المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
الحكيم
الحكيم الّذي أنزل كلّ شي ء منزلته، وجعله في مرتبته .
اعلم أنّ الحكمة أخصّ من العلم، لتعلّقه بالمعلوم بحسب ما رتّبتها الحكمة، فكلّ حكيم عليم وما كلّ عليم حكيم، فالحكمة أعلى رتبة من العلم عند المحقّق، ولذلك امتنّ اللّه تعالى على داوود عليه السّلام مع وفور علم النّبوّة والكتاب بالحكمة وفصل الخطاب، وهو الإيجاز في الكلام في موطنه لصاحب الفطنة، وربّ موطن يقتضي تكرار الكلام لتفهيم المستمع، ولذلك كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه [و آله ] وسلّم يكرّر الكلام ثلاث مرّات مراعاة للأدنى، فالحكمة يقتضي الإيجاز في موطن، وفي بعضها يقتضي الكثرة والتّكرار ، فالحكيم حاكم يحكم في الأمر أن يكون هكذا، أو المواطن بخصوصيّاتها تقتضي الحكم لذاتها، فكان الحكم للمواطن به [الحكيم ] كما كان الحكم له [الحكيم ] بها [المواطن ]، فدار الأمر منه إليه .
ومن أهل اللّه من يكشف له عن سرّ ترتيب الحكمة، فيؤدّيه إلى البهت والحيرة، منهم من لا يعلم ذلك إلّا بعد وقوع حكمه في الوجود، فيعترف بجهله بالمصالح والحيرة .
وغاية ما ينتهي إليه طائر همّة العارف أن يعلم بالجملة أنّ الظّاهر الواقع في الوجود إنّما هو في قبضة الحكمة الإلهيّة، صادر عن حضرة الحكيم القادر، وهذا هو الّذي استعجل النّعيم بدوام الفرح والرّضا، وقام به التّفويض والتّسليم، وزال عنه الضّجر والسّخط بزوال الغرض، فإنّ الجهل والنّزاع لا يقع إلّا فيما لا يوافق الغرض، وصاحب هذا الشّهود لا ينافي غرضه شي ء بزوال غرضه بمطالعة أسرار حكمة الحكيم .