المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
الخافض
الخافض، معنى الخفض: الوضع والحطّ، وهو الّذي يخفض من يشاء بعقوبته، ويرفع من يشاء إلى أعلى درجته ، يخفض نفوس الأشقياء بتبعيده، ويرفع قلوب الأولياء بتقريبه .
اعلم أنّ آثار أحكام هذا الاسم في المحدثات الإمكانيّة والتّعيّنات الكيانيّة، لما يقتضي وجود المحدث من تأخّر مرتبته عن مرتبة القديم، فإنّ للمتقدّم التّصرّف في المراتب والحضرات كما يشاء من غير منازع يقابله ويزاحمه، وليس للمتأخّر ذلك، لأنّه إذا تصرّف لا يتصرّف إلّا فيما دون م
تصرّف المتقدّم السّابق، وهو الخفض بالنّسبة إليه [المتأخر ]، فأرفع المقام في التّصرّف للمتقدّم، ولهذا السرّ كان نزول الحقّ إلى أحكام الحادث بعد رفعته وإطلاقه، ثمّ نزّه نفسه عن ذلك، وارتفع جناب كبريائه عن لوث الحدوث، فبالإعتبار الأوّل يسمّي نفسه العزيز الجبّار، وبالإعتبار الثّانيّ المتكبّر .
وفي حروف الخفض إشارة لمن عقله، وهي أنّ الأسماء أعلى رتبة من الحروف، ومع ذلك أثّرت الحروف فيها لتعلّقها كما يقول القائل: «أعوذ باللّه »، فالباء عاملة، ومعمولها الهاء المشيرة إلى هويّة الغيب، فانظر إلى هذا الأمر العجيب واعتبر .
ثمّ اعلم أنّ الخوافض كثيرة مثل «من» و«إلى» و«في» و«قبل» و«بعد »، ومن خواصّها أنّها إذا دخلت بعضها على بعض أخرجتها عن حكم الخفض، ولم يظهر فيها عمل الخافض، لأنّها بالأصالة خافضة، والخافض لا يكون محفوضا نحو لِلَّ هِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ .
فإذا فهمت ذلك فاعلم أنّ مراتب الكون بأجمعها في مقام الخفض، ولا أثر لأفعال أعيان الممكنات بعضها في بعض عند أهل الكشف، لأنّ الحدوث الّذي يشملها بمنزلة البناء للحروف، فلا مؤثّر إلّا اللّه، ولا ينفعل منفعل إلّا لصورة الحقّ وسريان ظهوره في مظاهر الحقّ، ولا أثّر فيه إلّا المؤثّر الحقيقيّ، وحده لا شريك له .