المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
البارئ
البارئ، قيل: الخالق منشئ الأعيان، والباري مدبّرها، وقد وقع التّفاوت في شهود أهل الحقّ في مجلى سلطنة هذا الإسم وظهور أحكامها على حسب درجاتهم في الكشف والتّحقيق : منهم من يرى سلطانها على كلّ مخلوق من الأرض العنصريّ خاصّة، ولا يرى لها أثرا في العلويّات، فعند هؤلاء القوم ما عدا هذا الخلق المنسوب الى الأرض العنصريّ فخلق آخر .
ومنهم: من يقول بعموم تصرّفها في المملكة الطّبيعيّة الكلّيّة، فيدخل في تصرّفها جميع الطّبيعة من الرّوحانيّات العلويّات والجسمانيّات السّفليّات، الظّاهرة من حضرة الهيولى الكلّيّ إلى آخر مراتب الوجود الّذي هو المرتبة الإنسانيّة، وما سوى ذلك من اللّوح والقلم والملائكة المهيّمة فذلك خلق آخر، والعماء الّذي هو النّفس الرّحمانيّ يشمل الكلّ، وقد ورد الخبر في خلق الخلق نفسه أيضا، ولكن لا يقبله العقول، لعدم فهمها، وكونه خارجا عن طور العقل، ولا يعثر على سرّ حقيقته إلّا من كان في طور النّبوّة أو الولاية، وأمّا الّذي يقرّب شيئا من ذلك إلى بعض الأفهام، هو أن يعلم أنّه لا بدّ لكلّ صاحب مقالة في اللّه أنّه يتصوّر في نفسه أمرا ما يقول فيه هو اللّه، فيعيده وهو اللّه لا غيره، فكلّ صاحب نظر ما عبد إلّا ما وجده في محلّ قابليّته، وما وجد في ذلك المحلّ إلّا مجعول نظره، وما ألقى عليه تلك القوّة المصوّرة إلّا اللّه، فما خلقه في ذلك المحلّ إلّا اللّه، فهذا معنى ذلك الخبر، وكلّ ما ظهر من صور الإعتقادات المختلفة والآراء المتباينة في محال أفكار أفراد الاسم ومحالّ أوهام أشخاص الملك فإنّما هو بروز آياته، وشؤون تجلّياته، تتحقّق في حقائق الأعيان، وتظهر في مظاهر الأكوان بحسب خصوصيّاتها وقابليّاتها واستعداداتها، والحقّ جلّت عظمته من حيث ذاته المقدّسة كما هو على إطلاقه الحقيقيّ، لا تبديل ولا تغيير في ذاته «تعالى عن ذلك علوّا كبيرا» .