المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
المعزّ
المعزّ من يشاء بالقناعة واليقين والزّهد في متاع دار الفناء، من عرفه أعزّ نفسه بخدمته، وقلبه بمعرفته، وبصره بمشاهدته .
اعلم أنّ من آثار هذا الاسم سريان حكم الاعتزاز في العالم، إلّا أنّه يذمّ في موطن ويحمد في موطن، والإعتزاز هو ظهور العبد بصورة الحقّ، سواء تورثه تلك الصورة سعادة أو شقاوة، والمعتزّ المحمود السّعيد باعتزازه هو العبد المحقّق الكامل القائم به صفة الحقّ في الخلافة، فهو ممّن أعزّه اللّه بمكارم الأخلاق ودرك الحقائق وأنواع المعارف وفنون العلم باللّه، ووفّقه لنصيحة عباده بحسن التّعليم، فيخرجهم من ظلمات الجهالة والمخالفات،
وينتزع عنهم نوازع الاستكبار والرّعونات، حتّى تذللوا تحت عزّة الحقّ وكبريائه، وأذعنوا لأوامره ونواهيه، فنصيب مثل هذا العبد من الاسم المعزّ، وحظّه هو الحظّ المحمود، فإنّه حمى قلوب عباد اللّه أن يتحاكم فيهم بما لا يليق بجناب الحقّ، فهو معزّ للحقّ، عزيز بالحقّ .
وأمّا صاحب الإعتزاز المذموم، هو المحجوب بالصّفات الحجابيّة كفرعون وأمثاله من الجبابرة من الملوك والحكّام المفتخرين بالرّئاسة والإستيلاء، ومن اعتزّ في نفسه على أمثاله جورا وظلما وجهلا لحق بالأخسرين أعمالا، ولا أحد أذلّ منهم في نفوسهم وعند الخلق إذا عزّوا، وعند اللّه في الحالين .
وأعظم الإعتزاز في المرتبة الخلقيّة أن يحمل العبد نفسه من أن يقوم به وصف إلهيّ، لتحقّقه مقام العبوديّة المحضة، فإنّ الصّفات على نوعين :
محصورة وهي الأسماء الحسنى. وغير محصورة .
فالأسماء الحسنى هي الحقّ بالأصالة، وقد يتّصف العبد بها في معراجه من حضيض البشريّة إلى مقام العزّ بالتّزكية والتّجلية وإدمان النّوافل إلى أن يصير الحقّ سمعه وبصره كما ورد به الخبر .
وأمّا الصّفات الّتي غير الحسنى متناهية ، وجميعها للعبد بالأصالة، وقد يتّصف الحقّ بها، فمجال العبد في ميدان الصّفات والأسماء أوسع نظرا إلى مراتب الكثرة، فأمّا عند أهل الكشف فالصّفات كلّها للّه وإن اتّصف بها العبد .