المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
الحقّ
الحقّ بمعنى الموجود، هو الوجود الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لأنّه وجود لا عن عدم، ولا يعقّبه العدم، الّذي أوجب الحقوق بلا علّة، وباين الكلّ بلا عزلة .
اعلم أنّ من نزع الحقّ عن قلبه حجاب العمى، وشاهد حقيقة انقلابه في الصّور وتحوّله فيها، علم أنّ العالم في كلّ نفس في تحوّل وانقلاب عن شؤون الحقّ الّذي يحوّل اللّيل والنّهار، فتحوّل الكلّ لتحوّل وتقلّب أموره: فَمَ ا ذَ ا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَ الُ ، وهي الحيرة، وما بعد الحقّ شي ء سوى الخلق، وبوجودهم ظهر حكم الحيرة، لأنّه سمّي خلقا لاختلاف الأحكام، فإنّك إذا نظرت إليه من حيث وجوب وجوده قلت حقّ، وإذا نظرت إليه من حيث إمكانه قلت خلق، وكذلك حال السالك السّائر تارة يقول: «أنا أنا، وهو هو »، وتارة يقول: «أنا هو، وهو أنا »، وتارة يقول: «لا أنا، ولا هو »، وهذا عند كشف سرّ قوله: وَ مَ ا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لَ كِنَّ اللَّ هَ رَمى ، فنفى وأثبت، وهو من موجبات الحيرة، و[هو] الحقّ بانفراده بوجوب الوجود نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَ اطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَ ا هُوَ زَ اهِقٌ ، وهو الشؤون الّتي كلّ يوم هو فيها أزلا وأبدا، ولا يزهق إلّا ما له عين وجوديّة إمّا في الحسّ وإمّا في الخيال، وكلّ ما زهقت وذهبت صورته لا يرجع أبدا، لأنّ الرّجوع تكرار، ولا تكرار لأعيان الوجود، لعدم نهاية التجلّيّات الحقيقيّة، والحقّ ما دمّغه وأذهبه عن حدّ الوجود الظّاهر إلّا [و] يقذف مكانه صورة أخرى، فما ذهقت صورة باطل إلّا بورود صورة حقّ، فهي من حيث ورودها حقّ، ومن حيث ذهوقها باطل، فهي الدّامغة والمدغومة، عند كشف هذا السّرّ قال من قال: «أنا الحقّ »، فإنّ الوليّ لا ينطق إلّا بلسان الحال .