الجبّار بما جبر عليه عباده في اختيارهم واضطرارهم، لكونهم في قبضته .

والجبر إمّا بمعنى الإكراه، وإمّا بمعنى الإصلاح للأمور، وإمّا بمعنى التّعاظم، فهو أصلح الأشياء بلا علاج، وأمر بالطاعة بلا احتياج، لا يرتقي إلى جنابه وهم، ولا يشرف على أسرار ذاته فهم .

اعلم أنّ الجبر على نوعين: ذاتيّ وعرضيّ .

فالذّاتيّ هو عن تجلّ في العظمة الحاكمة على كلّ نفس، ولهذا الجبر وجهان :

وجه إلى هويّة الغيب والإطلاق الحقيقيّ، ويسمّى العظمة .

ووجه إلى الخلق ويسمّى الألوهيّة .

فالعظمة برزخ بين الهويّة [و الألوهيّة ]، والألوهيّة برزخ بين العظمة والخلق، فالألوهيّة في الجبروت الثّانيّ، فتقابل الخلق بذاتها، وتقابل الذّات بذاتها، ولهذا لها التّحويل في التّجلّيّات الصوريّة، فهي البرزخ بين الحقّ والخلق، فلا علم لأحد بالذّات إلّا من ورائها، فلا حكم للذّات إلّا بها .

وأمّا الجبر العرضيّ فهو جبر الخلق في الخلق، وهو محمود ومذموم :

فالمحمود جبر الإحسان، والمجبور بهذا الطّريق إمّا صاحب طمع، أو صاحب حياء، فالطامع إذا رأى الإحسان ابتداء من غير استحقاق طمعه ذلك في الزّيادة منه، فيطيعه بما يمكن له، ليكون إحسان المحسن إليه جزاء وفاقا، لكراهيّة المنّة عليه، لما جبلت عليه النّفوس، فهو منفعل عن جبر لا يشعر به .

وأمّا صاحب الحياء يمنعه الحياء بما غمره من الإحسان أن يعترض على المحسن في إتيانه وقبوله لما يريده منه المحسن، وذلك أيضا جزاء الإحسان، ليزول عنه حكم المنّة، وهذا من خلائص النّفوس .

وأمّا الجبر المذموم فهو الجبر بطريق الغلبة والقهر، وصاحبه ممقوت عند اللّه، لعدم أهليّته واستحقاقه .

فإن قيل: المجبور مثل هذا الجبر في الظّاهر، فذلك لضعفه وعدم قوّة امتناعه على المقاومة، فإنّه لا يقبل بباطنه أبدا، فلا أثر له إلّا في الظاهر، بخلاف جبر المحسن فإنّ له الحكم والأثر في الظاهر والباطن، فلا جبر أعظم من الإحسان لمن سلك سبيله، وقليل ما هم .