المجيد بما له من الشّرف على كلّ موصوف بالشّرف، فالمجد في اللّغة الشّرف، فهو الّذي بمجده أغنى أوليائه بلا مال، وكفاهم بلا احتيال، وأعزّهم من غير رهط وإشكال .

اعلم أنّ لهذا الاسم الشّرف والعلوّ والمجد عن وصف كلّ منزّه، فإنّ كلّ واصف واقف مع نعت مخصوص، فتنزيه الحقّ نفسه عن ذلك النّعت من حيث تقييده وتخصيصه، لا من حيث أنّ ذلك له أو ليس له، لأنّ للحقّ جلّت عظمته أحديّة المجموع لا أحديّة كلّ واحد من المجموع، فالواصف إنّما يصفه بأحديّة كلّ واحد من المجموع، فهو المخاطب بقوله :

سُبْحَ انَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّ ا يَصِفُونَ وكلّ مسبّح في السّماوات والأرض يسبّح الحقّ وينزّهه عن عقد غيره فيه، لأنّ نظر كلّ مسبّح فيه جزئيّ، فالّذي يثبت له واحد هو عين ما ينفيه الآخر عنه، وكلّ واحد منهما مسبّح بحمده، فأثبت الحقّ لهذا ما نفاه الأوّل لا ما أثبته، وأثبت الآخر عين ما نفاه الأوّل لا ما أثبته، وذلك لقصور نظرهم عمّا يقتضي الأمر كما هو عليه .

ولا يوصف بالتّسبيح ونقيضه الشامل للقيد والإطلاق إلّا العبد الجامع الكامل المشاهد للجمع والتّفصيل، [و] في الخبر: «أنّ المصلّي إذا قال : مالك يوم الدّين، قال الحقّ: مجّدني عبدي »، وهذا حال الكامل العارف، فإنّه لا ينطق إلّا بلسان العرفان والشّهود، فهو الّذي مجّد الحقّ بشهادته واعترافه بأنّه مالك يوم الدّين، وهو مواطن الجزاء دنيا وآخرة، بخلاف ما يتوهمّ المحجوب، فإنّ الآفات والعاهات والمصائب كلّها جزاء بِمَ ا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّ اسِ ولا فرق بينهما إلّا أنّ الجزاء في موطن الدّنيا ربما يؤجّر أو يكفّر عنه، وربما لا يؤجّر صاحبه ولا يكفّر عنه ، ولما ثبت أنّ أعمال العباد تعود إليهم، فلا بدّ أن يرجع إليهم المجد الّذي مجّدوا الحقّ به، فالعبد مقدّس بتقديسه، ومنزّه بتنزيهه، وممجّد بتمجيده، ومن هذا المقام قال من قال: «سبحاني، وأنا الحقّ» .

ولمّا كان العامل والفاعل الحقيقيّ الواحد الحقّ وحده لا شريك له انجذبت الأمور ورجعت الأعمال إليه بعد ظهور الدّعاوي، وإليه يرجع الأمر كلّه .