المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
الهادي
الهادي مشتقّ من الهداية، الّذي يهدي القلوب إلى معرفته، والنّفوس إلى طاعته، والأحياء بالتّقرّب إليه، والعلماء إلى شهود ما هو الأمر عليه .
اعلم أنّ الهدى : إمّا توفيقي وهو الّذي يورث السّعادة وهو ما قام به الأنبياء وخواصّ الأولياء .
وإمّا تبياني، وهو الشّرع المنزّل، وهو يورث العلم في العموم، والسّعادة في الخصوص .
فالهدى التّوفيقي اصطفاء، والتّبيانيّ ابتلاء .
ومن خصائص أحكام هذا الاسم التّوفيق والبيان :
فالتّوفيق هو الأخذ والتّمسّك بهدى الأنبياء .
والبيان هو شرح ما جاء به الحقّ عن كشف، لا عن ظن بحكم النّظر أو تأويل بحكم الفكر، فإنّ البيان ما يتطرّق إليه الاحتمال، ولا يظهر حقيقته إلّا بالكشف أو النّصّ، فإنّه لا بيان أبين من بيان الحقّ .
ومن حكم على الشّرع بنظر عقله، ونفى ما دلّ عليه بظاهره، وصرفه إلى معنى يوافق غرضه، فهو ممّن حرّمه اللّه بركة العلم، وضاعف حسرته، وليس له قدم في منزلة: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ والكلام كلّه حسن من حيث الوجود، وأحسنه ما يوافق المقصود، ولا يصادف ذلك إلّا أولوا الألباب، الغوّاصون في تيّار الحقائق، المستخرجون لباب الدّرر من أصداف الألفاظ، بخلاف أهل الظّاهر فإنّه لا يقع نظرهم إلّا على الحجاب، والمحجوبون عقولهم على دونه .
ومن أهل التّقييد: من قال بالرّؤية وتعلّق بما أثبت ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه [و آله ] وسلّم بقوله: «ترون ربّكم» وصدق .
ومنهم: من نفى لنفيه عليه السّلام حين سئل هل رأيت ربّك قال :
« نورانيّ أراه »، فصدق النّافي والمثبت في تقييد عقدهما، وهذا كمن أبصر صورة زيد فحكم أنّه رأى زيدا وهو صادق في حكمه .
وعلم آخر أنّ خلف هذه الصورة أمر منه بقاء الصورة وتدبيره فقال: إنّ زيدا هو عين ذلك الأمر لا عين الصورة، ولا يرى ذلك لإحتجابه بالصورة، وصدق بأنّه ما رآه .
ومن قال: أنّ زيدا هو مجموع هذه الصورة الظّاهرة والأمر الباطن، هو الّذي أصاب، كذلك من قال أنّ الحقّ ظاهر، والظّاهر لا يخفى مشاهدته، فهو مشهود مرئيّ صدق، لأنّه بكلّ شي ء محيط، وعلى كلّ شي ء شهيد .
ومن قال أنّه باطن والباطن لا يظهر صدق لقوله تعالى: لَ ا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ ارُ فهو من هذا الوجه لا يشهد ولا يرى .
والرّاسخ في العلم هو الّذي تولّى الحقّ تعليمه بنفسه فخصّه بشهود الأمر على ما هو عليه: أُولَ ئِكَ الَّذِينَ هَدَ اهُمُ اللَّ هُ وَ أُولَ ئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبَ ابِ .