المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
الشّكور
الشّكور بمعنى المشكور بما شكّر عباده عليه من علمهم [عملهم ] بطاعته، ووقوفهم عند حدوده، ليبالغوا فيها شكرهم عليه، هو الّذي رزق العباد، وأعطاهم ما كان عليه فرض، وإذا سألهم قال عليّ فرض .
اعلم أنّ الموجب للشّكر هو الإنعام، والنّعمة عبارة عمّا يقع به إلتذاذ، وهي إمّا باطنة كالعلم والحكمة والمعرفة، وإمّا ظاهرة كالمأكول والملبوس والمنكوح، وأعظمها النّكاح، وهو إمّا لإنتاج وإيجاد أعيان الأمثال لزيادة
الشّاكرين على بساط الشّكر، وإمّا لمجرّد اللّذّة وهو من أعظم النّعم الظّاهرة ولذلك امتنّ به الحقّ على رسوله حيث حبّب النّساء إليه مع قلّة أولاده فلم يكن المراد إلّا عين النّكاح مثل نكاح أهل الجنّة لمجرّد اللّذّة لا للإنتاج، ليشهد مشهد الإمتنان بشهود هذه اللّذّة الدّالّة على اللّذّات الخالصة الجنانيّة .
واعلم أنّ الحقّ عزّ شأنه لمّا وصف نفسه بأنّه شكور يشكر عباده، طالبهم بالشّكر ليظهروا بصفته لكونهم على صورته، ولا يوفّي العبد حقّ الشّكر إلّا بأن يرى النّعمة منه كما ورد في الخبر أنّه تعالى: «أوحى إلى موسى عليه السّلام أن اشكر لي الشّكر، قال: ومن يقدر على ذلك يا ربّ ؟، قال: إذا رأيت النّعمة منّي فقد شكرتني» .
وفيه تنبيه، وهو أنّ له رؤية النّعمة الباطنة العلميّة من العبد، كما أنّ للعبد رؤية النّعم الظّاهرة منه، لتوقّف العلم على المعلوم، وزيادة تعلقاته بتنوّع أحوال العبد، وهو سرّ قوله حتّى تعلم، وفي الحقيقة هو علمه بنفسه بحكم سريان الهويّة في مراتب الكون، ولهذا قال عليه السّلام: «الصّدقة تقع بيد الرّحمن »، وقال تعالى: هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَ ادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقَ اتِ فيد السّائل صورة حجابيّة عن يد الرّحمن، وهي تقع في يد الرّحمن قبل وقوعها في يد السّائل .
ويقول تعالى له: «جعت فلم تطعمني »، وهذا ثبت في صحيح مسلم، فعند هذا القول كان الحقّ حجابا على العبد، وعند الأخذ والعطاء كان العبد صورة حجابيّة عن الحقّ، فتحقّق أيّها المنعّم الطّالب أنّه ما أنعم إلّا هو، ولا قبل الإنعام إلّا هو، واشكر على نعمة هذا الشّهود، فإنّه الشّاكر والمشكور، لا إله إلّا هو .