المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
النّور
النّور هو الظّاهر بنفسه، المظهر لغيره، وهو الّذي نوّر قلوب أوليائه بالمعرفة، ونوّر الأرض بنور أوليائه فيها .
اعلم أنّ درجات الأنوار كثيرة: منها ما عنده الادراك، ومنها ما به الادراك، ومنها يدرك به، ومنها ما يدرك به، ومنها ما لا يدرك في نفسه لسطوتها كالشّمس، فإذا كان لنور من الأنوار المحسوسة الّذي هو أخسّ أقسام الأنوار مثل هذه السّطوة والغلبة على الإدراك، فما ظنّك بكبرياء النّور الأعظم المطلق عن التّقييد والاطلاق .
ولو لا احتجابه بحجاب الكبرياء والجلال لاحترقت سبحات وجهه كلّ من أدركه، وما في الحجب المذكورة في الخبر الوارد حجاب النّور غير الواحد، وما بقي [فهي ] حجب ظلمانيّة، ولذلك أفرد الحقّ النّور وأجمع الظّلمات حيث ما ورد مشيرا إلى أحديّة ذاته وكثرة الحقائق الإمكانيّة، ولمّا كان أعلى الحجب وأعظمها حجاب النّور، والحقّ جلّت عظمته هو النّور، وهو المحتجب فيه به، فبنفسه احتجب، وهو عين الحجاب على العبد .
ولمّا كان النّور ما يظهر بنفسه ويظهر به غيره، وليس شي ء أظهر للعبد من وجوده، فهو عين نوره، قال تعالى: وَ جَعَلْنَ ا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّ اسِ ولا يمشي إلّا لأجله ، وهو من وجوده، وهو عين الهويّة من حيث سريان نور الوجود من سماء الجود، فما مشى إلّا بربّه والحقّ هو الّذي أزال بنوره ظلمة الحدوث، وعين الممكنات لم تزل في ظلمة الثبوت ما لها وجود من نفسه، وما ظهر منها في الوجود إنّما هو بحكم قابليّته في مرآة الوجود ، فمن ظهر حكمه من الممكنات في مرآة الوجود علم ولحق باحتجاب النّور، ومن بقى في شيئيّة ثبوتها لا يعلم حتّى يكلّم بظهور حكمها .
يتفاوت ذلك بحسب تفاوت درجات الأنوار المحسوسة كالشّمس والقمر والسّراج والنّجم، والمعقولة كنور البصر والعقل والعلم والكشف .
ومفتاح الكلّ إنّما هو نوران: العقل والشّرع .