المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
الرّافع
الرّافع بالعلوّ والإظهار، وهو الّذي يرفع الأبرار إلى أعلى الدّرجات، كما يخفض الكفّار في أسفل الدّركات .
اعلم أنّ حكم الرّفع للحقّ بالأصالة، كما أنّ الخفض للعبد ، ومن أحكام هذا الاسم سريان الرّفعة الإلهيّة في أعيان مراتب الإمكان، وارتفاع الكلّ من حضيض العدم إلى علوّ درجات الحياة والعلم، فإنّه: وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّ ا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ، ولا يسبّح إلّا حيّ عالم لمن يسبّح له وبما يسبّح، فلكلّ شي ء في درجته ومرتبته علم وتميّز، يفصّل به بين من ينبغي له التّسبيح ومن لا ينبغي، ولا رفعة أرفع من درجة العلم، والحقّ هو الّذي أنطق ذلك الشّي ء بما يسبّح في درجاته، فهو المسبّح والمثني على نفسه بنفسه، وله الرّفعة في كلّ درجة، وهو رفيع الدّرجات في كلّ عين، بل في كلّ نفس من أنفاس الأعيان، وذلك أنّ النّفس هيولى صور التّكوين، وللحقّ جلّت عظمته شئون في وجود الأنفاس بحسب حال العبد في وقت تنفّسه، فإنّ النّفس الدّاخل إذا استقرّ في القلب تغيّر حالة الأثر الحرارة في القلب، وتشكّل فيه صورة ما في القلب من الخواطر، فتزعجه الرّئة إلى الخروج لدخول غيره، فإذا أخرج فلا يخلو صاحبه عن التّكلّم به أو السّكوت عنه فإن تكلّم تشكّل الهواء بصورة ما تلفّظ به، فيزيد في صورته، وإن لم يتكلّم خرج بصورة المقبول من القلب، وذلك على الدّوام دنيا وآخرة، فللخلق في كلّ نفس تكوين، فهم في كلّ آن في شأن، غير أنّ موطن الدّنيا يقتضي إخلاط الخبيث والطّيّب، ونشأة الآخرة لا تطلب إلّا الطّيّب حتّى يغلب على الخبيث، فيصير الحكم للغالب، وهو المآل إلى الرّحمة .
ومن أحكام هذه الحضرة التّسخير، فإنّ من كان في درجة الرّفعة يسخّر غيره، كتسخير الملوك الرّعايا، وقد تكون درجة المسخّر أعلى من درجة
المسخّر، كتسخير الرّعيّة الملك بالحال في قيامه بمصالحهم، فدار الأمر من هذا الوجه، فإنّ الحقّ عزّ شأنه أمر عباده ونهاهم، ثمّ أمرهم أن يأمروه وينهوه، فقال لهم قولوا: اغْفِرْ لَنَ ا وَ ارْحَمْنَ ا ولا تؤاخذنا وَ لَ ا تَحْمِلْ عَلَيْنَ ا إِصْراً ، فأقام نفسه تعالى مع كبريائه وعزّته وجبروته بصورة ما أقام فيه عباده على ذلّهم وافتقارهم، غير أنّ هذا التّسخير مع الإستعلاء يسمّى أمرا أو نهيا، ومع الإفتقار دعاء ورغبة، فالأمر منه وإليه .