موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

حضرات الرحمة

 

 


اعلم، أنّ الحضرات الكلّيّة المختصّة بالرحمة ثلاث : حضرة الظهور، وحضرة البطون، وحضرة الجمع. وقد سبق التنبيه عليها في شرح مراتب التمييز، وفي مواضع أخر أيضا.

وكلّ موجود فله هذه المراتب ولا يخلو عن حكمها، وعلى هذه المراتب الثلاث تنقسم أحكام الرحمة في السعداء والأشقياء، والمتنعّمين بنفوسهم دون أبدانهم، كالأرواح المجرّدة وبالعكس، والجامعين بين الأمرين والسعداء في الجنّة أيضا من حيث نفوسهم بعلومهم دون صورهم ؛ لكونهم لم يقدّموا في جنّة الأعمال ما يستوجبون به النعيم الصوري، وإن كان، فنزر يسير بالنسبة إلى سواهم، وعكس ذلك كالزهّاد والعبّاد الذين لا علم لهم بالله، فإنّ أرواحهم قليلة الحظّ من النعيم الروحاني، لعدم المناسبة بينهم وبين الحضرات الإلهيّة العلميّة، ولهذا ـ أي لعدم المناسبة ـ لم يتعلّق هممهم زمان العمل بما وراء العمل وثمرته، بل ظنّوه الغاية، فوقفوا عنده واقتصروا عليه، رغبة فيما وعدوا به أو رهبة ممّا حذّروا منه.

وأمّا الجامعون بين النعيمين تماما فهم الفائزون بالحظّ الكامل في العلم والعمل كالرسل ـ صلوات الله عليهم ـ ومن كملت وراثته منهم أعني الكمّل من الأولياء.

ولمّا كانت الرحمة عين الوجود، والوجود هو النور، والحكم العدميّ له الظلمة، كما نبّهتك عليه، كان كلّ من ظهر فيه حكم النور أتمّ وأشمل، فهو أحقّ العباد نسبة إلى الحقّ وأكمل، ولهذا سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ربّه أن ينوّر ظاهره، وعدّد الأعضاء الظاهرة كالشعر والجلد واللحم وغير ذلك، ثمّ عدّد القوى الباطنة كالقلب والسمع والبصر، فلمّا فرغ من التفصيل، نطق بلسان أحديّة جمعه، فقال : «اجعل لي نورا واجعلني نورا» . وهذا هو عموم حكم الرحمة ظاهرا وباطنا، وإجمالا وتفصيلا من جميع الوجوه.

وصاحب هذا المقام لا يبقى فيه من الحكم الإمكاني الذي له وجه إلى العدم إلّا نسبة واحدة من وجه واحد، بها تثبت عبوديّته، وبها يمتاز عمّن هو على صورته، وتذكّر تعريف الحقّ سبحانه نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه أرسل رحمة للعالمين، وأنّه بالمؤمنين رؤوف رحيم، وتضرّع إلى الله في أن ترث من هذا السيد الأكمل هذا المقام الأشرف الأفضل، وصاحبه هو الإنسان الكامل، والحال المذكور هو من أكبر أجزاء حدّ الكمال، ومن أتمّ الأوصاف المختصّة به ،

فاعلم ذلك. ثم نرجع إلى ما كنّا بسبيله، فنقول :

وهكذا الأمر في جهنّم ؛ فإنّ المؤمن لا تؤثّر النار في باطنه، والمنافق لا يعذّب في الدرك الأعلى المتعلّق بالظاهر، بل في الدرك الأسفل المختصّ بالباطن، والمشرك يعذّب في الدرك الأعلى والأسفل، في مقابلة السعيد التامّ السعادة.

وهنا أمور لا يمكن ذكرها يعرفها اللبيب ممّا سبقت الإشارة إليه من قبل. ولهذه الأقسام تفاصيل وأحكام يفضي ذكرها إلى بسط كثير، فأضربت عن ذكرها لذلك، واقتصرت على هذا القدر، وسأذكر عند الكلام على قوله : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) ما يبقى من جمل أسرار هذا المقام حسب ما تستدعيه الآية ويقدّره الحقّ ـ إن شاء الله تعالى

ثم لتعلم أنّ التخصيص الذي هو حكم الاسم «الرّحيم» على نوعين تابعين للقبضتين كما مرّ بيانه :

أحدهما : تخصيص أسباب النعيم لأهل السعادة برفع الشوائب، كما أخبر به الحقّ بقوله : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ)، فإنّ الدنيا دار جمع ومزج، فهي للمؤمنين في الدنيا ممزوجة بالأنكاد والأحكام الموطنيّة، وهي لهم في الآخرة خالصة.

فالاسم «الرّحيم» هو المصفّي أسباب النعيم وسوابغ الإحسان عن شوائب الأكدار والأنكاد.

والنوع الآخر من التخصيص هو مطلق تمييز السعداء من الأشقياء و التخليص من حكم التشابه الحاصل في الدنيا، بسبب عموم حكم الاسم «الرّحمن» وما للأشقياء في الدنيا من النعيم والراحة ونحوهما من أحكام الرحمة، وبضدّ ذلك لسعداء المؤمنين من الآلام والأنكاد.

وأيضا فالرحمن عامّ المعنى، خاصّ اللفظ، والرحيم عام اللفظ، خاصّ المعنى، على

رأي جماعة من أكابر علماء الرسوم، وهذا القول من وجه موافق لبعض ما أشرنا إليه بلسان التحقيق وإن لم يكن من مشرب أهل الظاهر، فافهم.

وانظر إلى كمال معرفة الرسل ـ صلوات الله عليهم ـ بالأمور وقول الخليل ـ على نبيّنا وعليه أفضل الصلاة ـ الذي حكاه الحقّ لنا عنه في كتابه العزيز لأبيه : (يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ) فراعى ـ صلوات الله عليه ـ من له الحكم من الأسماء على أبيه يومئذ وهو الاسم «الرّحمن» فإنّه كان في سلامة وراحة، فنبّهه على أنّ الاسم «الرّحمن» اسم جامع وتحت حيطته أسماء لها أحكام غير الرحمة تظهر بحكم التخليص الرحمي في دار الفصل فتمتاز حصة الرحمة الخالصة عن كلّ ما ينافيها وتظهر خاصّيّة كلّ اسم بحسبه، فكأنّه قال له : لا تغترّ بما أنت عليه من الأمن والدعة ؛ فإنّ الاسم «المنتقم» إذا انفصل عنه حكم الاسم «الرّحمن» بالتمييز والتخليص المذكور، ظهرت لك أمور شديدة تخالف ما أنت عليه الآن، فاستدرك مادام الأمر والوقت موافقين، فحجب الله إدراكه عن معرفة ما أشار الخليل إليه ليقضي الله أمرا كان مفعولا.

وهنا سرّ عزيز أنبّه عليه ونختم به الكلام على هذه الآية، وهو أنّ التخصيص المضاف إلى الاسم «الرحيم» هو حكم الإرادة ؛ فإنّ الإرادة ـ كما بيّنّا ـ من الأسماء الأصليّة الأول، والرحيم وإن عدّ من الكلّيّات باعتبار ما تحت حيطته، فهو من الأسماء التالية للأمّهات الأول المذكورة.

ثم التخصيص المنسوب إلى الإرادة هو في التحقيق الأتمّ من حكم العلم ؛ إذ لو توقّف كلّ تخصيص على الإرادة، لكان نفس تخصيصها بكونها إرادة إمّا أن يتوقّف عليها، فيفضي إلى توقّف الشيء على نفسه وكونه سببا لنفسه، وهذا لا يصحّ أو يتوقّف على إرادة أخرى، متقدّمة على هذه الإرادة، والكلام في تلك كالكلام في هذه، فيفضي الأمر إلى الدور أو التسلسل، وكلاهما محال في هذه الصورة، ولكان تخصيص العلم والحياة أيضا متوقّف

على الإرادة، مع ثبوت تبعيّتها لهما وتأخّر مرتبتهما عن مرتبتهما، ولا يصحّ ذلك، فالإرادة، في التحقيق تعلّق خاصّ للذات، يتعيّن بالعلم وتظهر التخصيصات الثابتة في العلم، لا أنّها تخصيص ما لم يثبت تخصيصه في العلم، والعلم من كونه علما تعلق خاصّ من الذات، يتعيّن حكمه في المعلوم والمراد بحسبهما، فمعقوليّة القبول من الممكن لنسبة الترجيح الإيجادي ولوازمه تعيّن الحكم العلمي المعيّن لنسبة الإرادة والاختيار وأحكامهما، فافهم.

ولهذا المقام أسرار يحظى بها الأمناء، الذين رقوا بقدمي الصدق والعناية إلى ذروته، فإن كنت من أهل الهمم العالية والاستعدادات التامّة، فتوجّه إلى الحقّ في أن يطلعك على مخزن هذه الأسرار، وينبوع هذه الأنوار، فإن منحت الإجابة فارق وانظر وتنزّه ولا تنطق (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) .

قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) يتضمّن عدّة مسائل : إحداها سرّ الملك، وسرّ اليوم، وسرّ الدين، من كونه يدلّ على العبادة، وعلى الجزاء، وعلى الانقياد وعلى غير ذلك ممّا ننبّه عليه ـ إن شاء الله تعالى ـ فلنبدأ أوّلا ـ بعون الله ـ بالكلام على هذه الأمور من حيث الانفراد، ثم من حيث الجمع كما فعلت ذلك فيما مرّ، فنقول :


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!