المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
المقدّم والمؤخّر
المقدّم بعض الأفعال على بعض، والمؤخّر بعضها عن بعض، فقدّم الأحباب بخدمته، وعصمهم عن معصيته، وهو المقدّم من شاء على من شاء، والمؤخّر من شاء عمّن شاء .
اعلم أنّ للموجود مرتبتين :
[ الأوّل ]: رتبة الفعل والتّأثير .
[ الثّاني ]: ورتبة القبول .
فللممكنات الرّتبة الثّانية وهي القبول، وأعيان مراتب الكون بالنّسبة إلى الإيجاد، ونسبة الإيجاد إليها على السّويّة، فإذا تقدّم بعض الممكنات إلى بعض مع التّسوية في النّسبة، فذلك لرجحان أمر فيه يقتضي بروزه بها على غيره، كالنّبوّة والولاية والإمارة، فإنّه ما من إنسان إلّا وهو قابل لها، فيقدّم الحقّ من شاء فيها بخصوصيّة يعلمها الحقّ منه، فيتأخّر الباقون في ذلك الزّمان .
وهذا التّقديم والتّأخير إمّا أن يكون في حضرة الثّبوت بحسب كمال استعدادات الأعيان الثّابتة ونقصانها في قبول آثار التجلّيّات الجماليّة والجلاليّة، بخصوصيّاتها وقابليّاتها وتأثيرات التجلّيّات اللّطيفة [اللّطفيّة] والقهريّة، فإنّ التجلّيّات الجلاليّة ذات هيبة لا طاقة لحقائق الأكوان مقاومة سطوتها، فتتأخّر عن البروز في مكامنها، وتأبى عن قبول كسوة الوجود لمشاهدة عظمتها، كما أبت السّماوات والأرض والجبال عن قبول الأمانة، وتأخّرن عن حملها، فيتقدّم غيرها من مجالي التجلّيّات الجماليّة اللّطيفة [اللّطفيّة] الكماليّة لمّا ذاق من آثار اللّطائف الغيبيّة، واستنشق طيب روائح النّسمات النّوريّة، رغبة في خلعة الوجود، وشوقا إلى قضاء الشّهود .
وأمّا التّقدّم والتّأخّر [التّقديم والتّأخير] في حضرة الوجود، فهما مرتبتان للخالص والمخلص، فالخالص من لم يتغيّر عمّا كان عليه من طهارة الفطرة، فهو الخالص لنفسه، ما ملكه أحد من النّفس والشّيطان، فيحوّجه إلى الإستخلاص منه، بل لم يزل خالصا لنفسه، طاهرا مطهّرا، فبقي عهده على أصله، وهو الدّين الخالص، ما خالطه شوب أصلا، ولا يشقى صاحب هذا العهد، لأنّه لا يشقى إلّا الجاحد والمكايد في استخلاص الدّين، وهو المخلص الّذي أمر باستخلاص عهده عن شوائب تصرّفات النّفس والشّيطان، وهو صاحب الرّتبة الثّانية من السّعادة، والرّتبة الأولى لصاحب الدّين الخالص، وهم الّذين يغبطهم الأنبياء يوم الجمع، وإن كانوا مجهولين في الدّنيا، وهم المستمدّون من حضرة اسم المقدّم، والمخلصون من اسم المؤخّر .