المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
المصوّر
المصوّر بما فتح أبواب خزائن موادّ البهاء بمفاتيح الصّور، وزيّن رياض صدور أهل الكشف والشّهود بصور أنوار أزهار تجلّيّاته وآثار ورود آياته، فهو مصوّر الصّور، ومهيّئ الهيئات، وممثّل الأمثال، الّذي صوّر الظّاهر عموما، ونوّر السّرائر خصوصا .
اعلم أنّ حضرة التّصوير هي آخر مراتب حضرات الخلق، والعلم أوّلها، والخلق برزخ بين العلم والتّصوير، ولذلك ظهور الإنسان وقع في آخر مراتب الجسمانيّة في الخلق، ومن هذا السرّ ذهب بخلقه الإنسان في نفسه عند تصوّره وتوّهمه، لكونه يخلق كخلق اللّه، ومن ذلك صورة الإعتقاد الّذي يخلقه الإنسان في نفسه عند تصوّره وتوهّمه لكونه موجودا جامعا حقائق مراتب الوجود مع ما عليه من التّقييد والتّعيين، والغفلة عن شهود الأمر على ما هو عليه فاقتضى الغيرة الإلهيّة أن ينبّهه ويطّلعه على عموم التجلّيّات الوجوديّة، وسريان الهويّة الغيبيّة في حقائق مراتب الأكوان وصفائح قوابل عالم الإمكان، ليلزم الأدب عند مرافق توهّمه ومصارف تصوّره كان ما كان بقوله تعالى: فَأَيْنَمَ ا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّ هِ ، ووجه الشّي ء ذاته وحقيقته، فأثبت الحقّ سبحانه أنّه في أيّ موضع أقام العبد فيه أو تولّى إليه، وجه الحقّ في موضع تولّيه، وإن أنكر العقل ذلك لقصوره، فقد أثبته الحقّ، والحقّ أحقّ أن يتّبع .
وأمّا المصوّرون من هذا العلم على قسمين :
منهم: من يخلق صورة جسمانيّة كالصوّر المستعدّة للحياة، ولا يحييها لعدم القدرة على ذلك، وهو الّذي يتعلّق به الذّمّ الإلهيّ .
ومنهم: من ينشئ صورا روحانيّة وصور الأعمال الّتيّ تكلّف بإقامة نشأتها، وأعطي القدرة والقوّة على نفخ الرّوح فيها، وهو الإخلاص والحضور .
ومن هؤلاء من قصّر عن مثل هذا النفخ في هذه الصّور الرّوحانيّة، فتعلّق [به ] الذّمّ أيضا، ولحق بالأخسرين أعمالا .
ومنهم: من ينشئ وينفخ فيها الرّوح على أتمّ الوجوه بإذن الحقّ وتوفيقه، فيقوم على ناطقه مسبّحة بحمد ربّه، فالمخلصون العارفون أبدا في إنشاء الصّور، فهم المصوّرون ، الّذين ينفخون في صور إنشائهم أرواحا، فشؤونهم دائم، وشهودهم قائم .