المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
الجليل
الجليل مأخوذ من الجلال الّذي أفنى العارفين بكشف جلاله، وأحيى المحبّين بوصف جماله، فالعارف من غالب الكشف جلاله، والمحبّ من طالب بوصف جماله .
اعلم أنّ الجلال من صفات الوجه، بسلطان هذا الاسم دوام الحكم دنيا وآخرة، لكن عموم آثار حكمها يظهر في الباطن في هذه النّشأة الدّنيويّة، كما يقول صاحب الخيال لشي ء في طور خياله: كن، فيكون ذلك الشّي ء في القوّة المتخيّلة، ولا يقدر على ظهورها في الحسّ الظّاهر، لضعف القوّة وعدم بلوغها رتبة التّصرّف في حضرة الحسّ، وموطن الآخرة يقتضي إطلاق الصّور الخياليّة والحسّيّة لقوّة تصرّف المتصّرّف وإطلاق الموطن، فإذا قال المريد لما يريده: كن فيكون في الحسّ والخيال جميعا، فيعمّ حكمها .
واعلم أنّ جلالة هذا الاسم في الأسماء الإلهيّة من حيث سريان آثارها وبروز لطائفها وانعكاس حقائقها في مرايا قوابل الأعيان ومظاهر أشخاص عوالم الإمكان بمنزلة الصدا في الحقائق الكونيّة، فإنّه ما يردّ إلّا ما تكلّم به، كذلك ما من عين من أعيان مراتب الوجود [إلّا] وهو قابل لسريان هذا الاسم، وظاهر به، وواصف له، فجمع الأضداد بحقيقة الجمعيّة، وأحاط آثارها بالعارف والمعروف، وأشمل سريانه الخطير والحقير، فللعارف جلالة في رتبة الأصالة، فكما أنّ العظمة جلالة للتّعظيم، كذلك كمال الحقارة جلالة للحقير، فما تخلّصت الأكوان من مكان ظلمة المحالّ إلّا بضياء أشعّة أنوار الوجود من ذلك الجلال، لو لا حقارة العبد الذليل ما ظهر آثار جلالة الجليل، ولو لا استغاثة الملهوف القاصد ما عرف في الكون مجد الماجد، ولا ينضبط الجليل إلّا بالجليل .