موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

شرح الأسماء الحسنى

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

الصّبور

 

 


على ما أوذي به، فلا تزعجه كثرة المعاصي إلى تعجيل العقوبة مع اقتداره على ذلك .

اعلم أنّ سريان حكم هذا الإسم عمّت المراتب، ولذلك وصف الحقّ نفسه بالصّبر، ووصف عباده أيضا بالصّبر، وخصّهم بالمعيّة والهداية والصّلاة والرّحمة، فصبر الحقّ هو إمهاله من آذاه بالمخالفة والشّرك، ولم يؤاخذهم عند ذلك، بل يعافي أجسامهم، ويكثّر أموالهم، ويوسّع في أرزاقهم بعموم رحمته وإحسانه، ويمتّعهم إلى حين بكمال كرمه وامتنانه، ثمّ شكى إلى عباده من يؤذيه فيما ذا يؤذيه مع بقاء اسم الصّبور عليه تعليما لخلقه،

ليعلموا أنّهم إذا شكوا إليه ما نزل عليهم من البلاء لا يقدح ذلك في نسبة الصّبر إليهم، وذلك أنّه ما في الوجود شي ء إلّا فيه سرّ وحكمة تجري على جريان الإرادة، فكما أنّ الحقّ ما ينعم ما ينعم على عبده إلّا ليشكره ويحمده على ذلك، كذلك ما يبتلي المبتلى ببلاء إلّا ليرفع الشّكوى إلى الحقّ، ويتوجّه إلى حضرته بالتّواضع والتّضرّع والاستكانة والافتقار، وإن كان مقام الصّبر عند أهل الطّريقة يقتضي الثبوت مع الحكم الرّبّانيّ، لما فيه من المصلحة وإن لم يشعر بها العبد، فذلك حكم المتعبّدين من أهل المجاهدة والمكابدة الواقفين مع التّخيّلات النّظريّة والتّقليدات السّمعيّة، لا الذّائقين من مشارب عيون العيان، والفائزين بشهود حقائق العرفان، فإنّ للعارف الواقف في هذا المقام الشّهود الدّائم في اختلاف شؤون الحقّ، فلا يقدح في شهود شكواه إلى الحقّ، لأنّ الحقّ عزّ شأنه ما جعل حكم ما ينافي غرضه ويخالف مزاجه فيه إلّا ليرفع إليه الشّكوى، ويسأله رفع ذلك عنه، فمن لم يشك إلى اللّه عند إحساسه بالبلاء فقد قاوم القهر الإلهيّ بجهله، ولذلك جاع أبو يزيد قدّست أسراره فبكى، فقيل له في ذلك، قال: إنّما جوّعني لابكي .

فمن آداب أهل القرب في حالة الألم رفع الشّكوى إلى الحقّ لا إلى غيره، ولهذا كان أيّوب عليه السّلام مع جلالة منصب النّبوّة يقول: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّ احِمِينَ ووصفه الحقّ بالصّبر، وذكره في معرض المدح بقوله تعالى: إِنَّ ا وَجَدْنَ اهُ صَ ابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّ ابٌ ، أي أنّا وجدناه صابرا في وقت يقتضي ضعف البشريّة الاضطراب والرّكون إلى الأسباب، فلم يضطرب ولم يركن إلّا إلينا، وهذه حقيقة العبوديّة الّتي لا تصحّ لعبد حتّى يدع اختياره وإرادته ويكون بحسب ما يريد الحقّ منه، فإنّه إذا كان ذا اختيار لم يذق طعم سيادة الحقّ، فيولّيه على نفسه إذا شاء، ويعزله إذا شاء، فهو في الإختيار بحكم نفسه، والنّفس منازع الحقّ، وفي الإضطرار بحكم ربّه .

فشأن العارف الإضطراب بباطنه إلى الحقّ عند النّوازل، والثبوت بظاهره عند نفوذ الحكم الإلهيّ فيه، فله الإضطراب في السّكون والسّكون في الإضطراب، فإنّ الأحوال حاكمة، والمحكوم لا بدّ أن يكون تحت قهر الحاكم، لنفوذ الحكم فيه .

واعلم أنّ للصّبر ثلث درجات :

أوّلها: الصّبر للّه، بتحمّل أثقال التّكاليف، وهو صبر العامّة .

الثّانية: الصّبر باللّه، لشهود معاونة التّوفيق في اجتناب المخالفات، وهو صبر المريد .

الثّالثة: الصّبر على اللّه، لوصول الصّابر إلى مبادئ الفناء بذهاب بشريّته وتخلّقه بالأخلاق الإلهيّة، وهو صبر المحقّق الثّابت الفائز بشرف الاختصاص في العلم باللّه ما لا يعلمه إلّا من ذاقه، المعجّل طيّباته في جنّات الدّنيا ممّا لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وهو الّذي خصّه الحقّ بعنايته، ووفّقه للمعاملات المعنويّة، فعامل الأسماء الإلهيّة بالتّخلق بها، كما يقتضي حقيقة كلّ اسم إلهي من الأخلاق حتّى لم يبق اسم من أسماء الحقّ إلّا قام فيه بصورته وحاله، واطّلع على أسراره ونتائج آثاره، وإن كان سريان أحكام الأسماء يشتمل كلّ عين من أعيان الوجود سواء علم ذلك العين أو لم يعلم ولكن لا يفوز بمنصب القرب إلّا من ذاق شراب الوصال من كأسات شواهده العلميّ العرفاني ، فإنّ عظم لذّة العلم بقدر شرف المعلوم، وأيّ علم أشرف ممّا كان متعلّقه جناب الكبرياء .

فالعلم بحقائق الأسماء الإلهيّة، وترتيب أمور مملكة الفردانيّة، المحيطة بجميع المراتب الوجوديّة، والإطّلاع على أسرار دقائق خزائن الرّبّوبيّة، هو أعلى مراتب أبواب المعارف وألذّها وأطيبها وأشهاها، ومجموع أقطار ملكوت السّماوات والأرض ميدان العارف، يجول في ساحاتها، ويتبوّء منها حيث يشاء من غير حركة ولا مزاحمة غير، وما أعظم حسرة عند كشف الغطاء ممّن حرّمه اللّه لذّة العلم به، فإنّ حسرة الجهل أعظم الحسرات، لا سيّما الجهل باللّه، وكلّ من تعلّقت همّته في الدّنيا بكشف الأسرار الإلهيّة وحصل له ذلك فقد فاز في الدّارين، وحاز الدّرجتين، فإن لم يحصّل في موطن الدّنيا لا بدّ أن يناله في النّشأة الآخرة، وما بينهما من الفرق إلّا ما يحلّ للمحصّل من لذّة النّعيم بدوام شهود الأسرار، فالمحروم كلّ المحروم من لا يتعلّق همّته في الدّنيا بتحصيل هذه المعارف في الدّرجات العلى .

جعلنا اللّه ممّن لزم الأدب عند شهود حقائق أسمائه وصفاته، وسعد بنعيم العرفان عند سواطع أنوار أسرار ذاته: رَبَّنَ ا لَ ا تُزِغْ قُلُوبَنَ ا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَ ا وَ هَبْ لَنَ ا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّ ابُ برحمتك وفضلك وجودك يا كريم يا ودود يا توّاب، والحمد لله وحده والسّلام على من اتّبع الهدى .



 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!