المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
الرّزّاق
الرّزّاق بما رزق وأعطى كلّ متغذّ من المعادن والنّبات والحيوان والإنسان من غير اشتراط كفر ولا إيمان .
قيل: الرّزق ما جعل اللّه لقيام الأبدان .
وقيل: ما هي للإنتفاع به .
فالرازق هو الّذي غذّا نفوس الأبرار بتوفيقه، وجلّى قلوب الأخيار بتوجيله ، وخصّ الأغنياء بوجود الأرزاق، وشرّف الفقراء بشهود الرّزاق، فمن فاز بشهود الرّزاق ما ضرّه ما فاته من وجود الأرزاق .
اعلم أنّ الرّزق على نوعين: صوريّ ومعنويّ .
فالصوريّ: ما يقوم به الأجسام .
والمعنويّ: ما يقوم به الأرواح .
فالأوّل كشف سفليّ، والثّاني لطيف علويّ .
قال اللّه تعالى في العلويّ: وَ فِي السَّمَ اءِ رِزْقُكُمْ وَ مَ ا تُوعَدُونَ .
وقال تعالى في السّفلي : وَ قَدَّرَ فِيهَ ا أَقْوَ اتَهَ ا فجعل كلّ ذلك رزقا لتصحيح افتقار الخلائق صورة ومعنى، وانفراد الحقّ سبحانه بالغنى .
ولكلّ قسم من القسمين درجات .
وأرفع المنازل وأعلاها في الأرزاق المعنويّة ما يظهر به عين وجود الحقّ، السّاري في صور أحكام الممكنات، الظّاهر في مظاهر أعيان الكائنات .
وعلامة المحقّق بحقائق هذه الحضرة إمعان نظره في قابليّات أشخاص مراتب الأكوان جمعا وفرادى، وما يستحقّ كلّ مخلوق في مرتبة من مسمّى الرّزق صوريّا ومعنويّا، وما يقتضي استعداده، فإنّ خواصّ الأرزاق ونتائج آثارها تتفاوت بحسب قابليّات المرزوقين واختلاف أمزجتهم، وكم من
رزق يعيش بها مرزوق ويموت بها آخر، كحيوان الماء الّذي عيشه برزق الماء إنّه يموت بالهوى إذا فارق الماء وكذلك حيوان البرّ الّذي يعيش برزق الهواء، فإنّه يموت في الماء لفقد الهواء وإن كان لا يخلو الماء من امتزاج الهواء، ولا الهوى من امتزاج الماء ، لكنّ الحكم للغالب، فإذا تحقّق هذا في الأرزاق المحسوسة السّفليّة الكثيفة، فالتّفاوت في حقائق العلويّات أكثر، ومجاله أوسع، وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَ اتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلًا .
فالعارف الكامل من ينزّل المعارف في أهلها، ويشهد حقائق أعيان الأكوان على ما هي عليه من تفاوت درجاتها، وغايات توجّهاتها، ونهاية كمالاتها، ومقتضى خصوصيّاتها، فيعطي كلّ ذي حقّ حقّه .