المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
المحصي
المحصي بمعنى العالم بالمعلومات، الّذي بما في الخواطر بصير وبما في السّرائر خبير .
اعلم أنّ الإحصاء أخصّ من الإحاطة، لأنّ الإحاطة عامّة الحكم في الموجود والمعدوم .
والإحصاء لا يكون إلّا في الموجود، فكلّ محصى محاط به وما كلّ محاط به محصى، فحكم الإحصاء سار في مراتب الوجود حتّى الأنفاس، فحكم هذا الإسم عدّ على العبد أنفاسه وأعماله: لَ ا يُغَ ادِرُ صَغِيرَةً وَ لَ ا كَبِيرَةً إِلَّ ا أَحْصَ اهَ ا .
والإحصاء على نوعين :
[ الأوّل ]: إحصاء بواسطة .
[ الثّاني ]: إحصاء لا يترك بلا واسطة .
فالواسطة هو الملك الحافظ الكاتب لفظ العبد، الّذي هو صورة عمله لا روحه، فإذا لفظ العبد ورمى به، ينظر الملك إلى من أنطقه بذلك اللّفظ وهو الحقّ، فيرى نور المعيّة قد رمى به القابل، فيأخذه الملك أدبا مع الحقّ، يحفظه له، وإذا عمل عملا علم الملك أنّه فعل ذلك، ولكن لا يكتب إلّا ما يتلفّظ به، فالملك شاهد إقرار لا شاهد أعمال، لعدم إطّلاعه على ما نواه العبد في العمل، ولذلك يقبل أعمالا تستقلّه الملائكة، ويردّ ويضرب وجه صاحب ما تستكثره الملائكة كما ورد في الخبر: «الملك يراقب العبد، ويكتب حركة لسانه بإذن اللّه، واللّه شهيد على قصد العبد وما في ضميره ونيّته في ذلك العمل، فيستره الحقّ من الملك غيرة عليه »، كما غار على الضّنائن من هذا النّوع الإنسانيّ، وهم المجهولون في العالم، فلا يظهر منهم ولا عليهم ما يعرفون به، وهم لا يشهدون في الوجود إلّا اللّه، لا يعرفون ما العالم، لغيبتهم عنه بالحقّ، واشتمال آثار أسرارهم على مراتب الكون، فالحقّ عزّ شأنه يحول بين نيّة العبد وبين شهود الملك، ويتولاها بنفسه، ويتمّ منها ما نقصه العبد من الكمال لغفلته أو تقصيره، كما يقبل الصّدقة ليربّيها حتّى تكون أعظم من الجبل كما ورد في الخبر .
والإحصاء عين شؤون الحقّ، ولا نهاية لشئونه، وإن انتهى حكم الدّنيا فإنّه يشرع في شؤون النّشأة الآخرة، ولا نهاية لها، فالشؤون لا تقبل الفراغ، والإحصاء لا يتناهى .