المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
السّميع
السّميع الّذي يدرك المسموعات سرّا وجهرا، لا يشغله سماع عن سماع، ولا يعزب عن إدراكه مسموع وإن يخفى، ويسمع السّر والنّجوى، بل هو أدقّ من ذلك وأخفى .
اعلم أنّ الحقّ جلّت عظمته عند سمع كلّ سامع بحسب استعداد ذلك السّامع، كما أنّه تعالى عند لسان كلّ قائل، وما ثمّ قائل إلّا هو سامع، فسمع كلّ سامع لا يكون إلّا من هذه الحضرة السّميعيّة .
لكن من السّامعين من لا يفهم ممّا يسمع إلّا دعاء ونداء ، فحظّ مثل هذا السّامع من قول المتكلّم صورته دون روحه، فإنّ للكلام روحا وهو معناه الّذي أريد به، وصورة وهو مجرّد اللّفظ، وهذا من كَالَّذِينَ قَ الُوا سَمِعْنَ ا وَ هُمْ لَ ا يَسْمَعُونَ ، إلّا أنّه لا فرق بين الأصمّ الّذي لا يسمع وبين من يسمع ولا يفهم إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّ هِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَ ا يَعْقِلُونَ .
ومنهم: من يكون سماعه مع الفهم لما أريد له ذلك المسموع لكمال استعداده، وهو الّذي كان الحقّ سمعه وبصره .
وعلامة السّامع الكامل أن يكون عين سمعه عين فهمه .
فإنّ السّامع: إمّا مكاشف عارف أو غير مكاشف .
وغير المكاشف لا يسمع كلام الحقّ إلّا من خبر إلهي على لسان رسول أو كتاب منزّل أو رؤيا، فهيّأ ذاته للعمل بمقتضى ما سمع، أو بالقيام على خلافه بحسب ما يحكم عليه التّوفيق أو الخذلان .
والعارف يسمع وينظر في خطاب الحقّ إيّاه، في ما يسمعه من كلّ متكلّم في الأكوان، فيرى نفسه مخاطبا بذلك الكلام، ويبرز له، فما يفهمه به يعمل بمقتضاه، ونفسه أيضا عين من أعيان الأكوان، وإن كان الإنسان كثيرا ما يحدّث نفسه، بل أكثر أعمال المرء بمقتضى ما يؤمّل نفسه ويحدّث به، فإذا كان المتكلّم بالحديث نفس العارف فذلك إعلام الحقّ في مرتبة النّجوى، فيراقب نفسه، فإنّه قائل في نفسه، سامع منها فيما هي متكلّمة بقول وبما هو ذو سمع يسمع ما يقول، فإنّه ليس في كلام الشّي ء نفسه صمم أصلا، فإنّه لا يكلّم نفسه إلّا بما يفهمه، فعين السّمع في هذه المرتبة عين الفهم، وفيه إشارة إلى أنّ الحقّ سبحانه كان متكلّما سميعا ولا كون ولا مكان، والآن على ما عليه كان .