موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابه

 

 


اعلم، أنّ الإنسان إذا تعدّى كلّ ما ذكرناه، واستخلصه الحقّ لنفسه، واستصلحه لحضرة أحديّة جمعه وقدسه من جملة ما يطلعه عليه كلّيّات أحكام الأسماء والصفات المضافة إلى الكون والمضافة إليه سبحانه، والقابلة للحكمين، فمن جملة ما يشاهده في هذا الإطلاع المشار إليه الكمال الإلهي المستوعب كلّ اسم وصفة وحال، كما أشرت إليه الآن، وعلى ما ستعرفه أو تفهم عن قريب ـ إن شاء الله تعالى ـ، فيرى أنّ الصفات ـ الظاهرة الحسن والخفيّ حسنها ـ كلّها له وإليه مرجعها، وأنّها ـ من حيث هي له ـ حسنة كلّها عامّة الحكم، لا يخرج عن حيطتها أحد، فإنّه سبحانه كما أنّه محيط بذاته، كذلك هو محيط بصفاته.

وهذا الوصف المتكلّم فيه ـ أعني الحيرة ـ من جملة الصفات، وقد نبّهت الحقيقة بلسان النبوّة على أصلها في الجناب الإلهي بقوله «ما تردّدت في شيء أنا فاعله تردّدي في قبض نسمة عبدي المؤمن» الحديث، وقد ذكرته من قبل، فعرّفنا أنّ ثمّة تردّدات كثيرة هذا أقواها، فافهم.

ولهذا نسب الإضلال سبحانه إليه بقوله : (يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ)، وتسمّى به.

والفاتح لسرّ عموم حكمه، وأمثاله ما ذكرناه من أنّ الهداية والضلال و أمثالهما من الصفات المتقابلة إنّما تثبت بالنسبة والإضافة، فكلّ فرقة ضالّة بالنسبة إلى الفرقة المخالفة

لها، فحكم الضلال إذا منسحب على الجميع من هذا الوجه، ومن حيث إنّ ترتّب حكم الناس على أكثر الأشياء هو بحسب ظنونهم وتصوّراتهم، مع اليقين الحاصل بالإخبار الإلهي وغيره (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) وسيّما في الله، فإنّ الإحاطة لمّا كانت متعذّرة، كانت منتهى حكم كلّ حاكم فيه إنّما هو بمقتضى ما تعيّن له منه بحسبه، لا بحسب الحقّ من حيث هو لنفسه، وما لم يتعيّن منه أعظم وأجلّ ممّا تعيّن ؛ لأنّ نسبة المطلق إلى المقيّد نسبة ما لا يتناهى إلى المتناهي، بل لا نسبة بين ما تعيّن لمداركنا منه سبحانه وبين ما هو عليه في نفسه من السعة والعزّة والعظمة والإطلاق.

ثم إنّ المتعيّن أيضا منه لمّا لم يتعيّن إلّا بحسب حال القابل المعيّن وحكم استعداده ومرتبته علم أنّ القدر الذي عرف من سرّه لم يعلم على ما هو عليه في نفسه، وبالنسبة إلى علمه نفسه بنفسه، بل بالنسبة إلى استعداد العالم به وبحسبه.

وحيث ليس ثمّ استعداد يفي بالغرض، ويقضي بظهور الأمر عند المستعدّ بهذا الاستعداد ـ كما هو الأمر في نفسه ـ فلا علم إذا، وإذ لا علم فلا هداية، وإن قيل بها، فليس إلّا بالنسبة والإضافة.

وقد قال أكمل الخلق ـ لمّا سئل عن رؤيته ربّه ـ : «نور أنّى أراه؟». فأشار إلى العجز والقصور، وقال أيضا في دعائه : «لا أحصي ثناء عليك» [أي] لا أبلغ كلّ ما فيك وأعترف بالعجز عن الاطّلاع على كلّ أمره، وقال سبحانه منبّها على ذلك (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ)، (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) والقليل هذا شأنه، فما ظنّك بما ليس بعلم عند العقلاء كلّهم، ولهذا نهى الناس عن الخوض في ذات الله، وحرّضوا على حسن الظنّ به وسيّما في أواخر الأنفاس.

ولمّا صحّ أنّ أقرب الأشياء نسبة إلى حقيقة الشيء روحه، وكان عيسى ـ على نبيّنا وعليه أفضل الصلاة والتسليم ـ روح الله ومن المقرّبين أيضا بإخبار الله وإخبار كلّ رسله عنه، ومع ذلك قال : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) علمنا بهذا وسواه من الدلائل ـ التي لا تحصى كثرة ممّا أومأنا إليه وسكتنا عنه ؛ لوضوح الأمر وكونه بيّنا بنفسه ـ أنّ الاطّلاع على ما في نفس الحقّ متعذّر.

فالحاصل عندنا من المعرفة به المستفادة من إخباره سبحانه لنا عن نفسه هو بتقليد منّا له، وكذا ما نشهده وندركه بقوّة من قوانا الظاهرة أو الباطنة، أو بالمجموع، إنّما نحن مقلّدون في ذلك لقوانا ومشاعرنا.

وقصارى الأمر أن يكون الحقّ سمعنا وبصرنا وعقلنا، فإنّ ذلك أيضا لا يقضي بحصول المقصود ؛ لأنّ كينونته معنا وقيامه بنا بدلا من أوصافنا إنّما ذلك بحسبنا لا بحسبه كما بيّنّا، ولو لم يكن الأمر كذلك، لزم أن يكون كينونة الحقّ سمع عبده وبصره وعقله حاصلا وظاهرا على نحو ما هو الحقّ عليه في نفسه، فيرى العبد إذا كلّ مبصر ويسمع كلّ مسموع سمعه الحقّ وبصره. ولزم أيضا أن يعقل كلّ ما عقله الحقّ، وعلى نحو ما عقله.

ومن جملة ذلك ـ بل الأجلّ من كلّ ذلك ـ عقله سبحانه ذاته على ما هي عليه، ورؤيته لها كذلك، وسماعه كلامها وكلام سواها أيضا كذلك، وهذا غير واقع لمن صحّ له ما ذكرنا، ولمن تحقّق بأعلى المراتب وأشرف الدرجات، فما الظنّ بمن دونه؟

فإذا لكلّ من الحيرة في الله وفيما شاء نصيب، وتذكّر قوله : «في خمس من الغيب لا يعلمهنّ إلّا الله» وقوله : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) وقوله : (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) وقوله :

(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) وقوله : (ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) وغير ذلك ممّا يطول ذكره، فافهم (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَ) (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) .


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!