يكون الحيض أيضاً. والثانية تيسير العدة عليها وسرعة خروجها منها، فخروجها من الطلاق محتسب من الطهر الذي طلقها فيه من غير جماع قرأ، فتستعجل الخروج من العدة لأنها من حدود الله عزّ وجلّ، ويربح أيضاً هو أنه ندم على طلاقها كان له رجعتها في العدة من غير إحداث عقد ثان ولا مهر آخر، وإن أحب رجعتها بعد انقضاء العدة كان له تزويجها ثانية من غير زوج ثان تحدثه، وهذا كله معدوم مع الثلاث دفعة واحدة وموجود فيه التحريم، وإن ندم لم يجعل الله له مخرجاً لأنه لا تحل له إلاّ بعد، زوج ويخسر العبد خروج المرأة من يده فإن ابتلى بهواها يحتاج أن ينتظر فراغ الزوج الثاني أو التجأ أنْ يعمل في تزويجها لغيره، فيكون محلّلاً لنفسه ومفسد النكاح الثاني بالتحليل فيقع في ثلاث معان من المعاصي.

وقد لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المحلل والمحلل له. وقال بعض العلماء: إنّ نكاح الأول بعده على التحليل لا يجوز أيضاً، وهذا كله ثمرة الجهل ومخالفة السنة. وقد قال الله تعالى: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهنَّ) الطلاق: 1، ثم قال: لا تدري لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرًا يعني ندمًا من المطلق فتعجب الزوجة، فإذا كان قد طلق تطليقة واحدة أو اثنتين حلت له من العدة من غير عقد وبعد انقضائها بغير زوج ثم قال: (ومَنْ يتّق الله يجعل له مخرجاً) أي يتّقي الله فيطلق في العدة يجعل له مخرجًا في جواز الرجعة كما ذكرناه ومن طلق ثلاثًا مرة واحدة أو طلق في الحيض، وقع الطلاق وحرمت المرأة ولم تحل له إلاّ بعد زوج إن كان قد خالف السنّة ووافق كراهة الأئمة بآثار، قد كثرت في ذلك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن عمر وابنه وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وابن عباس وجملة من الصحابة والتابعين، والأصل فيما ذكرناه من العزيمة والرخصة في فعل النكاح وتركه قول الله عزّ وجلّ: (وَانْكِحُوا الأيامى مِنْكُمْ) النور: 32، فأمر بالنكاح وهو أعلم بالخير والصلاح، والأيامى جمع أيم وهي التي لا بعل لها، وقد يسمى به الرجل الذي لا زوجة له أيضًا كما يقال ثيبًا وبكرًا ثم قال: (والصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ) النور: 32. فلولا أنّ النكاح فاضل ما خص به الصالحين وضمه إلى فضلهم، وهم أهل ولايته لقوله عزّ وجلّ وهو يتولى الصالحين، ثم قال: (إن يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهمُ الله من فَضْلِهِ) النور: 32، والله أعلم بالأغنياء كيف هم وقد يغنيهم بالأشياء كقوله: (أَغْنى وأَقْنى) النجم: 48، وقد يغنيهم عن الأشياء وهي القناعة والزهد، وقد يغني نفوسهم عن الإعراض لقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس الغني بكثرة العرض إنما الغني غني النفس، وقد يغنيهم باليقين كما قال أيضًا: كفى باليقين غنى. وقد يغنيهم بغض البصر وتحصين الفرج كما قال: من استطاع الباءة فليتزوّج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ثم إنّ الله عزّ وجلّ قال في الخبر الثاني: من وعد الغني في التفرق وذلك أيضًا في قوله عزّ وجلّ: (وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ الله كُلاً مِنْ سَعَتِهِ) النساء: 3. فقد أجمل وجوه الإغناء كلها في هذا المعنى الآخر أيضًا، ويزيد عليه الغنية بالعصمة والاستغناء عن المكاسب وعن السؤال والمحاسبة على الاكتساب، والغنية عن حال النساء وأحكامهن. ثم قال في الأمر الثاني من البيان الثاني: (فانْكِحوا ما طابَ لَكُمْ مِنْ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) النساء: 3. فهذا أدون من الأول لأنه علقه باختيارنا إنْ طاب لنا، ثم رفع فيه الأربع توسعة منه وتفضيلاً لعلمه بعلاج القلوب وطبائع النفوس وتفاوت سكونها وحركاتها، ووجود كفايتها ومصالحها ثم رحمنا فقال: (فإنْ خِفْتُمْ ألاّتَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أوْ ما مَلَكِتْ أيْمَانُكُمْ ذلك أدْنى ألاَّ تَعُولُوا) النساء: 3. فرد إلى الواحدة وهو الحال الأوسط بين الأربع وبين التعزب، وخير الأمور أوسطها وفي قوله: ألاّ تعدلوا ثلاثة أوجه: تعدلوا تجوروا وهو أحسنها وأحبها إلي لأنه يواطئ قوله تعالى: (فإنْ خِفْتُمْ أن لاّ تَعْدِلُوا) النساء: 3، لأن العدل ضد الجور فعطف عليه فقال: (ذِلك أدْنى ألاّ تَعُولُوا) النساء: 3، أي تجوروا من العدل. والعرب تقول: عال يعول عولاً إذا جار، والوجه الثاني: ألاّ تعولوا تفتقروا من العيلة وهي الفقر يقال: عال يعيل عيلة وأعاله إذا افتقر ومنه قوله: (إن خِفْتمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنيكُمُ الله) التوبة: 28، ومع العيال الفقر لا محالة، والوجه الثالث: تعولوا تكثر عيالكم فيكون المعنى لذلك أقرب أن لا يكثر من تعولونه، وحذفت الهاء التي هي اسم العيال وهذا مذهب لبعض أهل الحجاز يرجع إلى قوله: عال الرجل عياله، يعولهم مثل مانهم يمونهم ومارهم يميرهم وصانهم يصونهم، فيكون مشتقاً من لفظ العيال والأولان أجود وأشهر والله سبحانه ما افترض النكاح ولا العزبة، كما لم يوجب الأربع من النسوة وافترض صلاح القلب وسلامة الدين وسكون النفس والدخول في الأوامر عند الحاجة إليها. فمن كان صلاحه في التزويج فهو أفضل له، ومن كان استقامته وسكون نفسه عند الأربع فجائز له طلب السكون وصحة الحال مع القيام بالأحكام، ومن وقعت كفايته بواحدة فالواحدة أصلح وأفضل لأنها

إلى السلامة أقرب، ومن كان صلاح حاله واستقامة قلبه وسكون نفسه في العزبة فذلك له أسلم، والإسلام لمثله في زماننا هذا أفضل إذا لهذا يراد النكاح فإن وجد لم يضر فقده. ى السلامة أقرب، ومن كان صلاح حاله واستقامة قلبه وسكون نفسه في العزبة فذلك له أسلم، والإسلام لمثله في زماننا هذا أفضل إذا لهذا يراد النكاح فإن وجد لم يضر فقده.

ولعمري أنا إذا قلنا إنّ في الدين طريقين: طريق عزيمة وطريق رخصة، فإنه في النكاح أيضًا لأنه من الدين، وفي تركه يكون لأجل الدين طريقان: طريق الأقوياء وهم أهل النكاح، والصبر على أحكامه، وعلى معاشرة النساء، وطريق آخر للأقوياء بالصبر عنهن ووجود العصمة منهن والتفرّغ للآخرة وكفى بها شغلاً، وطريق آخر من وجود الوسوسة وخوف العنت لقوة الطبع وضعف الحال بوجود الاختلاط، فيبدأ بالنكاح طلبًا للاستقامة والصلاح. وقد كان الثوري رحمه الله تعالى يقول:

يا حبذا العزبة والمفتاح ... ومسكن تخرقه الرياح

لا صخب فيه ولا صياح

ولله الأمر من قبل ومن بعد والحمد لله وحده.


4hFnTkfUWdo

 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!