موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة النحل (16)

 

 


الآيات: 72-74 من سورة النحل

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (74)

[فلا تضربوا للّه الأمثال ]

-الوجه الأول -نهينا أن نضرب الأمثال للّه لجهلنا بالنسب التي هي بها أمثال ، فقال تعالى : «فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ» فإن اللّه هو الذي يضرب الأمثال للناس لعلمه بمواقعها ، لأن اللّه يعلم ونحن لا نعلم ، فهو عزّ وجل يضرب لنا الأمثال بما له وجود في عينه ، ونحن لسنا كذلك إلا بحكم المصادفة ، فنضرب المثل إذا ضربناه بما له وجود في عينه وبما لا وجود له إلا في تصورنا ، فاللّه يضرب الأمثال لنفسه ولا تضرب له الأمثال ، فيشبه الأشياء ولا تشبهه الأشياء ،

فيقال : مثل اللّه في خلقه مثل الملك في ملكه ، ولا يقال مثل الملك في ملكه مثل اللّه في خلقه ، فإنه عين ما ظهر ، وليس ما ظهر هو عينه ،

فإنه الباطن كما هو الظاهر في حال ظهوره ،

فلهذا قلنا : هو مثل الأشياء وليست الأشياء مثله ، إذ كان عينها وليست عينه ، فإن الممكن ما استفاد الوجود وإنما استفاد حكم المظهرية ،

وهو قوله تعالى للشيء : كن فيكون ، فقبوله للتكوين هو أن يكون مظهرا للحق ، فالحق عين كل شيء في الظهور ما هو عين الأشياء في ذواتها ، سبحانه وتعالى ، بل هو هو والأشياء أشياء ، ففي نفس الأمر ليس إلا وجود الحق ، والموصوف باستفادة الوجود هو على أصله ما انتقل من إمكانه ، فحكمه باق وعينه ثابتة ،

واعلم أن ما يشرك به الشيء من ليس مثله فهو مثله من ذلك الوجه الذي أشركه فيه خاصة ، وينفصل عنه بأمور أخر له فيها أمثال ، فما ثمّ معلوم ما له مثل جملة واحدة ، فما ثمّ إلا أمثال وأشباه ، ولذلك ضرب اللّه الأمثال ونهى عن ضربنا الأمثال له ، وعلل فقال : " إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ "

فمن علّمه الحق ضرب الأمثال ضربها على علم ، فلا يضرب الأمثال إلا العلماء باللّه الذين تولى اللّه تعليمهم ، وليس إلا الأنبياء والأولياء ، وهو مقام وراء طور العقل ، يريد أنه لا يستقل العقل بإدراكه من حيث ما هو مفكر ،

فإن الذي عند العقل من العلم باللّه من حيث فكره علم التنزيه ، وضرب الأمثال تشبيه ، وموضع التشبيه من ضرب المثل دقيق لا يعرفه إلا من عرف المشبه والمشبّه

به ، والمشبه به غير معروف ، فالأمر الذي يتحقق منه ضرب المثل له مجهول ، فالنظر فيه من حيث الفكر حرام على كل مؤمن ، وهو في نفس الأمر ممنوع الوصول إليه عند كل ذي عقل سليم ،

ولذلك قال اللّه تعالى : «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» فضرب اللّه تعالى لنفسه الأمثال لأنه يعلم ونحن لا نعلم ، فإن اللّه يعلم كيف يضربها وأنتم لا تعلمون ، فناط بهم الجهل بالمواطن ، فيشهد الولي ما ضرب اللّه من الأمثال فيرى في ذلك الشهود عين الجامع الذي بين المثل وبين ما ضرب له ذلك المثل ، فهو عينه من حيث ذلك الجامع ، وما هو عينه من حيث ما هو مثل ، فالولي لا يضرب للّه الأمثال بل هو يعرف ما ضرب اللّه له الأمثال

- الوجه الثانيفَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» قال اللّه تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ) أي صفة نوره ، يعني المضاف إلى السماوات والأرض ، (كَمِشْكاةٍ) إلى أن ذكر المصباح ومادته ، فقال (اللَّهُ) وما ضرب المثل للاسم اللّه ، وإنما عيّن سبحانه اسما آخر وهو (نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فضرب المثل بالمصباح لذلك الاسم النور المضاف ، فإن اللّه اسم جامع لجميع الأسماء الإلهية ، محيط بمعانيها كلها ، وضرب الأمثال يخص اسما واحدا معينا ، فإن ضربنا الأمثال للّه وهو اسم جامع شامل فما طبقنا المثال على الممثل ،

فإن المثال خاص والممثل به مطلق ، فوقع الجهل بلا شك ، فنهينا أن نضرب المثل من هذا الوجه إلا أن نعين اسما خاصا ينطبق المثل عليه ، فحينئذ يصح ضرب المثل لذلك الاسم الخاص ، كما فعل اللّه في قوله تعالى) اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)

فهمنا اللّه وإياكم مواقع خطابه ، وجعلنا ممن تأدب بما عرفناه من آدابه ، إنه اللطيف بأحبابه ، فإنه قال «فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ» فإني ما ضربتها ،

فافهموا «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» فعلمنا سبحانه الأدب في النظر في أسمائه إذا أطلقناها عليه بالإضافة كيف نفعل ، وإذا أطلقناها عليه بغير الإضافة كيف نفعل ،

فالعالم يقطع عمره في نظر ما ضرب اللّه له من الأمثال ولا يستنبط مثلا من نفسه ، ولا سيما للّه ، وما أظن يفي عمر الإنسان بتحصيل ما ضرب اللّه له من الأمثال التي هي من عالم الخيال الذي انفرد الحق بعلمه في قوله «وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» .


المراجع:

(74) الفتوحات ج 4 / 301 - ج 3 / 344 - ج 4 / 203 - ج 2 / 488 - ج 3 / 291 - ج 4 / 379 - ج 3 / 185 ، 345 - ج 1 / 349 - ج 3 / 185 ، 450

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!