المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
الوكيل
الوكيل بمعنى الكافي، الّذي وكلّه عباده على مصالحهم، فكفاهم وأغناهم بما فيه نفعهم، ووكّلهم على التّصرّف في المنافع على حدّ معيّن، فهي لهم من حيث نيلهم فيها من المنفعة، وهي للحقّ من كونها مسبّحة بحمد ربّه .
اعلم أنّ الوكالة رتبة إلهيّة، سرت في مراتب الأكوان سريان الحيات، فكما أنّ ما في الكون إلّا حيّ، كذلك ما في الكون إلّا وكيل، فمن وكّل الحقّ بقوله وإقراره أصاب الحقّ، ومن جهل وغفل وكّله الحال، ولسان الحال أنطق من لسان المقال، والوكيل بحكم موكّله، لا يتصرّف إلّا فيما أذن له، ولا يزيد على الحدّ المفوّض إليه، فله الحجّة البالغة، فمن قال
لوكيله: لم فعلت كذا؟ كشف له حقيقته حتّى يشاهد أنّه باستعداده وخاصيّته جعله أن يفعل ما أنكر عليه: وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّ هِ فَهُوَ حَسْبُهُ إشارة إلى أنّه وجود الإنسانيّة لمّا ظهرت في آخر مراتب دائرة حقائق الوجود وبه كملت الصورة الوجوديّة الإلهيّة، وفيه شهد حقائق الكنز المخفيّ، فهو آخر موجود وأوّل مقصود، فهو حسبه كما هو حسبه وذلك لأنّ الممكن لا يعرف نفسه إلّا بالحقّ، فهو الغاية الّتي إليها ينتهي أمره، فهو حسبه .
ولمّا كان ظهور أحكام الصّفات الإلهيّة موقوفا على وجود الممكن، وما ثمّ مرتبة وجوديّة بعده، لأنّه سدّ بين الوجود المطلق والعدم المطلق، فهو حامل الحكمين وجامع الطرفين، فإن نسب إليه الوجود يصدّق، لظهور نور الوجود عليه، وإن نسب إليه العدم يصدّق، لبقيّة ظلمة العدم فيه، وبوجوده امتاز المعدوم من الموجود، فهو برزخ بين البحرين، قابل بذاته للطّرفين، فلو كان للمعدوم لسان لقال أنّه على صورته، لذلك كان حسبه .