موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

شرح الأسماء الحسنى

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

الظّاهر الباطن

 

 


الظّاهر لنفسه فما زال ظاهرا، والباطن عن خلقه فلم يزل باطنا، فهو الظاهر بالكفاية، والباطن بالعناية .

اعلم أنّ لأهل العناية في الكشف مرتبتين فأحدهما أعلى من الثّانيّ :

[ المرتبة الأولى:] فكامل يكون له به وهو السّابق .

[ المرتبة الثّانية:] وعارف يكون له بنفسه، وهو المقتصد المحقّق بحقائق العبوديّة، المتّصف بجميع الأحوال من الفناء والبقاء، والمحو والإثبات، والغيبة والحضور، والفرق والجمع، والمتقلّب في الأطوار والمقامات من التّوكّل، والزّهد، والورع، والمحبّة، والمعرفة، والصّبر،

والشّكر، والرّضا، والتّسليم وغيره، وذلك أنّ نفسه قابل للتّغيير، لما يقتضي حقيقة الوسط من تأثير أحوال الطّرفين، والمقتصد برزخ بين كمال ونقصان، وهو المكلّف الحقيقيّ، دخل كلّ مقام مّا دعاه الحقّ إليه على لسان الشّارع ذوقا وحالا، إعتقادا وعلما، فإنّ عامّة علماء الرّسوم يعلمون هذه الأمور ولا قدم لهم فيها، فمثل هذا العارف إذا تجلّى له الحقّ من اسم الظّاهر لم يثبت لظهوره، لأنّه قائم بالحقوق بنفسه، والمحدث إن ظهر له القديم يمحو أثره، فمن أين له طاقة رؤية القديم، ولم يثبت لظهور الحقّ إلّا من كان الحقّ بصره، ألا ترى حال الكليم عليه السّلام لمّا كان الحقّ سمعه ثبت لسماع كلام الحقّ، فلمّا وقع التّجلّي ولم يكن يضرّه صعق، وما ظهر الرّؤية له ولا للجبل، ولذلك وقع الصّعق والإندكاك، ولو ظهر ما وقع ذلك، لأنّه الوجود، والوجود خير كلّه، والخير لا يأتي إلّا بالخير، والوجود لا يعطي إلّا الوجود .

وأمّا الكامل فهو له به لا بنفسه، فله الثّبات في كلّ موطن والشّهود في كلّ مشهد ومظهر بالقوّة الإلهيّة السّارية في ذاته، فلا يبقى حال ولا مقام إلّا ويظهر به ويتصرّف فيه، فهو مالك الأحوال والمقامات، يكون الحقّ سمعه وبصره وجميع قواه، كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه [و آله ] وسلّم: «إنّما نحن به وله» .

والمقتصد ينكر على الكامل، لما يقتضي جماله من العبوديّة المحضة، ولا ينكر الكامل عليه، لاستشرافه على المقامات بوجوده الحقّانيّ، فإنّ الكامل يتصرّف بالحقّ في الحقّ للحقّ، والعارف يتصرّف بالحقّ في الخلق للحقّ ، وله خرق العوائد .

فالمقتصد صاحب كرامة، وهو معلوم عند الحقّ والخلق، ويتطرّق إليه المكر والإستدراج .

والكامل صاحب منزلة معلومة عند الحقّ ومجهولة عند الخلق، لا يتطرّق إليه المكر، لأنّه على بيّنة من ربّه، ولما ورد حقيقة الخبر الإلهيّ بقوله تعالى: الرَّحْمَ نُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى وقال الشّارع: «لو دليتم لهبطتم على اللّه» حيّر [تحيّر] المقتصد، وتنبّه الكامل المعتكف على باب حضرته .

واعلم أنّ نسبة الصّعود والهبوط على السّواء في ظاهريّة الحقّ، وعدم تحيّر الذّات المتعالية، وبراءة ساحة الهويّة عن التّقييد والإطلاق، والصّعود والهبوط نعت، فلا صعود في ظهور الحقّ، ولا هبوط من حيث غيب هويّته في الدّائرة الوجوديّة، والصّاعد في الدّائرة عين الهابط .

وما انقسمت دائرة الوجود إلّا بالحظّ الموهوم، ولا وجود لها له [به ]، وهو عين المقيّد، وإذا كان الحقّ سمع المقيّد وبصره ارتفع التّقييد والحظّ ، ولم يبق سوى الدّائرة .

فهو الظّاهر بنفسه لنفسه، المظهر لغيره، ولكمال ظهوره وجلالة بروزه أورثت شدّة ظهوره خفائه، فسبحان من احتجب بإشراق نوره، واختفى عن العقول والأبصار بشدّة ظهوره .

وأمّا سرّ بطون الحقّ من اسم الباطن، فهو أن تعلم أنّ رؤية الشّي ء يقتضي العلم به، وهو علم الرّائيّ أنّه رأى شيئا مّا، وأحاط علما بما رآه، وعند أهل الحقّ لا ينضبط رؤية الحقّ، وما لا ينضبط لا يقال فيه أنّه يرى أو يعلم، وتتنوّع الصّور على المكاشف أيضا في تجلّيّات المشاهد مع أحديّة العين في نفس الأمر، فما رآه إلّا من رأى أنّه ما رآه ولا يعلمه إلّا من علم أنّه ما علم، ولذلك قال عزّ شأنه للكليم : لَنْ تَرَ انِي لأنّ المقصود من الرّؤية حصول العلم بالمرئي، وهو غير ممكن من الممكن، ولو فتّش على دقائق تغيّرات أحواله في كلّ نفس لعلم أنّ الحقّ عين أحواله، وأنّه تعالى من حيث وجوده وراء ذلك كلّه، كما هو عين ذلك كلّه، ولهذا قال موسى عليه السّلام: تُبْتُ إِلَيْكَ أي لا أطلب رؤيتك على الوجه الّذي كنت طلبتها، فإنّي قد عرفت ما لم أكن أعلمه منك .

فالحجب الإلهيّة أبدا أسدلت بينه وبين خلقه، ولو رفعت لاحترقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه .

والحجب إن كانت غير مخلوقة فلا حجاب ولا احتجاب، وإن كانت مخلوقة فكيف لا تحرقه السّبحات .

فالحقّ فيه أنّها أسرار أخفاها اللّه عن خلقه، سمّى ذلك الإخفاء حجابا، فالنّوريّة منها ما حجب به من الأمور الطّبيعيّة والرّسميّة، وليس الإحراق إلّا اندراج النّور الأدنى في الأعلى، كاندراج أنوار الكواكب تحت شعاع الشّمس، وفي هذا المشهد ظهر الشّطح عمّن ظهر، ولمّا كانت الأشياء تنحفظ بالحدود، فإذا جاوز الشّي ء حدّه انعكس إلى ضدّه، كذلك ظهور الحقّ لمّا تجاوز عن حدّ العقول والإدراك بطن واستتر عن العامّة، فلم يظهر لهم الأمر على ما هو عليه: فَتَنَ ازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وأسرّ المكاشفون النّجوى لئلّا تقع الحكمة في غير أهلها، فإنّ قلوب أهل الحجاب مدافن الحيّ من حيث أنّها محلّ العلم به، والحكم عندهم للمدفن لا للمدفون، لعدم وقوفهم عند حدوده ومراعاتهم لحضوره، فلا حكم للحقّ فيهم أبدا، لغلبة أحكام أهوائهم، فهو الباطن فيهم أبدا حكما ومعنى، وإن ظهر فيما ظهر إنّما ظهر ليعرف حدّ العارفين في معرفته أن يعرفوا أنّه لا يعرف، إذ لو عرف لم يكن باطنا وهو الباطن، والبطون يختصّ بالممكنات، كما أنّ الظهور يختصّ بالوجود ، والبطون الّذي وصف به نفسه إنّما هو في حقّ الممكن، فالممكنات باطن الخلق، والخلق ظاهره، لأنّه من بطون الحقّ ظهر الكون، وبما ظهر استتر، وفيما بطن ظهر، فالظهور عين البطون، كما أنّ الآخر عين الأوّل .



 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!