المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
الغنيّ المغنيّ
الغنيّ عن العالمين بهم، ولإستغنائه عن طاعة المطيعين، المغنيّ بمعنى الكافي الّذي أغنى من شاء بفضله .
اعلم أنّ الغناء على نوعين :
[ النّوع الأوّل ] غناء الحقّ .
[ النّوع الثّاني ] وغناء الخلق .
وأوّل درجة الغنى في المرتبة الخلقيّة القناعة والإكتفاء بالموجود .
وليس الغناء ما يتوهّمه أهل الحجاب من كثرة المال مع طلب الزّيادة، فإنّه محكوم الفقر، وكم من حريص عنده من المال ما يقي بعمره وأولاده، وهو من شدّة الحرص والحاجة يرد موارد الهلاك في طلب الزّيادة .
وذلك أنّ الإنسان إنّما خلق فقيرا بالذّات لما يقتضي المرتبة الإمكانيّة، ولهذا قال من قال: الإنسان لا يكون وجيها عند اللّه، لأنّ الإفتقار هو عين الذّلّة، والذّليل لا يكون وجيها، هذا حكم إنسان الحيوان .
وأمّا للكامل من هذا النّوع وجهان :
[ الأوّل ]: وجه الإفتقار بالحقّ إلى الحقّ .
[ الثّاني ]: ووجه الغنى إلى الكون .
فافتقاره إلى الحقّ هو غناء به، ولا يفتخر إلّا بوصوله إلى هذا الغناء، فافتقار العارف عين افتخاره، فإنّه حاز المقام الأرفع، لشهوده سريان الهويّة الإلهيّة في أعيان مراتب العالم، فلا يتوجّه الفقر من كلّ فقير إلّا إلى الغنيّ الحميد، ولا تغيب حاجة المحتاج عن إحاطة البصير الشّهيد، فالعارف المستغنيّ بالحقّ أغنى الأغنياء، مع أنّه يحزن ويحرص على طلب مئونة من كلّف به ، فإنّ ذلك من آداب الكمّل، لقوّة معرفتهم بحدود اللّه، والكامل من لا يطفئ نور معرفته نور ورعه .
وأمّا غناء الحقّ عن العالمين من حيث ذاته المقدّسة ودوام إطلاقه الحقيقيّ لا يظهر إلّا بهم، لأنّ كونه غنيّا إنّما هو غناه عنهم، فإن لم يكن العالمون هناك فعن من، فلا بدّ منهم لثبوت الغناء نعتا له .