المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
العدل
العدل هو الميل، وقيل: هذا مصدر أقيم مقام الاسم، هو الّذي يخاف من عدله، ولا ييأس من فضله، فعدله في أفعاله دليل ما صدّقه في إنزاله .
لمّا كان أمور مراتب الأكوان مبنيّا على الميل والعدول سمّى نفسه العدل، لعدوله عن الوجوب إلى الإمكان، وعدله الممكنات من حضرة الثّبوت إلى حضرة الوجود، فما في الكون إلّا العدل، وما ظهر الوجود إلّا بالعدل، كما أنّ المؤمن عدل عن الباطل إلى الحقّ، كذلك الكافر عدل عن الحقّ إلى الباطل، قال تعالى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ .
أخبر الحقّ أنّه ما عدل من عدل كان العدل ما كان إلى الحقّ أو إلى الباطل إلّا به وبإرادته ومشيّته، لأنّه لا حول ولا قوّة إلّا به، وإنّما سمّاهم كفّارا لأنّهم ستروا وجه الإطلاق بتقييدهم، وإنّما صدر السّتر عنهم لأحد الأمرين :
[ الأوّل ]: إمّا لأنّهم ستروا عين البصيرة عن التّصرّف الصّحيح، واقتصروا على ما بدا لهم، ولم يوفوا النّظر حقّه، ليظهر لهم حقيقة الأمر على ما هو عليه في نفسه، فحرموا بتقصيرهم الخير الكثير .
[ الثّانيّ ]: وإمّا لأنّهم بعد إمعان النّظر علموا وأشهدوا الأمر على ما هو عليه، ولكن جحدوا وستروا عن الغير، لمنفعة كانت تحصل لهم من مال وجاه، كما فعل أحبار اليهود، فالميل عين الإستقامة لكلّ عين من أعيان عالم الإمكان في مراتب الوجود، وإن توهّم النّاظر خلاف ذلك، كما يشاهد من إعوجاجات أغصان الأشجار، وميلها، وتداخل بعضها على بعض، فإنّ ذلك كلّها مستقيمة في عين ذلك الميل عند المحقّق، لأنّها مالت بحكم جريان الطّبيعة في مجاريّ موادّها، كذلك ميل أعيان أغصان الأشجار، وتداخل بعضها على بعض، فإنّ ذلك كلّها أغصان شجرة الكون في مراتب جزئياتها واختلاف حالاتها، وتوجّهها إلى غاياتها وإخراج كمالاتها إنّما هو بحكم جريان حكمة فاطرها وتصرّف موجدها: مَ ا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّ ا هُوَ آخِذٌ بِنَ اصِيَتِهَ ا إِنَّ رَبِّي عَلى صِرَ اطٍ مُسْتَقِيمٍ .