موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

شرح الأسماء الحسنى

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

اللّه

 

 


الّذي له القدرة والاختراع والخلق والأمر، الجامع للذّات والصّفات والأفعال .

اعلم أنّ شأن هذا الاسم عظيم، وأمره جليل، ليس لعيون الأفهام والعقول إلى مشاهدة أسراره سبيل، وليس للقوّة البشريّة أن يسلك طريق البحث والتّفتيش في حقائق أسرار الإلهيّة، والاطّلاع على خفايا مملكة الفردانيّة، وليس لأهل القرب من الذّات إلّا الدّهشة والحيرة، يتردّدون بين اليأس والطّمع، إن نظروا إلى هيبة جلاله يئسوا ، وإن نظروا إلى أنس جماله طمعوا، فلولا أنس الجمال لتقطّعت أوصال العارفين دهشة، ولولا طمع الوصال لذابت قلوب المحبّين حسرة .

وإنّي مشير بما منّ اللّه سبحانه على عبده فإنّه المفضل المنّان يمنّ على من يشاء بما يشاء إلى بعض ما يمكن بثّه من أسرار هذا الاسم بجلالته تباركت وتعالت .

منها: حقائقها الحرفيّة المشيرات إلى الأسرار الكشفيّة :

اعلم أنّ هذا الاسم عند أهل التّحقيق مركّب من خمسة أحرف رقما [ و] هي ستّة لفظا، إشارة إلى إحاطة الذّات المتعالية العوالم الخمسة المحسوسة والجهات السّتة المختلفة وسدّ طرق الأبنيات، وأوّلها الألف، وفيه إشارات :

[ الإشارة الأولى ] منها: اختفاؤها في الهمزة لفظا كخفاء الهمزة في الألف رقما، إشارة إلى خفاء مظاهر الأكوان في الغيب المجهول أوّلا، كاختفاء أسرار الذّات الإلهيّة وحقائق الصّفات الأزليّة في رقوم المظاهر أخيرا .

[ الإشارة الثّانية] ومنها: أنّ الألف هو عين النّفس الممتدّ من باطن الصّدر، المتعيّن في جميع درجات المخارج الحرفيّة، الظّاهر بصور الحروف كلّها، إذ به كانت قيامها من حيث قيّوميّته في عالم الحروف، فهو هيولى لحقائق الصّور الحرفيّة، وظواهر الحروف صور تفصيليّة له، وهي في أحديّة النّفس عينه، غير أنّ كلّا منها يمتاز عن غيرها في درجتها من درجات المخارج، كذلك امتداد النّفس الرّحمانيّ وإحاطته بمراتب الكائنات ونفوس أفراد الممكنات من العلويّات الرّوحانيّات والسّفليّات الجسمانيّات، فإنّ الكلّ صور كلمات اللّه الّتي لا نفاد لها، وتنوّعات تجلّيّاته، والمتغيّر في حروف أعيان مراتب الوجود، والظّاهر في مظاهر الأكوان بحسب قابليّاتها وخصوصيّاتها، والكلّ في قبضته، ووجودهم فيه، وقيامهم به، وصدورهم منه، ورجوعهم إليه، «و أنّ الملأ الأعلى يطلبونه كما يطلبه الملأ الأسفل »، «و هو معهم أينما كانوا» ، «و أقرب إليهم من حبل الوريد» .

[ الإشارة الثّالثة] ومنها: مراتب النّفس في إظهار الحروف :

اعلم أنّ للنّفس الإنسانيّ ثلاث مراتب :

إحداها: قبل امتداده وهي مرتبة إجماليّة وعينيّة قبل التّعيّن، ووجود ظواهر الحروف مندمجة مستهلكة فيها استهلاكا لا يتميّز أعيانها ولا يمكن شهودها وعيانها بل وجود الألفيّة المنشئة للحروف مستهلك في هذا العالم كاستهلاك صورته في وجود النّقطة في عالم الرّقم ، وكون الحروف عينه ككونه عين النّقطة، إشارة إلى هويّة الغيب، وتباين المطلق، وانتفاء الكثرة الوجوديّة النّسبيّة حيث «كان اللّه ولم يكن معه شي ء »، واستهلاك الكثرة الأسمائيّة والصّفاتيّة في الهويّة المقدّسة عن التّعيّن واللّاتعيّن .

الثانية: امتداد النّفس وتوجّهه بالإيجاد إلى أعيان الحروف حال تعيّناتها في مخارجها، ورجوعها إلى الباطن عند انتهاء تحقّق وجود الألفيّة، وهو النّفس الممتدّ من حيث امتداده، إشارة إلى امتداد النّفس الرّحمانيّ وتوجّهه إلى حروف الأعيان حال تعيّناتها في مراتبها، وتنزّلاتها في مدارجها، ورجوعها إلى باطن عالم الغيب في معادها ومراجعها .

ثمّ هذا الامتداد النّفسي :

إمّا أن يكون عارجا فيسمّى بالفتحة، إشارة إلى فتح أبواب الفتوحات الإلهيّة وجذبات العناية الرّبّانيّة .

وإمّا هابطا إشارة إلى التّنزّلات الوجوديّة، وورود التّجلّيّات الرّبّانيّة إلى مراتب التّعيّنات الإمكانيّة والحقائق الجسمانيّة .

الثّالثة: تعيّن مراتب النّفس في درجات المخارج، وظهوره بصور الحروف، وتشكّله بأشكالها، وتعداده في عقود مراتب الأعداد بتكرار حقائقه في الامتداد، وسريانه في مراتبها، واتّصافه بها، وصيرورته عينها، مع تنزّهه وغنائه عنها، إشارة إلى الفيض الوجودي والتّحلّي الوجوديّ، طالعا من مطالع الغيب اللّاهوتيّ، ساريا في حقائق التّعيّنات النّاسوتيّه، ظاهرا بحقائق أحكامها ونتائج آثارها، وهو مع ذلك كلّه على إطلاقه الحقيقيّ، وغناه الأزليّ، وتنزّهه الأبدي، كاللّون المطلق فإنّه يسمّى في الأبيض بياضا، وفي الأسود سوادا، إلى غير ذلك على التّعيين والتّقييد، وهو مع ذلك على إطلاقه في العين لا في التّعيّن .

[ الإشارة الرّابعة] ومنها: حركات صورة ألفيّة في عالم الرّقم، ولها ثلاث اعتبارات :

إحداها: الحركة المستقيمة، وصورة المرقومة الألفيّة في هذه المرتبة سواء كان نازلة من فوق أو صاعدة من تحت إشارة إلى حيطته بالعظمة والكبرياء والقدرة والجلال [في ] مراتب الأكوان ومجالي الأركان ، من قطّان حظائر الملأ الأعلى إلى سكّان حظائر الثّرى: وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّمَ اءِ إِلَ هٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلَ هٌ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ لَهُ مَ ا فِي السَّمَ اوَ اتِ وَ مَ ا فِي الْأَرْضِ وَ مَ ا بَيْنَهُمَ ا وَ مَ ا تَحْتَ الثَّرى ومساواة النّسبة الفوقيّة والتّحتيّة إليه عزّ شأنه .

الثّانية: الحركة الممتدّة في العرض هو الباء، وهو أوّل معلوم ظهر من حضرة الوحدانيّة الألفيّة، وكذلك روحه أوّل معلول روحه وهو العدد، فإنّ الإثنين أوّل معلول للواحد، وهو أوّل الأعداد ومبدء الكثرات، إشارة إلى انتشار مجملات العلوم الخفيّة، وانبثاث الأسرار الخفيّة على صفحات ألواح المظاهر الخلقيّة، وفلتات ألسنة سكّان العوالم السّفليّة والعلويّة .

الثّالثة: الحركة المستديرة، وهي حركة دوريّة إحاطيّة كماليّة، يتّصل نهايته ببدايته، لاتّصال نقطته الآخرة بنقطته الأوّليّة، إشارة إلى التجلّيّات الرّحمانيّة ولطائف النّفخات الرّبّانيّة من مراتب التّعيّنات الوجوديّة ومدارج المظاهر التّقييديّة إلى إطلاقه الأوّل، ورجوعها من الشّهادة إلى الغيب، وعروجها من حضيض الظّلمة السّفلى إلى علوّ فضاء النّور الأعلى، وذلك : إمّا بالمعراج والتّرقيّ في درجات الأحوال، والتّقلّب في أطوار المقامات على قانون طريقة أهل الكشف .

وإمّا بالموت الطّبيعيّ ومفارقة الجوهر النّفسانيّ [ل] هذا المركب الجسمانيّ .

وإمّا بالمكاشفات البرزخيّة في المواطن المثاليّة من طريق النّوم المشروطة بطهارة النّفس من الأخلاق الرّديئة والصّفات الحجابيّة اللَّ هُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَ ا وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَ امِهَ ا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَ لِكَ لَآيَ اتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ .

[ الإشارة الرابعة ]: ومنها: انفصال صورته الحرفيّة الرقميّة عن صور الحروف كلّها في أوائل الكلام، واتّصال الحروف به في الغاية، إشارة إلى العلوّ، والغنى، والرّفعة، والنّزاهة الذّاتيّة، وانقطاع نسبة بين المطلق والمقيّد، وعدم الرّابطة بين اللّاتعيّن والتّعيّن، وسطوة الغيرة الأحديّة، وظهور حقيقة ما للتّراب وربّ الأرباب، واتّصال حروف الكائنات به، ورجوع أعيان الموجودات إليه آخرا، ورفعه إيّاها بالعناية الأزليّة والكفاية السّرمديّة إلى إطلاقه الحقيقيّ وجمعه الغيبيّ، عند اضمحلال رسوم

السّائرين، واستهلاك وجود العالمين، وفناء الأعيان الوجوديّة في الهويّة الغيبيّة الأحديّة الجمعيّة .

وأمّا اللّامان بعد الألف :

أحدهما: بيده وهو ملكوت كلّ شي ء .

والاخرى: له وهو الملك الّذي للّه الواحد القهّار .

فاللّام الأوّل: إشارة إلى لوح الحقائق الملكوتيّة المتّصلة بالتّجلّيّ ، والتّحلّيّ بالحلل الوجوديّ في مرتبة العيان الشّهوديّ، قبل المحسوس الشّهاديّ ونظام الملك بمشاركة الأجسام والنّفوس، وقبولها وجود الفيض الواصل بالتّجلّيّ النّازل قبولا أحديّا جمليّا، كضرب السّكة بلا واسطة كما قال عزّ شأنه: وَ مَ ا أَمْرُنَ ا إِلَّ ا وَ احِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ثمّ إضافة التجلّيّات من تلك الحقائق الملكوتية على ما أدغم فيها من مراتب عالم الإمكان ودرجات تعيّنات الأعيان وتكميلها بالتّطهير عن خبث النّقائص، وإيصالها إلى إطلاقه الحقيقيّ بعد سريانه فيها .

واللّام الثّانيّ: إشارة إلى مجالي الظهور، وآثار تجلّيّات الملك العزيز الجبّار في سعة عرضة الملك، وتفصيل ما كان مجملا من أحكام قدرة المالك، وأسراره في حقائق الملكوت وملكوت الملكوت .

وأمّا سرّ إدغام لام الملك في لام الملكوت إشارة إلى أنّ ظاهر القابل مندرج في باطن المقبول، والشّهادة في الغيب، فإنّ ظهور الظّاهر أبدا عن باطن سابق عليه، وإن كان هذا الإعتبار يعكّس من وجه، وهو أنّ الملك حامل للملكوت، والغيب محموله في الشّهادة، فلام الملكوت من هذا الوجه مدغّم في لام الملك، فلا يقدح ذلك فيما ذكر، لكون الأمر دوريّا كما مرّ .

وأمّا اختلاف العلماء في علميّته ووجوه اشتقاقه فخارج عن مشرب أهل الذّوق، ولكن نذكر طرفا منها .

فاعلم أنّ مذهب أكثر العلماء من أهل الحقّ وأصحاب الكشف أنّ هذا الاسم علم للذّات المتعالية، وأنّ اللّه تعالى أقام هذا الاسم مقام الذّات موضوعا لجميع الأسماء والصّفات، وأضاف سائر الأسماء الحسنى إليه، وحملها عليه بقوله: وَ لِلَّ هِ الْأَسْمَ اءُ الْحُسْنى وحمل هذا الاسم على هويّته الغيبيّة، ووضعه موضع المسمّى، فقال اللّه تعالى: اللَّ هُ لَ ا إِلَ هَ إِلَّ ا هُوَ ، إشارة إلى نفي ما يستحيل كونه، وإثبات ما يستحيل فقده .

وأنكر المعتزلة والأشاعرة وطائفة من علماء العربيّة علميّته وقالوا: أنّ وضع الاسم العلم متوقّف على معرفة حقيقة الذّات، وذاته غير معلومة للخلق، فوضع العلم له محال .

وأجيب عنه: بأنّه وإن لم يكن ذاته معلومة للخلق، وليس لهم أن يضعوا له اسما علما تعليما، فلا خلاف أنّ ذاته تعالى معلومة له، ولا يمتنع عليه أن يضع لذاته تعالى اسما علما، تعليما لعباده على ألسنة رسله وأوليائه .

ومن أنكر علميّة هذا الاسم قال باشتقاقه .

فقال بعضهم: أنّه مشتق من الوله وهو شدّة المحبّة ، الأصل فيه ولاه فأبدل الواو همزة، وأدخلت لام التّعريف، وأدغمت في لام الأصل، وفخّمت للتّعظيم، فقيل اللّه بمعنى: أنّه تعالى هو المحبوب الحقيقيّ الّذي يوله فيه العارفون، ويتولّه في جماله العالمون، فيشتدّ به ولههم به ، وتألّههم فيه، وشوقهم إليه، قال جلّت عظمته: وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّ هِ .

وقيل: أنّه مأخوذ من أله يأله إذا فزع ولجأ، لكونه تعالى مفزع وملجأ كلّ جزع ، وهو المجير الّذي به النّفير ، وإليه المفزع والمهرب للخطير والحقير .

وقيل: أنّه مأخوذ من قول القائل: ألهت بالمكان، أي أقمت به، وهذا كناية عن الدّوام والبقاء الذّاتيّ والإقامة والثّبات على ما يقتضي ذاته المتعالية من إضافة أنوار الوجود من حضرة الرّبانيّة على أعيان المربوبات بمقتضى الكرم والجود .

وقيل: أنّه مشتق من الإلهة، وهي العبادة من حيث أنّه المعبود على الحقيقة بكلّ مكان، والمسجود في كلّ زمان وأوان في كلّ ما للّه يسجد ويعبد ممّا يعقل ويشهد سواء عرفه العابد والسّاجد أو لم يعرفه، قصده أو لم يقصده لأنّه تعالى قضى وأمر أن لا يعبدوا إلّا إيّاه

وقيل: أنّه مشتقّ من الإلهيّة، وهي المقدرة على الإيجاد والاختراع، وهو لقادر بالذّات، قدير على إبداع المبدعات، واختراع المخترعات، وإيجاد الموجودات من الأجناس والأنواع، المعقولات والمحسوسات إلى ما لا يتناهى من أعيان مراتب الممكنات، فلا غاية لشؤونه، ولا نهاية لتجلّياته .

وقيل: أنّه مشتقّ من لاه يلوه إذا احتجب، وهو تعالى محتجب برداء كبريائه وكمال عظمته عن العقول البشريّة، والمدارك الفكريّة، والإحاطة

العلميّة، لَ ا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ ارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَ ارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ .

وقيل: أنّه مشتقّ من لاه يليه أي: ارتفع، إشارة إلى أنّ الرّفعة الحقيقيّة له تعالى بالذّات، و[إلى ] إطلاقه عن التّقييد برفعة المكان والمكانة، لكونه عزّ شأنه معطيا للرّفعة، وهو الرّفيع الرّافع، وله الرّفعة الذّاتيّة بالذّات، والمرتبة والشّرف على كلّ ما سواه من الموجودات .

وقيل: أنّه مشتقّ من وله الفصيل بأمه إذا ولع، وذلك أنّ الخلائق مولعون باللّه في التّضرّع إليه عند الشّدائد، والسّؤال عنه في كلّ حال .

وقيل: الأصل في هذا الاسم هاء الكتابة ، إشارة عن غيب ذاته وهويّته المطلقة، ثمّ زيد فيه لام الملك، إشارة إلى أنّه تعالى مالك، والكلّ ملكه: لَهُ مَ ا فِي السَّمَ اوَ اتِ وَ مَ ا فِي الْأَرْضِ وَ مَ ا بَيْنَهُمَ ا وَ مَ ا تَحْتَ الثَّرى ثمّ زيد على لام الملك لام التّعريف نفيا، لإمكان وقوع الشّركة، إشارة إلى أنّه تعالى متفرّد بالعظمة والكبرياء، متعزّز بالقدرة والبهاء، لا مشير له في سلطانه وحكمه، ولا ظهير له في إنفاذ أحكامه وتصاريف أموره في ملكه .

وقيل: أنّه مشتقّ من أله يأله إذا تحيّر، إشارة إلى حيرة عقول أولي الألباب في مبادي سبحات جلاله وسطوات إشراق أنوار كبريائه، وهذا الوجه هو مركز دائرة الوجوه كلّها، لما اختصّ هذا الاسم من الأحوال بالخيرة والعبادة والرّفعة، وهي التّنزيه وهو رفعته عن التّشبيه لخلقه والتّنزيه يؤدّي إلى الخير، لأنّ غاية التّنزيه إثبات النّسب، وهي الصّفات الكماليّة الّتي يتوقّف عليها وجود أعيان المظاهر .

فإن قال القائل: أنّ تلك النّسب أمور وجوديّة زائدة على ذاته تعالى، فقد صرّح أنّه لا كمال للذّات إلّا بها، وأنّ ذاته كان ناقصا عند ظهورها، كاملا بالزائد الوجودي .

وإن قال: هي هو ولا وجود لها، أو إنّما هي نسب، والنّسب أمور عدميّة، فقد جعل للمعدوم أثرا في الوجود .

وإن قال: ما هي هو ولا غيره، كان قولا بلا روح وكلاما لا معنى لها، يدلّ على نقص عقل القائل .

وإن سكت النّاظر ولم يقل شيئا، فقد عطّل القوّة النّظريّة، فإذا عجز العقل عن الوصول إلى العلم بشي ء من هذه الأسرار لم يبق الطّريق إلّ

الرّجوع إلى الشّرع، ولا يقبل أحكام الشّرع إلّا بالعقل، لأنّه الأصل وقد عجز، فالنّاظر عن معرفته الفرع وثبوته أعجز .

فإن تعامى عن النّظر، وقبل قول الشّارع إيمانا بأمر ضروري لا يقدر على رفعه ، لا بدّ له أن يسمع الشّارع، ينسب إلى الحقّ أمورا، يقدح فيها أدلته النّظريّة ويحتاج إلى التّأويل، فإن تأوّله ليردّه إلى النّظر العقلي فهو عائد إلى عقله، وجاعل وجود الحقّ سبحانه على وجوده، وثبت أنّ اللّه تعالى لا يدرك بالقياس، فهذا غاية تنزيه المنزّه وقد أدّه إلى الحيرة، وصارت الحيرة مركزا ينتهي إليها النّظر العقليّ والشّرعيّ، وكذلك العبادة وهي الّتي كلّف بها، والتّكليف لا يكون إلّا على من له الإقتدار على ما كلّف به وأمر، والأفعال منتفية عن المخلوق بقوله: وَ اللَّ هُ خَلَقَكُمْ وَ مَ ا تَعْمَلُونَ ، والشّي ء لا يكلّف نفسه .

ثمّ لا يخفي أنّ الحقّ تعالى كبرياؤه خاطب عباده، فأمرهم ونهاهم، ولا بدّ من محلّ يقبل الخطاب، فأثبت الأفعال للمخلوق من هذا الوجه بما يقتضي قابليته، فنفى من وجه ، والنّفي والإثبات متقابلان، فرماه أيضا في

الحيرة، فدرجات علوم العلماء باللّه تدور على مركز الحيرة، ولهذا كان بعض العارفين يقول: يا حيرة يا دهشة يا حرفا لا يقرأ .

واعلم أنّ من اختصاص هذا الاسم وجلالته أنّه تعالى عصمه أن يسمّى به أحد غير ذات الحقّ، لكمال دلالته على الذّات الأحديّة، وإن كان لكلّ اسم الهي دلالة على ذات الحقّ تعالى، لكنّ كلّ اسم من الأسماء ما عدا هذا الاسم مع دلالته على ذات الحقّ يدلّ على معنى آخر من إثبات أو سلب، ولم يقوّ في أحديّة الدّلالة على الذّات قوّة هذا الاسم، فإنّ مدلولات الأسماء الزّائدة على مفهوم الذّات مختلفة : منها: أسماء يفهم منها أعيان الصّفات الثّبوتيّة الذّاتيّة كالحيّ والعالم والمريد والقادر .

ومنها: أسماء يفهم منها النّسب والإضافات كالأوّل والظّاهر والباطن .

ومنها: أسماء يقتضي الأفعال كالخالق والرّازق والمحيى والمميت

وليس في الأسماء اسم ينوب مناب كلّ اسم إلهيّ إلّا اللّه، فإذا قال قائل: يا اللّه فإن كان القائل من أهل الكشف فهو على بصيرة في هذا النّداء، وإن يكن غير ذلك، فانظر في حاله عند النّداء أيّ اسم يختصّ بمراده هو الّذي يناديه القائل بقوله: يا اللّه، لكون هذا الاسم حضرة الأسماء، فمن عرف اللّه عرف كلّ شي ء، ولا يعرف اللّه من فاته معرفة شي ء من الأشياء،

لأنّ حكم الواحد من الأسماء حكم الكلّ في الدّلالة على العلم باللّه، واللّه الهادي .



 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!