موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

سرّ التربية

 

 


وأمّا التربية فهي حقيقة كلّيّة تتضمّن معظم أسرار التدبير الوجودي والحكم الكوني والربّاني، وهي وإن اندرجت من بعض الوجوه فيما مرّ ذكره، فلها امتياز من وجوه شتّى.

منها أنّ الإبقاء قد يحصل بمنع ما ينافي البقاء عن أن يغلب الشيء الذي يراد بقاؤه ويقهره بحيث يذهب عينه أو يخفى ويضعف حكمه، وقد يكون بإمداد ما يوجب غلبة الضدّ المقتضي للفناء، وعلى كلّ حال فأنا أبيّن سرّ التربية وأدرج فيه جملا من الأسرار الربانيّة و الكونيّة المتعلّقة بهذا الباب ممّا يعظم نفعه وتجلّ جدواه، والله الهادي، فأقول :

التربية مخصوصة بالأغذية التي يدوم بها الحياة والبقاء، والغذاء عبارة عمّا به قوام الصورة الوجوديّة والحياة القائمة بها، وله ظاهر وباطن.

فلمطلق الصورة الوجوديّة الأعيان وأحكامها، وللصورة المتشخّصة من حيث الظاهر المشابه لما منه تركيب الصورة الظاهرة، ومن حيث الباطن ما لا تعرف تلك الحقيقة إلّا به ولا تظهر ذاتها أو حكمها بدونه، وما عدا هذين الأصلين فتبع لهما وفرع عنهما.

ونسبة كلّ صورة كونيّة معيّنة إلى مطلق الصورة الوجوديّة نسبة الأعضاء، ولكلّ واحد منها ارتباط بمرتبة روحانية من مراتب الأرواح، ولكلّ روح استناد إلى حقيقة إلهيّة من الأسماء، وللحقائق نسب مختلفة توجب في الأرواح قوى مختلفة، يظهر سرّ ذلك وأثره في مظاهر الأرواح من الصورة العلويّة وغيرها، بواسطة الحركات والتشكلات والامتزاجات المعنويّة والروحانيّة والصوريّة، الفلكيّة والكوكبيّة وسواها، وبين الجمع تناسب من وجه، وتنافر من وجه آخر.

ومحلّ سلطنة الاسم، «الربّ» وحكمه في كلّ وقت من ذلك كلّه الغالب ظهورا ومناسبة وقوّة وهكذا الأمر في الصور الإنسانيّة، بمعنى أنّ لكلّ عضو من أعضاء الإنسان قوّة، ولكلّ قوّة ارتباط بحقيقة روحانيّة وأسمائيّة وكونيّة صوريّة مادّية، وكلّ آخذ من الكلّ، معط للكلّ، كلّ فرد لفرد آخر يناسبه، والنسب والرقائق والإضافات تنشأ فيما بين ذلك، ويظهر حكمها، وهكذا الأمر في مطلق الصورة الوجوديّة مع الحقائق الغيبيّة التي هي الصورة المعنوية التي طابقتها هذه الصورة الظاهرة العامّة الكونيّة.

ويمتاز الإنسان من بين سائر الصور الوجوديّة بعدّة أمور، منها أنّ لكلّ ما عداه غذاء خاصّا من حيث مرتبة خاصّة على وجه خاصّ لا يتعدّاه ولا يتأتّى له التغذّي بسواه، والإنسان بجمعيّته وإطلاقه يتغذّى بجميع أنواع الأغذية، هذا له من حيث صورته، وغذاؤه من حيث معناه وباطنه قبوله جميع أحكام الحقائق وآثار الأسماء والنسب، وظهوره بها، وإظهاره كلّها والاتّصاف بجميعها.

واعلم، أنّ الغذاء ـ على اختلاف ضروبه وأنواعه ـ مظهر صفة البقاء، وهو من سدنة الاسم «القيّوم» ولا يتغذّى شيء بمنافيه من الوجه المنافي، والمراد من التغذّي حبّ دوام ظهور الاسم «الظاهر» وأحكامه.

وسرّ التفصيل في عين الجمع بتجلّي الاسم النوري الذي هو الوجود والتنزّه عنه إشارة إلى عود التجليات عند انسلاخها من ملابس أحكام المتجلّى له، وانتهاء حكمها فيه إلى معدنها الذي هو الغيب الذاتي والمرتبة المشار إليها بقوله : «كنت كنزا مخفيّا لم أعرف» الحديث، ومقام : «كان الله ولا شيء معه» و «الله غنيّ عن العالمين» ونحو ذلك، وقد سبق في ذلك تنبيهات كافية.

فمتى كاد الاسم «الظاهر» أن يميل من مقام اعتداله ميلا يوجب انصباغ الباطن بحكمه ؛ لكونه صاحب الوقت والغاية، أظهر الاسم «الباطن» قوّته وغناه الذاتيّ.

ومتى بالغ «الباطن» في ترجيح مرتبة بنسبة غناه ونزاهته، أظهر «الظاهر» سرّ توقّف

معرفته عليه، وكون الظاهر مطلوبا للباطن والظاهر مستغن، فلا تزال المجاذبة والمقارعة واقعة بين المرتبتين.

والحافظ للحدّ ـ أعني الإنسان الكامل ـ برزخ بين الحضرتين، جامع لهما، بيده الميزان في قبّة أرين، دائم النظر إلى عين الميزان، الذي هو مقام الاعتدال ونقطة وسط الدائرة.

فتراه حارسا واقيا حافظا بأحديّة الجمع صورة الخلاف، مظهرا ناظما فاصلا يطلب من ربّه أن يجوع يوما ويشبع يوما، تأسّيا بصورة الأصل، وتطبيقا تناسبيّا بين حكم الحقائق الغيبيّة المجرّدة الباطنة والموادّ الصوريّة التركيبيّة الظاهرة ؛ فإنّ العصمة من لوازم الاعتدال وأحكامه على اختلاف مراتب الاعتدال المعنويّة والروحانيّة والطبيعيّة بالنسبة إلى الصور البسيطة و المركّبة، وضدّ الاعتدال ـ حيث كان ـ يلزمه الفناء والاختلال والتحليل وظهور الأحكام الشيطانيّة ونحو ذلك، فاعتبر ما ذكرته لك كلّيّا عامّا وجزئيّا في كلّ مرتبة وصورة معيّنة، وعضو ظاهر وباطن، وأمر طبيعي أو روحاني، تستشرف على أسرار غريبة عزيزة، عظيمة الجدوى.


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!