المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
العليّ
العليّ في شأنه، لعلوّه بذاته عمّا يليق بسمات الحدوث وصفات المحدثات .
اعلم أنّ العلوّ إمّا أن يكون بالمكان أو بالمكانة أو بهما جميعا .
فأعلى الموجودات بالمكانة والمكان من وجب له الوجود لنفسه إستقلالا، لم يفتقر إلى غيره، فكان له الغنى صفة ذاتيّة، وكلّ ما سواه يفتقر إلى فيض وجوده، ويذعن لسطوة سلطانه، ويلجأ إلى جناب عزّه، ومن كان بهذه الصّفة لا بدّ أن يكون له علوّ قدر ومكانة في قلوب العارفين، وكلّ من كان وجوده بغيره من أفراد أعيان مراتب الكون فهو مستوى لعلوّ تصرّفات هذا العليّ، فكلّ ما سوى الحقّ عرش الرّحمن، لظهوره من حقائق سريان النّفس الرّحمانيّة وقيامه به وإن لم يشعر بذلك، ومن هذا السّرّ ظهر العلوّ فيمن علا في الأرض أو أراد العلوّ، لجهله بحقيقة العلوّ الّذي هو رتبة لا تليق إلّا بجانب من تفرّد بالقدرة والبقاء، وأحاط وجوده بالكلّ، وأشمل لطائف وجوده الكلّ، فهو العليّ من حيث مجموعيّته الأحديّة وأحديّته المجموعيّة لا من حيث أفراده المجموع، ولذلك قال عزّ اسمه :
تِلْكَ الدَّ ارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَ ا لِلَّذِينَ لَ ا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لَ ا فَسَ اداً إشارة إلى اهتمام قلب العبد وإنضمام عزمه لوقوع أمر، وإن لم يظهر في الحسّ فإنّها واقعة في الحضرة العلميّة، فطلاب الرّئاسة وإن لم يظهر ذلك منهم لمانع فقد حرموا الخير الكثير، لأنّهم أرادوه وحصل في نفوسهم، غير أنّه لم يحصل في أرض النّفوس، والعبد المتلبّس بصفة سيّده لابس ثوب زور لا تقبله ذاته، ولهذا لا يعترف مخلوق بعلوّ مخلوق قطّ عند مشاهدة العين، ولا يعظّم أحد في عين أحد إلّا المحبوب في عين المحبّ، هذا حظّ العامّة من أحكام علوّ العليّ .
وأمّا حظّ العارف من هذه الحضرة شهود علمه بذاته، وما يقتضي حدوثه من مقام الإنحطاط وبعده عن رتبة العلوّ، ومطالعته العناية الإلهيّة والتّشريف الرّبانيّة لهم، بإضافته العباد إليه الّذي كان بهم عليّا، لأنّه لو لا إنحطاط الممكن ما ظهر لعلوّ العليّ سلطانه .