المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
الباقي
الباقي بدوام الوجود والإيجاد، الّذي لا يقبل ذاته الزّوال، ولا يجري عليه حكم الحدوث والإنتقال، فهو جلّ ثناؤه باق ببقائه والعبد باق بإبقائه، قال اللّه تعالى: مَ ا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ مَ ا عِنْدَ اللَّ هِ بَ اقٍ وقال تعالى: وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّ ا عِنْدَنَ ا خَزَ ائِنُهُ فالعبيد وما عندهم عنده، فإنّ أعيان مراتب الكون بأجمعها محفوظة في خزائنه، وخزائنه عنده: وَ مَ ا عِنْدَ اللَّ هِ بَ اقٍ فلهم البقاء مع انتقالهم من موطن إلى موطن، وإن نفد من عند العبيد ما عندهم صورة، فلا ينفد ما عند الحقّ من عنده: وَ مَ ا عِنْدَ اللَّ هِ خَيْرٌ وَ أَبْقى وما عنده إلّا الكون، فهو خير من حيث الوجود، وأبقى مجموعية من أفراد مراتبه، وكونه لم يزل في درجة الإمكان، ولمّا كان الحكم والأمر للحقّ عزّ شأنه في عين الوجود، والحكم لا يزال باقيا ببقاء ذات الحقّ، قال اللّه تعالى: وَ اللَّ هُ خَيْرٌ وَ أَبْقى فهو خير وأبقى ممّن هو خير وأبقى .
واعلم أنّه لمّا كانت المواطن حاكمة بخصوصيّاتها، يحكم على من ظهر وحصل فيها، فمن مرّ على مواطن لا بدّ أن ينصبغ بآثار حكمها ، كمن يرى الحقّ في النّوم الّذي هو موطن الخيال، فلا يرى الحقّ أبدا في هذا الموطن إلّا في صورة كانت الصورة ما كانت، وهذا من حكم الموطن .
ثمّ إذا خرج من موطن الخيال إلى موطن النّظر العقليّ، لم يدرك الحقّ في هذا الموطن إلّا منزّها عن المثال والصورة، فقد بان أنّ العبد يحكم على الحقّ في كلّ موطن بحكم غير ما حكم به عليه في موطن قبله، فعند ذلك عرف المحقّق أنّه ما عرف الحقّ حقّ معرفته، فلا يعرف هويّة الحقّ جلّت عظمته كما هو إلّا هو، فهذا غاية الكمّل في العلم باللّه، وذلك أنّ ما عندهم من العلم في موطن ينفد في موطن آخر: ف مَ ا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ مَ ا عِنْدَ اللَّ هِ بَ اقٍ لأنّه لا يتنوّع في نفسه لنفسه، وعلمه بنفسه لا يقبل التّغيّر والتّبديل، فهو الباقي الهادي