موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

سرّ التركيب الستّة في العربيّة

 

 


ثم نبيّن الآن سرّ التراكيب الستّة المختصّة بالكلام، فنقول :

هذه التراكيب مشهورة عند النحويّين، وقد اتّفقوا في إفادة تركيبين منها، واختلفوا في الواحد في بعض الصور، واتّفقوا في عرو الفائدة من الثلاثة الباقية :

فالمتّفق عليه : تركيب الاسم مع الاسم، ومع الفعل. والمختلف فيه في بعض الصور : الاسم مع الحرف في النداء. والعاري من الفائدة هو تركيب الفعل مع الفعل، ومع الحرف ،

وتركيب الحرف مع الحرف. وأنا أظهر أصلها في العلم الإلهي المتكلّم فيه من حيث المرتبة التي وقع التصدّي لكشف بعض أسرارها إن شاء الله تعالى.

اعلم، أنّ الاسم في التحقيق هو التجلّي المظهر لعين الممكن الثابتة في العلم، ولكن من حيث تعيّن ذلك التجلّي المنبعث من الغيب المطلق في مرتبة هذه العين التي هي مظهره ومعيّنته، فالعين الممكنة التي هي المظهر اسم للتجلّي المتعيّن به وفي مرتبته والتجلّي من حيث تعيّنه، اسم دالّ على الغيب المطلق غير المتعيّن.

والتسمية عبارة عن نفس دلالة الاسم على الأصل الذي تعيّن منه ودلّ عليه، كما سنزيد في بيان ذلك في قاعدة الأسماء.

والحرف هو عين العين الثابتة من حيث انفرادها، حتى عن أحكامها وتوابعها.

والفعل هو نسبة التأثير، وارتباط الحكم الإيجادي الثابت بين الحقّ لا من حيث هو لنفسه بل هو من كونه موجدا، وبين العين لا من كونها عينا فحسب، بل من كونها موجودة للحقّ، وقابلة حكم إيجاده وأثره باستعدادها المقتضي ترجيح إيجادها [دون غيرها من الممكنات التي لم يتعلّق العلم بإيجادها] في دائرة هذا الظهور المنتقش الحكم في ذات القلم الأعلى، فافهم ؛ فهنا أمور غامضة جدّا لا يمكن كشفها.

وإذا تقرّر هذا، فاعلم، أنّ أوّل التراكيب الستّة المذكورة هو تركيب الاسم مع الاسم، وهذا هو الاجتماع الأوّل الحاصل بين الأسماء الأوّل وأمّهات الصفات الأصليّة التي من حيث هي اقتضت الذات التوجّه إلى إيجاد الكون وإبرازه من الغيب، وله النكاح الأوّل المشار إليه عقيب هذا الكلام. ومن جملة تنبيهاتي عليه قولي في غير موضع : إنّ ظاهر الحقّ مجلى لباطنه وكالمحلّ لنفوذ اقتداره، فافهم.

والثاني : تركيب الاسم مع العين الثابتة من كونها مظهرا لعين الفعل الذي هو حكم الاسم «الموجد» و «الخالق» ونحوهما، بصفة القبول والاستعداد المشار إليه.

فهذان التركيبان يفيدان ضرورة وهو الواقع في المراتب الوجوديّة، وباقي التركيبات ـ وهو انضمام عين ممكنة إلى عين من كونها عينا ممكنة فحسب، وبالنظر إليها لا إلى الاقتضاء العلمي ـ لا يفيد.

وكذلك نسبة معقوليّة التجلّي دون سراية حكم حضرة الجمع الموجب لارتباط الحقّ بالعالم أو معقوليّة معنى الإيجاد أيضا مضافا إلى الممكن دون سريان التجلّي الإلهي من حيث الألوهيّة المثبتة للمناسبة والارتباط، لا يفيد منه، أي لا تحصل منه فائدة.

وهكذا أيضا معقوليّة نسبة ارتباط تجلّ بتجل آخر دون أمر ثالث يكون مظهرا للفعل وسببا لتعيّن التجلّي من مطلق غيب الذات، مغايرا للتجلّي، ومثبتا للتعدّد لا يفيد.

وهكذا العين الثابتة إذا اعتبرت منضمّة إليها صفة قبولها للأمر الإيجادي دون اقتران التجلّي الوجودي بها كما مرّ لا ينتج أيضا ولا يفيد ؛ فإنّ التجلّي مع التجلّي دون القابل، هو كضرب الواحد في نفسه لا ينتج.

وهكذا أيضا سرّ عدم إنتاج اجتماع العين الممكنة بعين أخرى، سواء كانت من توابعها كصفة قبولها للتجلّي الإيجادي المتقدّم ذكرها التابعة لها، أو كانت عينا ممكنة منضمّة إلى عين أخرى متبوعة أيضا، مستقلّة بنفسها.

وأمّا مسألة النداء فنظيره قول الحقّ وأمره للعين بالتكوين من مراتب الأسماء الجزئيّة ومظاهرها، فإنّه إن لم يكن سرّ التجلّي الذاتي من حضرة الجمع معقول السريان في ذلك القول لم ينفذ حكمه، كتقدير قولهم : يا زيد، إنّما يفيد ؛ لأنّه بمعنى أدعو زيدا، أو أنادي زيدا، ومثاله في التحقيق الأمر بالواسطة في عالمنا، إن لم يقترن معه حكم الإرادة التي هي من الأسماء الذاتيّة، لم ينفذ. ولذلك يقول الحقّ بلسان الاسم «الهادي» من حيث مقام النبي عليه‌السلام لبعض الناس : «صلّ» فلا يصلّي، ولا توجد الصلاة ونحو هذا، بخلاف ما إذا انضافت إلى العين المأمورة صفة الاستعداد والقبول للحكم الإيجادي بالتجلّي الذاتي المتعلّق بعين

الصلاة وظهورها في مرتبة المظهر المسمّى بالمصلّي ؛ فإنّه يظهر عين الصلاة لا محالة.

ثم اعلم، أنّ بين التركيب والجمع والاستحالة التي هي عبارة عن سريان أحكام أجزاء المركّب بعضها في بعض فرقانا في مراتب الصور لا في مراتب الأرواح والمعاني، أذكره قبل إتمامي بيان سرّ الجمع والتركيب ليعرف، فأقول :

حكم الاجتماع فحسب هو كاجتماع أشخاص الناس للصورة العسكريّة والصفّ، والدور للبلد ونحو ذلك.

وحكم الاجتماع والتركيب معا كالخشب واللبن للبيت المبنيّ.

وحكم الاجتماع والتركيب والاستحالة كالأسطقسات للكائنات ؛ فإنّ نفس اجتماعها وتركيبها بالتماس والتلاقي غير كاف لأن تكوّن منها الكائنات، بل بأن يفعل بعضها في بعض، وينفعل بعضها عن بعض ويستقرّ للجملة كيفيّة متشابهة هي كمال تلك الحركات الفعليّة والانفعاليّة، وغايتها تسمّى مزاجا وحينئذ تستعدّ للصورة النوعيّة المتوقّف حصولها على ذلك الاستقرار بتلك الكيفيّة المزاجيّة، عقيب تلك الحركات الفعليّة والانفعاليّة.

والغرض من إضافة ذكر الاستحالة وحكمها هنا إلى الجمع والتركيب هو التنبيه على أنّها إحدى غايات حكم الجمع والتركيب، وأنّ قولي آنفا : «المراد من حيث بعض الأسماء والمراتب بكلّ اجتماع بين كلّ حقيقتين فصاعدا هو ما حدث ظهوره في الوجود الخارجي» ليس أنّ ذلك هو الغاية القصوى التي هي متعلّقة الإرادة، ولذلك قيّدت الأمر ببعض الأسماء والمراتب، كما قلت الآن في نتيجة الاستحالة وحكمها : إنّها إحدى الغايات، بل إنّما أومأت بذلك إلى سرّ التسوية الإلهيّة السارية الحكم في كلّ صورة أو كلّ [ما] مرتبطة به الصورة، وذلك لتحصيل الاستعداد الوجودي الجزئي بالتسوية المعبّر عنها في هذا المثال بالاستقرار الحاصل للجملة من حيث الكيفيّة المزاجيّة عقيب الحركات المذكورة في سائر مراتب النكاحات ومراتب الحركات الثلاثة. ونسبة المزاج إلى كلّ منها بحسبه

وهي : معنويّة، وروحانيّة، وصوريّة بسيطة، ومركّبة.

ثم إن كانت المادّة ـ مثلا ـ إنسانيّة، استعدّت لقبول النفخ الإلهي، ولسرّ قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) كما تحصل التسوية للسالك بالتوجّه الصحيح والتفريغ التامّ وما مرّ ذكره من الشروط، فيستعدّ لقبول التجلّي الإلهي مثمر ممّا ذكره وغير ذلك ممّا لم يذكر، وسنشير إلى غايات الإرادة الكلّيّة الإلهيّة بما ستعرف السرّ فيه ولو على وجه الإجمال، ثم نرجع إلى إتمام ما قصدنا بيانه.

فنقول : والتركيب إمّا معنوي، وهو الاجتماع الحاصل للأسماء حال التوجه لإيجاد الكون، ولهذا نبّهت على أنّ الفرق بين التركيب والجمع يظهر في مراتب الصور لا فيما فوقها من المراتب، فافهم.

وهذا الاجتماع المذكور هو مبدأ التصنيف والتأليف الربّاني للحروف العلميّة ؛ طلبا لإبراز الكلمات الأسمائيّة والحقائق الكونيّة، المعربة عن سرّ ذاته وحكمها بأسمائه وصفاته في موجوداته.

ومادة هذا التأليف والإنشاء النفس الرحماني الذي هو الخزانة الجامعة، وأمّ الكتاب على ما سيتلى عليك من أنبائه ما ييسّر الحقّ ذكره. هذا هو حكم التركيب المعنوي الذي هو الاجتماع الأوّل، والظاهر عنه وبعده.

وإمّا صوري مادّي أو شبيه به، فالشبيه بالمادّي كتوجّهات الأرواح النوريّة من حيث قواها، وما سرى فيها من خواصّ الأسماء التي كان اجتماعها سببا لوجود الأرواح وظهور عالم المثال ومظاهرها المثاليّة.

ثم توجّهات الأرواح من حيث تقيّدها بمظاهرها المثاليّة بحسب صفاتها، ومن حيث مراتب مظاهرها بقواها والخواصّ الحاصلة لها من المراتب الأسمائيّة لإنتاج الصور العلويّة والأجرام البسيطة بالنسبة.

وهذا هو مرتبة النكاح الثاني، وما سبق التنبيه عليه هو حكم النكاح الأوّل الغيبي الأسمائي.

والمادّي ما بعد هذين النكاحين المذكورين وهو اجتماع ما سلف ذكره لإنتاج الصور الطبيعيّة المركّبة، ثم اجتماع الصور المركّبة الطبيعيّة بقواها وسائر ما مرّ حديثه لإظهار صورة الإنسان.

فكلّ أثر وحداني وأصل من حضرة الجمع والوجود بحركة غيبيّة سار بأحديّة الجمع، فإنّه يوجب للحقائق الظاهر تخصّصها بالتوجّه الإرادي اجتماعا لم يكن من قبل.

فكلّ اجتماع على هذا الوجه تركيب، ولكلّ تركيب صورة ـ و هي نتيجة ذلك التركيب ـ ولكلّ صورة حكم تنفرد به وحكم تشترك فيه مع غيرها.

والتركيبات من الحروف الإلهيّة العامّة الشاملة الحكم، ومن الحروف الإنسانيّة الخاصّة في كلّ مرتبة من مراتب المخارج، ومراتب العالم الكبير التي هي مخارج صورة الحضرة الإلهيّة لا تتناهى، فنتائجها المسمّاة صورا وكلمات لا تتناهى.

وهكذا الأحكام اللازمة لها، كالأسماء والصفات، والخواصّ والكيفيّات ونحوها، ولذلك لا تنفد الكلمات الإلهيّة والكونيّة ؛ لعدم تناهي الممكنات المنبّه على حكمها، وعدم تناهي أنواع الاجتماعات والتراكيب، فافهم.

وإنّما يتناهى أصولها وكليّاتها، فكلّ مدرك من الصور ـ بأيّ نوع كان من أنواع المدارك والتصوّرات الإنسانيّة وسواء كان ذلك في مراتب وجود الإنسان، أو فيما خرج عنه باعتبار ـ فليس إلّا نسبة اجتماعيّة في مرتبة مّا أو مراتب على اختلاف أنواع الاجتماعات وصنوفها ومراتبها التفصيليّة والكلّيّة المذكورة.

فالتركيب الجمعي يحدث عين الصورة التي قصد المركّب والجامع إظهارها بالجمع و التركيب الذي هو شرط في ظهور عين ذلك المركّب، فمتعلّق الحدوث و التركيب

والجمع والظهور [تلك الصور] لا الأعيان المجرّدة والحقائق الكلّيّة التي هي أصول المركّبات والمجتمعات في سائر مراتب الجمع والتركيب، وموادّ عين الجمع والمركّب.

وليس للجمع والتركيب ـ إذا تدبّرت ما نبّهت عليه ـ غير نسبة انضمام الحقائق المجرّدة بعضها إلى بعض بحركة منبعثة عن قصد خاصّ من الجامع المركّب، فيحرّك أو يتحرّك لإبراز عين الصورة الوجوديّة أو الكلمة المراد ظهورها في النفس، فتصير الكلمة مشهودة بواسطة النسبة الانضماميّة بعد أن كانت غيبا.

وهكذا الشيء الظاهر بالإيجاد الإلهي في أيّ مرتبة ظهر من المراتب الوجوديّة حسب المشيئة والاستعداد، فحدث ـ كما قلنا ـ التركيب الجمعي والإدراك والشهود والاجتماع بالحركة والقصد، وظهر الحكم الساري اللازم لسائر ما ذكر في كلّ ما ظهر، وكلّ ذلك نسب لا أعيان موجودة.

فمتعلّق الشهود هو المركّب من البسائط، مع أنّه ليس بشيء زائد على بسائطه إلّا نسبة جمعها المظهرة الأمر الكامن فيها الذي لو لا الاجتماع على النحو المقصود لم يعلم ولم يظهر عينه.

فالبساطة حجابك، وبالتركيب الذي هو ستر على الحقائق يرتفع ذلك الحجاب مع عدم تجدّد أمر وجودي، هذا هو العجب العجاب.

وإنّما الأمر عبارة عن نسبة جمع وانضمام أحدث في المجتمع حكما لم يكن يعرف ذلك له قبل الاجتماع كالأسماء والصفات وغيرها ممّا ظهر وتعلّق به الإدراك بواسطة التركيب.

ولهذا كان الكتاب مشتقّا من الكتيبة وهو اجتماع الصورة العسكريّة اعتبارا لانضمام الحروف والكلمات بعضها إلى بعض، وذلك الانضمام مستلزم انضمام المعاني الغيبيّة المجرّدة بطريق التبعيّة، كتحيّز الأعراض بتبعيّة الجواهر ؛ لأنّها إذا فرضت مجرّدة

يكون التحيّز من صفاتها.

ثم هذا الانضمام يتبعه حكمان مختلفان : النظم والاتّصال المسمّى بالجمع والتركيب، والآخر الفصل والتمييز. ويتبع ذلك أمران : التبديل، والتشكيل.

فأمّا النظم فهو المعبّر عنه بالانضمام والجمع والتركيب ونحو ذلك وقد بيّنّا حكمه.

وأمّا الفصل فهو كون أحكام المعاني والحقائق متداخلة، وبعضها مرتبطا بالبعض، من حيث المناسبة والتبعيّة.

فلسان العلم بالأدوات المعرّفة والشارحة تعيّن الأحكام وتضيفها إلى أصولها ؛ فيرتفع الالتباس الحاصل بحكم الوجود الواحد الذي عمّها وجمعها بالتمييز، فيعلم المتعلّم [أنّ] هذا الحكم ـ مثلا ـ إلى أيّة حقيقة يستند من الحقائق، فينسبه إليها عن يقين دون مزج، فيصير كلّ معنى مضافا إلى أصله، وكلّ أصل ممتازا بنفسه وما يتبعه ـ من الأحكام المختصة به ـ عمّا سواه، وهذا من أكبر فوائد مقام الحضور بعد العلم الصحيح لمن يعلم ما أدرجت في هذا الفصل وما قبله من الأسرار.

ثم نقول : ومتعلّق التبديل الواقع في الوجود بالاجتماع والاقتران والتحليل والتركيب والتعيّنات الظاهرة وأنواع التشكّلات هو الصور والأشكال الجزئيّة التي هي أحكام الحقائق والأشكال المعقولة الكلّيّة المجرّدة.

فإنّ الأشكال الجزئية والتشخّصات المتعيّنة في الشهادة مظاهر أحكام الأشكال الكلّيّة الغيبيّة، والحقائق البسيطة والكيفيّات المدركة التي هي أحوال للأمر المتشكّل من حيث هو متشكّل في مرتبة مرتبة، وعين وعين، والحقائق مشتركة في التجرّد والجوهريّة والصفة العينيّة، متماثلة ومتّحدة من حيث الوجود العام المشترك بينها، ومن حيث السرّ الغيبي الإلهي الذي لا تعدّد لشيء فيه، والاختلاف ظهر بالصور والأشكال الظاهرة فالمسمّاة حدودا ذاتيّة للصور والأشكال لا للمتصوّر والمتشكّل، ولكن لا يشهد هذا المتشكّل عيانا إلّا بالشكل فيظنّ من لا يعرف أنّ المحدود هو المتشكّل من حيث ذاته، إنّما هو الشكل إلّ

أنّه يتعذّر معاينته إلّا بالمتشكّل كما أنّ المتشكّل يتعذّر إدراكه إلّا بواسطة الشكل.

وكذا يغلط من يعرف من حقائق الأشياء أعراضها وصفاتها، ويظنّ أنّه قد عرف الصفة من حيث حقيقتها، وهو لم يعرفها إلّا من حيث كونها صفة لموصوف مّا، كما سبق التنبيه عليه، وكما قلنا آنفا في الكيفيّات المدركة : إنّها أحوال للأمر المتشكّل من حيث هو متشكّل لا مطلقا، فافهم.

وهذه المعرفة متعلّقها النسب لا الحقائق، وصاحبها إنّما عرف نسب الحقائق بقيود سلبيّة أو إضافيّة، و لم يعرف كنهها ؛ إذ معرفة كنه الحقائق لا تحصل إلّا بالطريق المذكور من قبل، المختصّ بذوق الأكابر ـ رضي الله عنهم

ثم نقول : فأجزاء حدّ كلّ شيء بسيط ليست أجزاء لحقيقته، بل لحدّه فحسب، وهو شيء يفرضه العقل في المرتبة الذهنيّة، فأمّا هو في ذاته فغير معلوم من حيث هو هو، حتى تنتفي عنه الأجزاء نفيا حقيقيّا، أو تثبت له، ولهذا السرّ وما سبق بيانه في أوّل الكتاب تعذّرت معرفة حقائق الأشياء من حيث إطلاقها وبساطتها في حضرة الغيب الإلهي الذي هو معدنها الأعلى، الوجه المنبّه عليه في سرّ العلم من قبل.

فالمتشكّل في ضرب المثل إذا اعتبر مجرّدا عن الشكل يكون في حضرة العلم الإلهي الغيبي، فلا يتعيّن لنا ؛ لما بيّنّا ولا يمتاز، فلا ينضبط في تصوّر، ولا يتأتّى تعريفه وتحديده وتسميته والتعبير عنه ؛ لعدم تحقيق معرفته إلّا على وجه مجمل، وهو أنّ ثمّة شيئا وراء هذا الشكل من شأنه أنّه متى اعتبر مجرّدا عن الصور والصفات والاعتبارات المعيّنة له والأشكال، لا ينضبط في تصوّر، ولا يمكن تعقّله على التعيين وشهوده، فلا بدّ من أمر يظهر به الشكل الذي تقيّد به الأمر الموصوف بالتشكّل، حتى تأتّى إدراك كلّ منهما ـ أعني الشكل والمتشكّل ـ من حيث ذلك الأمر وهو نسبة الجمع.

وأمّا اعتبار الشيء مجرّدا عن الشكل وحكم التشكّل كما قلنا ـ فيتعذّر معرفة حقيقته

إن كانت له حقيقة يمتاز بها لذاته لا بتوسّط اعتبار وتميّز وتعيّن متعقّل ومظهر معرّف، فافهم وتدبّر ما نبّهت عليه، وتنزّه فيما ينفتح لك من التفاصيل، والله وليّ الإرشاد والهداية.


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!