موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

قاعدة كلّيّة

 

 


تتضمّن سرّ الحروف والكلمات والنقط والإعراب والوجود والإمكان والممكنات وما يختصّ بها من المراتب، وما تدلّ عليه وتستند إليه، وسرّ كون العالم كتابا مسطورا في رقّ منشور، وغير ذلك.

اعلم، أنّ الوجود المنبسط هو النور، وقد نبّهت على حكمه حين الكلام على سرّ العلم، وهو الرقّ المنشور، والانبساط المعبّر عنه بالنشر وقع على حقائق الممكنات.

فكلّ حقيقة على انفرادها من حيث ثبوتها وتميّزها في علم الحقّ تكون حرفا غيبيّا ـ كما أشرت إليه في سرّ التراكيب الستّة ـ ومن حيث إنّ الحقائق : منها تابعة، ومنها متبوعة، والتابعة أحوال للمتبوعة وصفات ولوازم، كانت المتبوعة باعتبار انضياف أحوالها إليها وتبعيّتها لها حال تعقّلها خالية عن الوجود كلمة غيبيّة، وباعتبار تعقّل الماهيّة المتبوعة منصبغة بالوجود، مفردة عن لوازمها المتأخّر وجودها عن وجود الماهيّة المتبوعة تكون حرفا وجوديّا، وباعتبار تعقّلها ـ أعني الماهيّة المتبوعة ـ منضمّة إليها لوازمها التابعة حال اتّصافها بالوجود كلمة وجوديّة.

والآيات من هذه الكلمات الوجوديّة ما يتضمّن معنى الدلالة على حقيقة صفة خاصّة أو حالة معيّنة أو نوع مّا مخصوص من أنواع اللوازم المضافة إلى أصل كلّي أو جنس معيّن بصورة هيئة من الهيئات الاجتماعيّة الواقعة بين الكلمتين فصاعدا، معربة عن جملة من المعاني المفهومة، المدركة بواسطة تلك الهيئة.

والسور منها ما يتضمّن بيان أحكام مرتبة مّا من المراتب أو صفة كلّيّة أو حالة كلّيّة تستلزم صفات شتّى أو أحوالا متعدّدة مختلفة.

والكتب المنزلة عبارة عمّا يتضمّن الترجمة عن صور الأحكام العلميّة الإلهيّة والأحوال الإمكانيّة المختصّة بمرتبة مّا من المراتب الكلّيّة وطائفة مخصوصة وأهل قرن معيّن أو قرون معيّنة.

والقرآن صورة العلم المحيط بالأحوال الإمكانيّة، المختصّة بالموجودات على اختلاف طبقاتها من حيث الأخبار المختصّة من حيث الحكم بأهل باقي العصر إلى الوقت المعيّن المقتضي انتهاء حكم الشرائع قاطبة، وهو زمان طلوع الشمس من مغربها، فافهم.

والحضرات الكلّيّة التي إليها الاستناد والمرجع هي الخمسة المذكورة، وسنعيد ذكرها ؛ عملا بالأحوط، وخوفا من نسيان المتأمّل كما فعلت ذلك في عدّة أمور ربما ظنّ من لم يعرف المقصود أنّ ذلك تكرار عار عن الفائدة.

فنقول : أوّلها الغيب الإلهي الذي هو معدن الحقائق والمعاني المجرّدة.

ثم الإضافي وله عالم الأرواح وما ذكر من قبل.

وفي المقابلة مرتبة الشهادة، ولها الصور المركّبة الطبيعيّة والبسيطة بالنسبة.

ثم التي نسبتها إلى الشهادة أقرب كما ذكر.

وخامسها الأمر الجامع وقد مرّ ذكر الجميع.

ونظيرها في عالم النفس الإنساني مراتب المخارج فأوّلها باطن القلب الذي هو ينبوع النفس، وتقابله الشفتان مقابلة الشهادة للغيب، والثلاثة الباقية : الصدر، والحلق، والحنك.

فكما أنّ كلّ موجود لا بدّ وأن يستند إلى إحدى هذه المراتب الخمس، أو يكون مظهرا لحكم جميعها كالإنسان الكامل، كذلك كلّ حرف لا بدّ وأن يستند إلى إحدى هذه المخارج، أو يستوعب حكم جميعها كحرف الواو، وما سوى ما ذكر فمراتب تفصيليّة تتعيّن فيما بين هذه الأمّهات الأصليّة ونظائرها من المخارج المشار إليها. ولكلّ فرد من أفراد الموجودات العينيّة التي هي حروف النفس الرحماني من حروف النفس الإنساني خمسة أحكام ثبوتيّة في قوّة أحدها جمعيّة ما في الأربعة، وحكم سادس سلبي سار في الخمسة من حيث

إنّ كلّ ثبوت يوصف به أمر مّا يستلزم نفي ما ينافيه فإمّا من وجه واحد أو من وجوه بحسب المنافاة وحكمها.

ولهذه الأحكام الستّة خمس علامات : ثبوتيّة، مرتّبة تجمع إحداها ما تضمّنته الأربع، وعلامة سادسة سلبيّة تنتج حكما ثابتا ؛ فإنّ ترك العلامة علامة، فهذه اثنا عشر أمرا استحضارها يعين في فهم ما يذكر من بعد.

فأمّا الأحكام الخمسة الثبوتية : فحكم الموجود من حيث ماهيّته الثابتة في العلم. وحكمه من حيث روحانيّته. وحكمه من حيث صورته وطبيعته ؛ إذ لا بدّ لكلّ موجود من روحانيّة في قاعدة التحقيق، ولا بدّ لكلّ روحانيّة من صورة تكون مظهرا لحكم الروحانيّة وإن لم تشترط في حقّ بعض الموجودات الروحانيّة صورة بعينها.

والحكم الرابع من حيث التجلّي الإلهي الظاهر بها والساري فيها بأحديّة الجمع اللازم للهيئة المعنويّة الحاصلة من اجتماع جميعها.

والحكم الخامس من حيث المرتبة التي هي غاية.

والسادس : السلبيّ قد سبق التنبيه على حكمه.

وأمّا العلامات : فالنقط، والإعراب أو ما يقوم مقامهما، ولكلّ منها خمس مراتب أيضا وسادسة سلبيّة، فالتي تختصّ بالنقطة كونها تكون واحدة واثنتين وثلاثا، من فوق الحرف ومن تحته، والسلبيّة عدم النقط.

والإعراب : الرفع، والنصب والجرّ، والتنوين، والسكون الحيّ، والسادسة السلبيّة : السكون الميّت، وحذف الحرف القائم مقام الإعراب.

فالرفع للمرتبة الروحانيّة.

والنصب والجرّ للصورة الظاهرة والطبيعيّة.

والسكون الحيّ للحكم الأحديّ الإلهي الأوّل المختصّ بحضرة الجمع العامّ الحكم على

الأشياء، فهو أمر معقول ثابت يرى أثره ولا يشهد عينه، كما نبّه عليه شيخنا وإمامنا رضي الله عنه في بيت له غير مقصود، بقوله، (شعر) :

والجمع حال لا وجود لعينه
 

 

وله التحكّم ليس للآحاد
 

ولهذا السكون أيضا الرجوع إلى الحكم الثبوتي بالاستهلاك في الحق، مع بقاء حكم وجود المستهلك، وارتفاع أحكام النسب الكونيّة، فالحركة التي هي عنوان الوجود خفيّة، فالحكم موجود، وليس لمن ينسب إليه الحكم عين ظاهرة وهذا هو حكم قرب الفرائض، المشار إليه بأنّ العبد ليستتر بالحقّ، فيظهر حكمه في الوجود لا عينه كالبرازخ كلّها.

وممّا يختصّ بمرتبة السكون الحيّ التنوين، وله الثبات والاستقرار في الغايات بانتهاء حكم الاستعدادات من الوجه الكلّي ؛ إذ الأمر من حيث التفصيل لا غاية له ولا انتهاء إلّا بالنسبة والفرض.

والسكون الميّت كالموت والجمود والتحليل والفناء ونحو ذلك.

ولمّا كان الحكم في الأشياء للمراتب لا للأعيان الوجوديّة من حيث وجودها، كان ما يضاف من الحكم إلى الموجودات إنّما يضاف إليها باعتبار ظهور حكم مرتبتها بها، والأثر الحاصل من المراتب إنّما هو باعتبارين :

أحدهما اعتبار سريان الحكم الجمعي الأحدي الإلهي الساري في الأشياء.

والثاني اعتبار الأغلبيّة التابعة للنسبة الأوّلية ؛ فإنّ ثبوت الحكم والغلبة لبعض المراتب على بعض، إنّما يصحّ بسبب الإحاطة، ويظهر بحسب أوّليّتها.

ولمّا كانت الخاتمة عين السابقة، والغاية المعبّر عنها بالآخريّة هي نفس صورة كمال الأوّليّة، لم تتميّز ولم تتغاير إلّا بخفاء حكم الأوّلية بين معقول طرفي البداية والنهاية، كما اومأت إلى ذلك آنفا.

لذلك كان شكل التنوين ضعف شكل مجرّد الإعراب الدالّ على الحكم، فتثنية التنوين للاعتبارين المذكورين، وسنذكر ما تبقى من أسرار الحركات والنقط ـ إن شاء الله تعالى ـ.

فنقول : اعلم أنّه قدّمنا أنّ كلّ صورة وجوديّة يتعلّق بها الإدراك ـ على اختلاف مراتبه ـ أنّها عبارة عن اجتماع حقائق معقولة مجرّدة ظهرت بنسبة الاجتماع التابع لحكم أحديّة الجمع الإلهي المذكور، وذلك الظهور قد يكون في بعض المراتب الوجوديّة، وقد يكون في كلّها، فللموجودات الغيبيّة التي هي حروف النفس الرحماني وحروف النفس الإنساني بحسب المراتب الخمس الكلّيّة المذكورة، وبحسب نظائرها في المخارج من حيث الحكم التركيبي والتأليف الاجتماعي، والسرّ الجمعي ـ الذي يصبغ به المتكلّم عين الكلام، ويسري أثره فيما يتكلّم به ـ تداخل ومزج.

والغلبة والظهور في أحوال التركيب إنّما يكون لأحد الأشياء التي وقع بينها ذلك الامتزاج والتأليف، فأمّا من حيث المرتبة فالحكم الجمعي المذكور، وأمّا من حيث الظهور الوجودي فالأوّليّة.

فالنقط والإعراب معرّفات لهذه الأمور تعريف تمييز وتعيين، ومنبّهات على أصولها، فالنقط للمراتب، والحركات الإعرابيّة للأحكام والصفات.

وللمراتب الخمس مراتب تالية لها وهي : مرتبة الفعل، ومرتبة الانفعال، ومرتبة جامعة تقتضي التكافؤ والاعتدال والمقاومة، ومظاهرها في النسخة الإنسانيّة : الصوت، واللسان، والأسنان، فافهم.

وكما أنّ المراتب الخمس يكون ظهور حكمها ـ كما قلنا ـ باعتبار الأوّليّة والحكم الجمعي الأحدي، فكذلك ظهور الأمر في هذه المراتب الثلاث يكون باعتبارين : أحدهما ظهور الغلبة المشار إليها من حيث القوى الروحانيّة، والآخر من حيث القوى الطبيعيّة ؛ لأنّ اختلاف استعدادات الأعيان، واختلاف تعلّقات الأسماء وتوجّهاتها لإيجادها يقتضي أنّ بعضها إذا وجد يتعيّن في مراتب الأرواح وينضاف إليها، وبعضها في مراتب الطبيعة، والظهور في إحدى المرتبتين المذكورتين أو فيهما معا ـ باعتبارين ومن وجهين ـ يستلزم الانصباغ بحكم إحدى النسبتين ـ وهما : الفعل والانفعال ـ أو الأمر الثالث الجامع باعتبار ؛

فإنّ تعيّن الحرف ـ مثلا ـ في المرتبة الفعليّة من حيث النسبة الروحانيّة لغلبة أحد الأحكام الخمسة من حيث الأوّليّة أو الحكم الجمعي الأحدي المرتبي، نبّه على الحكم بالإعراب وعلى المرتبة بالنقطة، وتكون واحدة من فوق الحرف، وإن كانت الغلبة بالاعتبارين : الروحاني والطبيعي، كانت نقطتين، وإن كان الأمر بالعكس ـ بمعنى أنّ تميّز الحرف يكون في المرتبة الانفعاليّة بأحد الاعتبارين المذكورين أو كليهما ـ كان النقط من أسفل، فإن انضاف إلى ذلك حكم الأوّليّة بالنسبة إلى المرتبة الروحانيّة والطبيعيّة هناك أيضا وحصل التناسب، كان الإعراب أيضا من تحت الحرف كالنقط وهذا يكون إذا كان أحد الحكمين من الخمسة لمرتبة السكون الميّت، والآخر للصورة الطبيعيّة وإن كان الأمر بالعكس في الاعتبارين وما يناسبهما من الأحكام الخمسة، كان الإعراب والنقط فوق الحرف.

وإن كانت الغلية لبعض الخمسة ما عدا السكونين، ويكون التعيّن في المراتب من حيث النسبة الانفعاليّة، كان الإعراب من فوق والنقط من أسفل وإن كان الأمر بالعكس كان النقط من فوق والإعراب من أسفل.

وإن حصلت الغلبة في مرتبة الجمع والتكافؤ التي هي المرتبة الأخيرة من الثلاثة وكان الحكم من أحد الخمسة للسكون الحيّ، كان النقط ثلاثا من فوق.

ولمّا لم يظهر هذا الجمع التركيبي إلّا بحسب الاعتبارين المذكورين ـ وهما النسبة الروحانيّة والنسبة الطبيعيّة ـ لذلك لم ينقط من الحروف ثلاث نقط إلّا الثاء والشين، فالثّاء لحكم جمع القوى الروحانيّة، والشين لحكم جمع القوى الطبيعيّة.

والسرّ في أنّ النقط من أسفل لم تكن أكثر من اثنتين أنّ الامتزاج المذكور إنّما يقع بين الأرواح والطبائع ؛ لما بيّنّا، ولأنّهما مظاهر المعاني والحقائق والمراتب، فإن غلبت النسبة الروحانيّة بالتفصيل المقدّم ذكره، كانت النقط من فوق، وإن غلبت القوى الطبيعيّة، كانت من تحت ؛ تعريفا لمرتبة الأرواح والطبائع. والنقطة الثالثة لمّا كانت منبّهة على التكافؤ الاعتدالي، والسرّ الجمعي الأحدي الإلهي الذي تستند إليه سائر الأحكام والآثار ـ كما مرّ

ذكره في غير موضع من هذا الكتاب ـ نبّه عليه من فوق لشمول حكمه.

وأمّا من تحت فلا ؛ لأنّه الأمر الإلهي الذي يغلب ولا يغلب، ولهذا تجعل فوق النقطتين اللتين : إحداهما للروحانيّة، والأخرى للطبيعيّة، وترسمان في صفّ واحد إشارة إلى تساويهما من حيث إنّ كلّ واحدة منهما من وجه تفعل في الأخرى، وتؤثّر فيها، وتجعل الثالثة فوقهما ؛ لما بيّنّا.

والسرّ في أنّ الحكم الجمعي لا ينبّه عليه إلّا في الحرفين ـ وهما الثاء والشين ـ أنّ حكم الجمع الأحدي والاعتدال الوجودي في غير هاتين المرتبتين معقول غير مشهود، ولهذا الاعتدال التامّ لا ينتج ولا يظهر له صورة، وكذا الجمع الكلّي الشامل الحكم، والكمال الذي لا أكمل منه، لا يتعيّنان في الوجود، وإنّما يشهد كلّ منهما بحسب المرتبة والمظهر الذي يظهر الكلّ فيه وبه، لا بحسبه.

وأمّا سرّ دلالة النقط على المراتب، والخطوط الإعرابيّة على الأحكام، فهو أنّ النقطة أمر معقول غير مشهود مع أنّه أصل سائر الخطوط والسطوح والدوائر، فيظهر به جميعها، وهو من حيث هو لا يظهر. كذلك المراتب حقائق معقولة غير مشهودة، وهي أصل كلّ ما يشهد، والحاكمة عليه، ولمّا كان الخطّ عبارة عن نقط متجاورة، لذلك كان دليلا على الحكم ؛ لأنّ الحكم نسبة معقولة بين حاكم ومحكوم عليه، وبالحركة الإيجاديّة يحصل الاتّصال، فيظهر عين الحكم والحاكم من كونه حاكما، والمحكوم به وعليه، فافهم والله المرشد.

وأمّا سرّ التشديد فهو تلاقي حكم النسبة الجامعة من المراتب الثلاث لحكم مرتبة السكون الحيّ المختصّ بأحديّة الجمع الإلهي، والظاهر منهما هو صاحب الأوّليّة، فالحكم عين الظهور.

وأمّا سرّه في الموجودات فيعلم من نتيجة قرب النوافل وقرب الفرائض، فقرب النوافل يختصّ بالطالبين، وقرب الفرائض يختصّ بالمرادين المطلوبين. فإذا تعدّى المحقّق مقام «أو أدنى» وارتفع الخطّ الذي قسّم الدائرة قوسين، فإنّ المطلوب يكون له الأوّليّة والظهور، من حيث الحكم، والطالب له الآخريّة ولوازمها، ومن فهم سرّ

(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) وعرف سرّ «قف إنّ ربّك يصلّي» يعرف ما أومئ إليه.

ثم نرجع ونقول : ولمّا كانت الصور منقسمة إلى مركّبة وبسيطة بالنسبة، وكان البسيط لتشابه أجزائه وعروه عن الكيفيّات المختلفة من حيث ذاته لا يظهر للتركيب فيه حكم محسوس، بل يعقل ذلك فيه لا غير، كانت الحروف المختصة به بحكم الأغلبيّة والمنضافة إليه خالية عن النقط ؛ لأنّ النقط وضعت للتعريف، ونسبة هذه الحروف إلى الطبيعة والصور إنّما كانت من وجه واحد واكتفي في التنبيه على مرتبتها بمجرّد الصورة، وعلى حكمها بالإعراب، فحصل الاستغناء عن معرّف آخر.

ثم إنّ الحروف ـ التي هذا شأنها ـ في الاصطلاح أربعة عشر حرفا وفي قاعدة التحقيق اثنا عشر حرفا فحسب ؛ لأنّ أحدها الألف وليس هو عند المحقّقين بحرف تامّ ؛ فإنّه عبارة عن امتداد النفس دون تعيّنه بمقطع خاصّ في مخرج من المخارج، فهو والهمزة عندهم حرف واحد، كما سنشير إليه.

ولام ألف أيضا حرف مركّب من اللام والألف، وله الدلالة على سرّ التركيب من حيث معقوليّته وعدم ظهور حكمه في المركّب، وله التعريف بسرّ الارتباط الواقع بين الحضرتين : الإلهيّة والكونيّة، والامتزاج الحاصل بين البسائط والمركّبات، وله أيضا أسرار غير ما ذكرنا لا يقتضي الحال ذكرها.

ثم نقول : فالحروف الخالية عن النقط إذا اثنا عشر حرفا وتستند إلى البروج الاثني عشر المقدّرة المفروضة في العرش الذي هو أوّل الأجسام البسيطة وأعظمها صورة وحكما وإحاطة وعلامات البروج هي المنازل المشهودة في الفلك الثامن والمراتب المذكورة آنفا، السارية الحكم في الحروف جميعها.

والموجودات أيضا اثنا عشر : الخمسة الأصليّة، والاعتباران اللازمان لها، والثلاثة التالية، والاعتباران التابعان لها، فصار المجموع اثني عشر.

وصارت الحروف المنقوطة أربعة عشر ؛ إشارة وعلامة على مراتب السماوات السبع، والعناصر الأربعة والمولّدات الثلاث، والفلك الثامن هو البرزخ الجامع وهو الأعراف، فافهم.

ولمّا كانت مرتبة الإمكان بما تحويه من الممكنات غيبا ولها الظلمة، وكانت الممكنات هي التي تتعيّن في النور الوجودي ويظهر أحكام بعضها للبعض بالحقّ وفيه، وهو سبحانه لا قيد له ولا تميز، كان المثال الواقع في الوجود مطابقا للأصل.

فالمداد مع الدواة نظير مرتبة الإمكان وما حوته من الممكنات من حيث إحاطة الحقّ بها وجودا وعلما. وحقائق الممكنات كالحروف الكامنة في الدواة، كما نبّهت عليه في سرّ «كان الله ولا شيء معه» ونحوه عند قولي : «وليس لشيء في الغيب الذاتي الإلهي تعدّد ولا تعيّن وجودي». والورق وما يكتب فيه كانبساط النور الوجودي العامّ الذي تتعيّن فيه صور الموجودات. والكتابة سرّ الإيجاد والإظهار. والواسطة والآلة : القلم الإلهي. والكاتب : الحقّ من كونه موجدا وخالقا وبارئا ومصوّرا، كما نبّهت عليه في سرّ التراكيب الستّة والتميّز والقدرة. ونظير الأنامل الثلاث الفرديّة الأولى التي وقع فيها وبها الإنتاج، وقد مرّ ذكرها. والقصد : الإرادة. واستحضار ما يراد كتابته التخصيص الإرادي، التابع للعلم المحيط بالمعلومات التي تظهر.

وكما أنّ استمداد العالم الكاتب هنا ما يريد كتابته يرجع إلى أصلين : أحدهما : العلم الأوّلي، والثاني : الحسّي المستفاد من المحسوسات، كذلك الأمر هناك، فنظير الأوّلي علم الحق بذاته وعلمه بكلّ شيء من عين علمه بذاته. ونظير المستفاد من المحسوسات رؤيته سبحانه حقائق الممكنات في حضرة الإمكان، وتعلّق العلم بها أزلا تعلّقا ذاتيّا، وإبرازها في الوجود على حدّ ما علمت وبحسب ما كانت عليه، وهذا سرّ تبعيّة علم العالم للمعلوم.

ومن النسبة الجامعة بين هذين الأصلين العلمين تعلم أسرار كثيرة لا يقتضي الوقت والحال تفصيلها، أحدها سرّ (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ)، فاعلم ما نبّهت عليه، فلقد أدرجت لك في هذه القاعدة وتقاسيمها المتقدّمة أسرارا إن فكّ لك منها معمّاها، انفتحت لك بها أبواب من المعارف عظيمة الجدوى، عزيزة المنال، والله وليّ الهداية والإحسان.


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!