موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

التمهيد الموعود به

 

 


اعلم أنّ هذا تمهيد يتضمّن قواعد كلّيّة يستعان ببعضها على فهم بعضها، ويستعان بمجموعها على فهم كلام الحقّ وكلماته، وخصوصا ما يتضمّنه هذا المسطور المتكفّل ببيان بعض أسرار الفاتحة من غرائب العلوم، وكلّيّات الحقائق التي لا أنسة لأكثر العقول والأفهام بها ؛ لعزّ مدركها، وبعد غورها، وخفاء سرّها ؛ إذ كانت ممّا لا ينفذ إليها إلّا الهمم الخارقة حجب العوائد، والمرفوع عن أعين بصائر أربابها أستار الطباع وأحكام العقائد، ولا يظفر بها إلّا من سبقت له الحسنى وشملته العناية الإلهيّة، فأنالته البغي والمنى، وحظّي بميراث من كان ربّه ليلة أسرى به بمقام قاب قوسين أو أدنى.

وما من قاعدة من هذه القواعد إلّا وتشتمل على جملة من المسائل المتعلّقة بأمّهات الحقائق والعلوم الإلهيّة، يمكن تقرير بعضها بالحجج الشرعيّة، وبعضها بالأدلّة النظريّة، وسائرها بالبراهين الذوقيّة الكشفيّة، التي لا ينازع فيها أحد ممّن تحقّق بالمكاشفات النوريّة، والأذواق التامّة الجليّة ؛ إذ كانت لكلّ طائفة أصول ومقدّمات هم مجمعون على صحّتها، مسلّمون لها، هي من جملة موازينهم التي يبنون عليها، ويرجعون إليها، فمتى سلّمت لمن سلّمت له من محقّقي أهل ذلك الشأن، تأتّى له أن يركّب منها أقيسة صحيحة، وأدلّة تامّة لا ينازعه فيها أرباب تلك الأصول التي هي من موازينهم.

ومع التمكّن ممّا ذكرته، وكون الأمر كما بيّنته فإنّي لا أتعرّض لتقرير ما يرد ذكره في هذه القواعد وما بعدها بالحجج الشرعيّة والأدلّة النظريّة والذوقيّة، تعرّض من يلتزم ذلك في كلامه.

لكن إن قدّر الحقّ تقرير أمر في أثناء الكلام، ذكرت ذلك ؛ تأنيسا للمحجوبين، وتسكينا للضعفاء المتردّدين، وتذكرة للمشاركين، لكن أقدّم في أوّل التمهيد فصلا أنبّه فيه على مرتبة العقل النظري، وأهل الطلب الفكري، وما ينتهي الفكر بصاحبه ؛ ليعلم قلّة جدواه وسرّه، وثمرته وغايته، فيتحقّق من يقف على هذا الكتاب وغيره من كلام أهل الطريق أنّه لو كان في الأدلّة الفكريّة والتقريرات الجدليّة غناء أو شفاء، لم يعرض عنها الأنبياء والمرسلون ـ صلوات الله عليهم ـ ولأورثتهم من الأولياء القائمون بحجج الحقّ، والحاملون لها ـ رضي الله عنهم ـ.

هذا مع أنّ ثمّة موانع أخر غير ما ذكرت، منعتني عن سلوك ما إليه في كلامي أشرت : منها : أنّي لم أوثر أن أسلك في الكلام المتعلّق بتفسير كتاب الله مسلك أهل الجدل والفكر، لا سيّما وقد ورد حديث نبوي يتضمّن التحذير من مثل هذا وهو

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلّا أوتوا الجدل» وتلاوته بعد ذلك : (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً) الآية.

ومنها : طلبي للإيجاز.

ومنها : أنّ قبلة مخاطبتي هذه بالقصد الأوّل هم المحقّقون من أهل الله وخاصّته، والمحبّون لهم، والمؤمنون بهم وبأحوالهم من أهل القلوب المنوّرة الصافية، والفطرة السليمة، والعقول الواقدة الوافية، الذين يدعون ربّهم بالغدوة والعشىّ يريدون وجهه ويستمعون القول فيتّبعون أحسنه بصفاء طويّة، وحسن إصغاء بعد تطهير محلّهم من صفتي الجدل والنزاع ونحوهما، متعرّضين لنفحات جود الحقّ، مراقبين له، منتظرين ما يبرز

لهم من جنابه العزيز على يدي من وصل، ومن أيّ مرتبة من مراتب أسمائه ورد، بواسطة معلومة وبدونها، متلقّين له بحسن الأدب، وازنين له بميزان ربّهم العامّ تارة، والخاصّ تارة، لا بموازين عقولهم ؛ فأرباب هذه الصفات هم المؤهّلون للانتفاع بنتائج الأذواق الصحيحة، وعلوم المكاشفات الصريحة.

ومن كان حاله ما وصفناه فلا نحتاج معه إلى التقريرات النظريّة ونحوها، ممّا سبقت الإشارة إليه، فهو إمّا مشارك يعرف صحّة ما يخبر به بما عنده منه، للاستشراف بعين البصيرة على الأصل الجامع المخبر به وعنه ؛ وإمّا مؤمن صحيح الإيمان والفطرة، صافي المحلّ، ظاهره يشعر بصحّة ما يسمع من وراء ستر رقيق اقتضاه حكم الطبع وبقيّة الشواغل والعلائق المستجنّة في المحلّ، والعائقة له عن كمال الاستجلاء، لاعن الشعور المذكور، فهو مستعدّ للكشف، مؤهّل للتلقّي، منتفع بما يسمع، مرتق بنور الإيمان إلى مقام العيان.

فلهذا اكتفى بالتنبيه والتلويح، ورجّحا على البسط والتصريح، اختيارا وترجيحا لما رجّحه الحقّ سبحانه واختاره في كلامه العزيز لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله، وأمره به حيث قال له : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ)، ولم يأمره بإقامة المعجزة وإظهار الحجّة على كلّ ما يأتي به ويخبر عنه، عند كلّ فرد فرد من أفراد المخاطبين المكلّفين، مع تمكّنه صلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك ؛ فإنّه صاحب الحجج الإلهيّة الباهرة والآيات المحقّقة الظاهرة، ومن أوتي جوامع الكلم، ومنح علم الأوّلين والآخرين، بل إنّما كان ذلك منه بعض الأحيان مع بعض الناس في أمور يسيرة بالنسبة إلى غيرها.

والمنقول أيضا عن أوائل الحكماء ـ وإن كانوا من أهل الأفكار ـ نحو هذا [و] أنّهم إنّما كان دأبهم الخلوة والرياضة والاشتغال على مقتضى قواعد شرائعهم التي كانوا عليها، فمتى فتح لهم بأمر ذكروا منه للتلاميذ والطلبة ما تقتضي المصلحة ذكره، لكن بلسان الخطابة لا التقرير البرهاني، فإن لاحت عندهم مصلحة ترجّح عندهم إقامة برهان على ما أتوا به وتأتّى لهم ذلك ساعتئذ، قرّروه وبرهنوا عليه، وإلّا ذكروا ما قصدوا إظهاره للتلامذة، فمن

قبله دون منازعة، انتفع به، ومن وجد في نفسه وقفة أو بدا منه نزاع، لم يجيبوه، بل أحالوه على الاشتغال بنفسه، والتوجّه لطلب معرفة جليّة الأمر فيما حصل له التوقّف فيه من جناب الحقّ بالرياضة وتصفية الباطن، ولم يزل أمرهم على ذلك إلى زمان أرسطو، ثم انتشت صنعة الجدل بعد من عهد أتباعه المسمّين بالمشّائين وإلى هلمّ.

وإذا كان هذا حال أهل الفكر والتأمّل، الآخذين عن الأسباب، والمتوجّهين إلى الوسائط، فما الظنّ بالمستضيئين بنور الحقّ، المهتدين بهداه، والسالكين على منهاج الشريعة الحقّة النبويّة، الآخذين عن ربّهم بواسطة مشكاة الرسالتين : الملكيّة والبشريّة، وبدون واسطة كونيّة، وسابق آلة وتعمّل أيضا؟ كما نبّه الحقّ سبحانه على حال نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك بقوله : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِن) وبقوله أيضا : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ).

فمثل هذا الذوق التامّ يسمّى علما حقّا، ونورا صدقا، فإنّه كاشف سرّ الغيب، ورافع كلّ شكّ وريب.

وها أنا ذا أذكر المقدّمة الموضّحة مرتبة الفكر والبراهين النظريّة وغايتها وحكم أربابها، وما يختصّ بذلك من الأسرار والنكت العلميّة بلسان الحجّة الإلهيّة على سبيل الإجمال، ثم أبيّن أنّ العلم الصحيح ـ الذي العلوم النظرية وغيرها من بعض أحكامه، وصفاته عند المحقّقين من أهل الله ـ ما هو؟ وبما ذا يحصل؟ وما أثره؟ وما حكمه؟ ثمّ أذكر بعد ذلك ما سبق الوعد بذكره إن شاء الله تعالى.

ولو لا أنّ هذه المقدّمة من جملة أركان التمهيد الموضّح سرّ العلم ومراتبه وما سبق الوعد ببيانه، لم أوردها في هذا الموضع ولم أسلك هذا النوع من التقرير، ولكن وقع ذلك تنبيها للمحجوبين بأنّ الإعراض عمّا توهّموه حجّة وصفة كمال وشرطا في حصول العلم اليقيني ،

وأنّه أتمّ الطرق الموصلة إليه ليس عن جهل به وبمرتبته بل لقلّة جدواه وكثرة آفاته وشغبه، وإيثارا وموافقة لما اختاره الحقّ للكمّل من عباده وأهل عنايته.


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!