موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الحشر (59)

 

 


الآية: 22 من سورة الحشر

هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (22) «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ»

[ التوحيد الثالث والثلاثون في القرآن ، وهو توحيد العلم : ]

بدأ بهو ، وأتى بالاسم المحيط بجميع الأسماء التي تأتي مفصلة ، ثم بالنفي فنفى أن تكون هذه المرتبة لغيره ، ثم أوجبها لنفسه بقوله : «إِلَّا هُوَ» فبدأ بهو وختم بهو ، فكل ما جاء من تفصيل أعيان الأسماء الإلهية فقد دخل تحت الاسم اللّه الآتي بعد قوله «هُوَ» فإن «هُوَ» أعم من كلمة «اللَّهُ» فإنها تدل على اللّه وعلى كل غائب وكل من له هوية ،

فكان الهو ختم الأسماء الإلهية وهو عين سابقتها ،

فإن الاسم اللّه دلالة على الرتبة ، والهوية دلالة على العين ، لا تدل على أمر آخر غير الذات ، فتدل على عين غائبة عن أن يحصرها علم مخلوق ، فلا يزال غيبا عند كل من يزعم أنه عالم به ، ولذلك كان الهو عند الطائفة أتم الأذكار وأرفعها وأعظمها ،

وهو ذكر خواص الخواص ، وليس بعده ذكر أتم منه ، فيكون ما يعطيه الهو في إعطائه أعظم من إعطاء اسم من الأسماء الإلهية حتى الاسم اللّه .

«هُوَ اللَّهُ» واختار الحق الاسم اللّه فأقامه في الكلمات مقامه ، فهو الاسم الذي ينعت ولا ينعت به ، فجميع الأسماء نعته وهو لا يكون نعتا ، ولهذا يتكلف فيه الاشتقاق ، فهو اسم جامد علم موضوع للذات في عالم الكلمات والحروف ، لم يتسمّ به غيره جلّ وعلا ، فعصمه من الاشتراك ، كما دل أن لا يكون ثم إله غيره بقوله : «الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» اعلم أن الوحدة في الإيجاد والوجود والموجود لا تعقل إلا في «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ»

فهذه أحدية المرتبة وهي أحدية الكثرة ، فإذا أطلقت الأحدية فلا تطلق عقلا ونقلا إلا بإزاء أحدية المجموع ،

مجموع نسب أو صفات أو ما شئت على قدر ما أعطاه دليلك ، ولكل نسبة أو صفة أحدية تمتاز بها عن غيرها في نفس الأمر ،

فمن أراد أن يميزها عند السامع أو المتعلم فما يقدر على ذلك إلا بمجموع حقائق ، كل حقيقة معلومة عند السامع ، ولذلك ما طلب الحق تعالى في الإيمان منا إلا توحيد الإله خاصة ، وهو أن نعلم أنه ما ثمّ إلا إله واحد لا إله إلا هو ،

فلم يكن ثمّ جمع يقتضي هذا الحكم ، وهو أن يكون إلها إلا هذا المسمى بهذه الأسماء الحسنى ، فأهل الحق يقولون بنسبة الألوهة لهذا الموجد للممكن المألوه ، ومعقول الألوهة ما هو معقول الذات ، فالأحدية معقولة لا تتمكن العبارة عنها إلا بمجموع ، مع كون العقل يعقلها وهي أحدية المجموع وآحاده ، فالتجلي الإلهي لا يصح في الأحدية أصلا ،

وما ثمّ غير الأحدية ، وما يتعقل أثر عن واحد لا جمعية له ، فلا أعلم من اللّه باللّه ، حيث لم يفرض الوحدة إلا أحدية المجموع ، وهي


أحدية الألوهة له تعالى ، فقال : «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ» وكل اسم واحد مدلوله ليس مدلول عين الاسم الآخر ، وإن كان المسمى بالكل واحدا ، فما عرف اللّه إلا اللّه ، فإن معرفتنا باللّه بالأدلة العقلية والشرعية إثبات وجود الذات مع جهلنا حقيقتها ، فلا نصل إلى معرفة حقيقتها ولا يمكن الوصول إلى ذلك ، وإثبات الألوهة للذات مع جهلنا بنسبة ما نسبناه إليها من الأحكام ، فإنا وإن كنا نعرف النسبة من كونها نسبة ، فقد نجهل النسبة الخاصة لجهلنا بالمنسوب إليه ، وهذا هو التوحيد الثالث والثلاثون في القرآن ، وهو توحيد العلم ، وهو من توحيد الهوية ، وهو توحيد من حيث التفرقة ، لأنه ميّز بين الغيب والشهادة ، وجمع بين العلم والرحمة ، فقال : «عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ» [ علم الغيب وأقسامه : ]

أما قوله تعالى : «عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ» فاعلم أن اللّه تعالى لما خلق العالم جعل له ظاهرا وباطنا ، وجعل منه غيبا وشهادة لنفس العالم ، فما غاب من العالم عن العالم فهو الغيب ، وما شاهد العالم من العالم فهو شهادة ، وكله للّه شهادة ظاهر ، فكان قوله تعالى : «عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ» أي ما غاب عنا وما نشهد ، فإنه لا يتصور في حق اللّه غيب ، فالغيب أمر إضافي لما غاب عنا ، فالعالم عالمان ما ثم ثالث : عالم يدركه الحس وهو المعبر عنه بالشهادة ، وعالم لا يدركه الحس وهو المعبر عنه بعالم الغيب ، فإن كان مغيبا في وقت وظهر في وقت للحس فلا يسمى ذلك غيبا ، وإنما الغيب ما لا يمكن أن يدركه الحس لكن يعلم بالعقل ، إما بالدليل القاطع وإما بالخبر الصادق ، وهو إدراك الإيمان ،

فالشهادة مدركها الحس ، وهو طريق إلى العلم ما هو عين العلم ، وذلك يختص بكل ما سوى اللّه ممن له إدراك حسي ، والغيب مدركه العلم عينه ، والغيب في هذه الآية هو الذي يقابل الشهادة ، فوصف نفسه بعلم المتقابلين ، وما هو الغيب الذي انفرد الحق به سبحانه في قوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) وما قرنه بالشهادة ، فإن هذا الغيب وإن اشترك مع ذاك في الاسمية إلا أن هناك فرقا ، وهو أن هذا الغيب المقابل للشهادة هو الغيب المغيب الذي يتصف في وقت بالشهادة ، لا بالغيب الذي يستحيل عليه أن يكون شهادة بوجه من الوجوه ، فهو الغيب الإمكاني الذي تبرز منه الأشياء إلى عالم الشهادة ، فإما أن تبقى في عالم الشهادة أو لا تبقى كالأعراض ، فإن لم تبق فلا بد أن تفارق الشهادة ، وإذا فارقت الشهادة فإنها تدخل إلى الغيب الذي لا يمكن أن يدرك أبدا شهادة ، ولا يكون لها رجوع بعد ظهورها إلى الغيب الذي خرجت منه ، بل تنتقل إلى الغيب المحالي


الذي لا يظهر عنه أبدا شيء يتصف بالشهادة ، فهذان غيبان : الغيب الذي يوجد منه الكائنات ، والغيب الذي ينتقل إليه بعض الكائنات بعد اتصافها بالشهادة ، وهما بخلاف الغيب الذي لا يدرك بالحس ، والذي انفرد الحق بعلمه في قوله: (عالِمُ الْغَيْبِ) فالغيب في هذه الآية ظرف لعالم الشهادة ، وعالم الشهادة هنا كل موجود سوى اللّه تعالى مما وجد ولم يوجد ، أو وجد ثم ردّ إلى الغيب ، كالصور والأعراض وهو مشهود للّه تعالى ، ولهذا قلنا إنه عالم الشهادة ، ولا يزال الحق سبحانه يخرج العالم من الغيب شيئا بعد شيء إلى ما لا يتناهى عددا من أشخاص الأجناس والأنواع ، ومنها ما يرده إلى غيبه ومنها ما لا يرده أبدا ، فالذي لا يرده أبدا إلى الغيب كل ذات قائمة بنفسها وليس إلا الجواهر خاصة ، وكل ما عدا الجواهر من الأجسام والأعراض الكونية واللونية ، فإنها ترد إلى الغيب ويبرز أمثالها ، واللّه يخرجها من الغيب إلى شهادتها أنفسها ، فهو عالم الغيب والشهادة ، والأشياء في الغيب لا كمية لها ، إذ الكمية تقتضي الحصر ، فيقال كم كذا وكذا ؟ وهذا لا ينطلق عليها في الغيب فإنها غير متناهية ، فكم وكيف والأين والزمان والوضع والإضافة والعرض وأن يفعل وأن ينفعل ، كل ذلك نسب لا أعيان لها ، فيظهر حكمها بظهور الجوهر لنفسه إذا أبرزه الحق من غيبه ، فإذا ظهرت أعين الجواهر تبعتها هذه النسب ، فليس في الوجود المحدث إلا أعيان الجواهر والنسب التي تتبعه ، فكان الغيب بما فيه كأنه يحوي على صورة مطابقة لعالمه ، إذ كان علمه بنفسه علمه بالعالم ،[ حضرة الخيال والغيب والشهادة : ]

فالعالم عالمان ، والحضرة حضرتان ، وإن كان قد تولد بينهما حضرة ثالثة من مجموعهما ، فالحضرة الواحدة حضرة الغيب ولها عالم الغيب ، والحضرة الثانية حضرة الحس والشهادة ويقال لعالمها عالم الشهادة ، ومدرك هذا العالم بالبصر ، ومدرك عالم الغيب بالبصيرة ، والمتولد من اجتماعهما حضرة وعالم ، فالحضرة حضرة الخيال ،

والعالم عالم الخيال ، وهو ظهور المعاني في القوالب المحسوسة ، كالعلم في صورة اللبن ، والثبات في الدين في صورة القيد ، والإسلام في صورة العمد ، والإيمان في صورة العروة ، وجبريل في صورة دحية الكلبي وفي صورة الأعرابي ، وتمثل لمريم في صورة بشر سوي ،

ولذلك كانت حضرة الخيال أوسع الحضرات ، لأنها تجمع العالمين عالم الغيب والشهادة ، فإن حضرة الغيب لا تسع عالم الشهادة فإنه ما بقي فيها خلاء ، وكذلك حضرة الشهادة ، وحضرة الخيال العامة لا تعرفها ولا تدخلها إلا إذا نامت ورجعت القوى الحساسة إليها ، والخواص يرون ذلك في اليقظة لقوة التحقق بها ، وفي هذه الحضرة


حضرة الخيال إن أكلت شبعت ، وإن مسكت فيه شيئا من ذهب أو ثياب أو ما كان بقي معك على حاله لا يتغير ، ومن ذلك المقام قال صلّى اللّه عليه وسلّم وقد نهى عن الوصال فقيل له : إنك تواصل ، فقال صلّى اللّه عليه وسلّم : [ لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ] فلم يكن في تلك الجماعة التي خاطبها في ذلك الوقت من له هذا المقام ، ولم يقل لست كهيئة الناس ، فكان إذا أكل شبع وواصل على قوة معتادة ،

ولما كان الأكل في حضرة الخيال لا في حضرة الحس صح أن يكون مواصلا ،

كذلك تقدمه صلّى اللّه عليه وسلّم لقطف عنقود من العنب ، وتأخره وهو في الصلاة من النار التي مثلت له في عرض الحائط ، وليس ذلك المقام إلا للعبد المحض الخالص «الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ» بالرحمة العامة والرحمة الخاصة .


المراجع:

(22) الفتوحات ج 3 / 514 - ج 4 / 149 - ج 2 / 174 - ج 1 / 715 ، 716 - ج 2 / 420 - ج 3 / 303 - ج 1 / 538 - ج 3 / 78 ، 10 ، 42

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!