المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
اللّطيف
اللّطيف بسريانه في أفعال الموجودات، واختفاء لطائف حكمته في مظاهر الكائنات، هو الّذي يسّر كلّ عسير، وجبّر كلّ كسير .
اعلم أنّ حقائق هذا الاسم وأسراره عمّت مراتب الوجود، واللّطيف مأخوذ من اللّطف وهو الخفاء، وأغرب مثله خفيّات لطافة مدّ الظّلّ وقبضه، فإنّ البصر لا يدرك غير امتداده وانقباضه حالا بعد حال، ولا قدرة له على شهود حركته المحسوسة على الدّوام، فضلا عن شهود حقيقة خروجه من الأصل الحقيقيّ ورجوعه إليه، فإنّ الظّلّ إذا أخذ في الإمتداد م
يخرج من ذات الشّخص، وكذلك إذا انقبض لا ينقبض إلّا إلى ما منه خرج، هذا شهادة العين، ويقول الحقّ عزّ شأنه: ثُمَّ قَبَضْنَ اهُ إِلَيْنَ ا قَبْضاً يَسِيراً إشارة إلى أنّ عين ما خرج منه هو الحقّ سبحانه، ظهر بصورة خلق فيه ظلّ، يبرزه تارة ويقبضه أخرى، وكما أضاف القبض إلى نفسه، كذلك أضاف إمتداده إليه بقوله تعالى: لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وهذا من ألطف الإشارات، فإنّ العين تدرك وتشهد حركة الإمتداد وانقباضه من ذات الكثيف، وهي في الحقيقة من لطائف تصرّفات القويّ اللّطيف، وكذلك قوله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَ اعَ اللَّ هَ إشارة إلى سريان هذا اللّطف الإلهيّ الّذي هو كسريان نور الشّمس في أجزاء الجوّ وامتزاجهما بحيث لا تقع الإشارة على أحدهما إلّا ويشاركه الآخر، فالإشارة إلى النّور إشارة إلى الهواء والإشارة إلى الهواء إشارة إلى النّور، كذلك سبب اختفاء الذّات المتعالية شدّة ظهوره واحتجابه عن الإدراك بسبحات نوره .