المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
المتكبّر
المتكبّر من الكبرياء، هو الّذي لا يقدر أحد على هتك ستره، فلا يقهره أحد على ملكه، ولا أن يحسن إليه، لأنّه هو الّذي بيده الإحسان، ومنه الغفران .
واعلم أنّ اللّه تعالى لمّا وصف نفسه بأشياء هي في العموم من صفات المحدثات مثل: «جعت فلم تطعمني، وظمئت فلم تسقني، ومرضت فلم تعدني »، حتّى ظنّ أهل الحجاب أنّها له صفة استحقاق، فأخبر عن نفسه سبحانه وتعالى أنّه المتكبّر عن مفهوم هذه الإطلاقات وأمثالها، وإن اتّصف به مجازا ووصف بها نفسه، فهو من الأسرار يعلمها أهلها، والكبرياء ذاتيّة له، تعالى عمّا يقول الظّالمون والجاهلون .
وعلامة استقرار آثار هذا الإسم في باطن العبد أن لا يقع منه مخالفة الحقّ أبدا ما دام العبد تحت حكمه، لغلبة استيلاء الصّفة عليه، فإن وقع دلّ ذلك على عدم صولة الحاكم، فلا تظهر أحكام تجلّيّات الحقّ المتكبّر أبدا في نفس الطائع الموافق، وأمّا من أجرأه على خلاف الحقّ ما يشهد من صفات العفو والمغفرة ونهي القنوط، فما عنده رائحة من صفة الكبرياء والمتكبّر، فإنّ المحقّق في هذا المشهد لا يخلو عن وجل، وكلّما ازداد معرفته وعلمه بكبرياء الحقّ ازداد خوفه، فإنّ وقوع المحظور المقدّر عليه إذا اتّفق أن يقع منه بحكم القدر المحتوم، فظهور سلطان الغفلة، وامتزاج نور العقل والإيمان كما ورد في الخبر لا يأتي فعل المقدور إلّا وقلبه وجل، لعلمه برجوع ذلك الفعل إلى الحقّ، من كونه عملا كان أمانة عنده، فانصبغ في هذا المحلّ بما لا يليق بجناب عزّه، وهو تعلّق الذّمّ به .
وإن نظر إلى حقيقة تكوين الفعل علم أنّه ما تكوّن حتّى قيل له «كن» فيدركه الوجل أيضا، فإنّه إذا نسبه إلى نفسه كان ممّن أشرك، وإن نسب
إلى الحقّ فقد أساء الآداب ، فهذا من أحكام كبرياء الحقّ المتكبّر في نفس المحقّق، وبهذا قال بعض أهل التّحقيق : ما كبّر اللّه من عصاه، وما عرفه من لم يعصه .