المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
الأوّل والآخر
الأوّل بالوجوب وابتدائه بالإحسان، والآخر برجوع الأمر إليه وتفضيله بالغفران، فللحقّ الأوليّة من حيث أنّه الموجد [ ل] كلّ شي ء، وله الآخريّة من حيث رجوع الأمر كلّه إليه، وظهور مراتب الأسماء الإلهيّة كلّها فيما بين الأوّليّة والأخرويّة، فهذا من حيث إطلاق حكم الوجود .
فأمّا من حيث الرّتبة، إذا كان الحقّ الأوّل كان الإنسان الآخر، فإنّه في آخر درجات مراتب الوجود، وهو الآخر أيضا برجوع أمر العوالم إليه، لظهور نظامها وعادتها بوجوده، ولذلك إذا رحل عنها زالت أمور الدّنيا، وانتقل الأمر إلى دار الآخرة بإنتقاله، ليكون الأمر حيث ما كان المقصود، ولذلك قام الحقّ بالإحاطة لحفظه من ورائه، لئلّا يلحق به العدم فقال تعالى: وَ اللَّ هُ مِنْ وَرَ ائِهِمْ مُحِيطٌ وهو الأوّليّة لصدوره منه، وترصّده في الغاية: وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى فالحقّ وراء العبد كما هو أمامه، ولو لم يكن كذلك لكان انتهاؤه إلى العدم، فإحاطة الحقّ لا يزال يحول بين العبد وبين العدم، ولمّا كان أمر الوجود دوريّا كان الآخر عين الأوّل، ولا تزال أعيان مراتب الكون سائحا في فلك الوجود، ولا يزال وجه السائر في منازل الشّهود إلى اسم الأوّل، وظهره إلى اسم الآخر، ولذلك يقال لمن عدم النّور في موطن الآخرة: ارْجِعُوا وَرَ اءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً لكون الحقّ من ورائهم وهو النّور، فلو أمكن لهم الرجوع إلى الوراء وهي الدّنيا لوجدوا الآن الحياة الدّنيا محلّ اكتساب أنوار المعارف، ولكن حال بينهم وبين الحياة الدّنيا سور المنع، فلا بدّ من رجوع الآخر إلى الأوّل .