موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

سرّ الملك

 

 


الملك : القوّة والشدّة، ويطلق على القدرة أيضا، والتصرّف. وملك الطريق في اللغة : وسطه، وملك الدابّة ـ بضم الميم واللام ـ : قوائمها وهاديها أيضا. والملكوت مبالغة ؛ لكونه يشمل الظاهر والباطن.

وهذه المعاني التي تتضمّنها هذه الكلمة كلّها صادقة في حقّ الحقّ سبحانه وتعالى ؛ فإنّ الحقّ ذو القوّة المتين، والهادي القيّوم، والقادر على كلّ شيء، والفاعل ما يشاء، ومن بيده ملكوت كلّ شيء. وفي الملكوت سرّ لطيف، وهو أنّه مبالغة في الملك، والملك يتعلّق

بالظاهر دون الباطن ؛ لأنّ الملك والمالك من الخلق لا يمكنهما ملك القلوب والبواطن، بخلاف الحقّ سبحانه ؛ فإنّه يملكهما جميعا. أمّا باطنا فلأنّ «القلب بين إصبعين من أصابعه يقلبه كيف يشاء» وكلّ ظاهر في باب الفعل والتصرّف فتبع للباطن، فملك الباطن يستلزم ملك الظاهر دون العكس.

ولهذا نجد من الناس من إذا أحبّ أحدا، انفعل له بباطنه وظاهره، وإن لم يكن المحبوب ملكه وسلطانه، ولا سيّده ومالكه بالاصطلاح المتقرّر.

على أنّ التحقيق الكشفي أفاد أنّ كلّ محبّ فإنّما أحبّ في الحقيقة نفسه، ولكن قامت له صورة المعشوق كالمرآة لمشاهدة نفسه من حيث المناسبة التامّة والمحاذاة الروحانيّة، فكان المسمّى معشوقا شرطا في حبّ المحبّ نفسه، وفي تأثيره في نفسه.

ومن أسرار ذلك أنّ الإنسان نسخة جامعة مختصرة من الحضرة الإلهيّة والكونيّة، وكلّ شيء فيه كلّ شيء وإن لم يتأتّ إدراكه على التعيين لكلّ أحد ؛ للقرب المفرط والإدماج الذي توجبه غلبة حكم الوحدة على الكثرة، فإذا قام شيء بشيء في مقام المحاذاة المعنويّة والروحانيّة كالمرآة إمّا منه أو ممّا يناسبه، صار ذلك القدر من الامتياز والبعد المتوسّط مع المسامتة سببا لظهور صورة الشيء فيما امتاز به عنه، أو عن مثله فأدرك نفسه في الممتاز عنه، وتأتّى له شهودها ؛ لزوال حجاب القرب والأحديّة، فأحبّ نفسه في ذلك الأمر الذي صار مجلاه، فافهم.

ولهذا المقام أسرار أخر شريفة جدّا لا يقتضي هذا الموضع ذكرها، وإنّما هذا تنبيه وتلويح.

ثم نقول : وقد قرئ ـ كما علمت ـ ملك يوم الدّين و (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ولكلّ منهما من حيث اللغة معان ينفرد بها لا يشاركه فيها غيره.

وأهل الظاهر قد ذكروا بينهما فروقا شتّى، ورجّح بعضهم قراءة «ملك» ورجّح آخرون قراءة «مالك» بالألف، واستدلّ كلّ منهم على صحّة ما اختاره بوجوه تقتضيها اللسان، ولست ممّن ينقل هنا تفاصيل مقالاتهم غير أنّي أذكر من ذلك ما يفهم منه الفرق بين

الكلمتين، ليتّضح بذلك حكم اللسان، ثم أتكلّم بما فتح الحقّ به عليّ في ذلك وما يقتضيه ذوقي، ولو لا قصد تطبيق الأمور الذوقيّة على ما يقتضيه المفهوم من حيث الاصطلاح اللغوي، لم أورد شيئا من كلام أهل النقل، ولكن قد استثنيت في أول التزامي المذكور في مقدّمة الكتاب هذا القدر لهذه الحكمة التي نبّهت عليها، فأقول :

من جملة ما ذكروا في الفرق بين الملك والمالك أنّ المالك مالك العبد، والملك ملك الرعيّة، والعبد أدون حالا من الرعيّة، فوجب أن يكون القهر في المالكيّة أكثر منه في الملكيّة، فالمالك إذا أعلى حالا من الملك، والملك يملك من بعض الوجوه مع قهر وسياسة، والمالك يملك على كلّ حال، وبعد الموت له الولاء.

وقالوا أيضا : الحقّ تمدّح بكونه مالك الملك ـ بضمّ الميم ـ ولم يتمدّح بكونه ملك الملك ـ بكسر الميم ـ وذلك قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) ؛ فثبت أنّ المالك أشرف من الملك.

وقالوا أيضا : الملك قد يكون مالكا وقد لا يكون مالكا، كما أنّ المالك قد يكون ملكا وقد لا يكون، فالملكيّة والمالكيّة قد تنفكّ كلّ واحدة منهما عن الأخرى إلّا أنّ المالكيّة سبب لإطلاق التصرّف، والملكيّة ليست كذلك، فكان المالك أولى.

اعلم، أنّه لمّا كان سائر المفهومات التي تتضمّنها هذه الكلمة من صفات الكمال ـ بالألف وبدونه ـ كلّها ثابتة للحقّ، لهذا وردت القراءة بالروايتين، فإنّ الجمع أولى وأكمل، و لمّا كان أمر الحقّ واحدا، والترجيح في كلّ مرتبة من مراتب الأسماء والصفات لا يصحّ إلّا لشيء واحد من نسبة واحدة، فبذلك الأمر الراجح يصل الأمر الإلهي الوحداني إلى غيره من الأشياء المرجوحة، في ذلك المقام وتلك المرتبة، وهو مظهر الحقّ، وحامل سرّ الربوبيّة والتحكّم على ما تحت حيطته حالتئذ، كما ذكر من قبل، ويذكر أيضا عن قريب ـ إن شاء الله ـ اقتضى الأمر الذوقي ترجيح إحدى القراءتين مع جواز القراءة بهما.

ومتعلّق ذلك الترجيح القراءة ب «ملك يوم الدّين» دون «مالك» ؛ لأسرار تقتضيها قواعد التحقيق :

أحدها : أنّ المالك مندرج في الاسم «الربّ» فإنّ أحد معاني الاسم «الربّ» في اللسان المالك، والقرآن العزيز ورد بسرّ الإعجاز والإيجاز، فلو ترجّحت القراءة بمالك، لكان ذلك نوع تكرار ينافي الإيجاز، والكشف التامّ أفاد أن لا تكرار في الوجود، فوجب ترجيح القراءة إذا ب «ملك» دون «المالك» ،

والسرّ الآخر فيما ذكرنا يظهر بعد التنبيه على مقدّمتين :

إحداهما : استحضار ما ذكرت أنّ الآخر نظير الأوّل، بل هو عينه ؛ فإنّ الخواتم عين السوابق.

والمقدّمة الأخرى : أنّ جميع الأمور الحاصلة في الوجود لم تقع عن اتّفاق، بل بترتيب إلهي مقصود للحقّ، وإن جهلته الوسائط والمظاهر.

وليس في قوّة الممكنات المتّصفة بالوجود في كلّ وقت قبول ما هو أشرف من ذلك ولا أكمل، فإن لم تهتد العقول إلى سرّ ذلك الترتيب وسرّ الحكم الإلهيّة المودعة فيه، فذلك للعجز الكوني والقصور الإمكاني، وقد لوّحت بشيء من ذلك على سبيل التنبيه والتذكرة عند الكلام على أسرار حروف البسملة.

وإذا تقرّر هذا، فأقول : آخر سور القرآن في الترتيب الإلهي الواقع المستمرّ الحكم ـ سواء عرف ذلك حال الترتيب أو لم يعرف ـ هو (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) وهذا الاسم ورد في هذه السورة بلفظ «الملك» دون «المالك» وذكر عقيب الاسم «الربّ» مع عدم جواز القراءة فيها ب «مالك»، فدلّ على أنّ القراءة ب «ملك» أرجح.

وأيضا فإنّ الحقّ يقول في آخر الأمر عند ظهور غلبة الأحديّة على الكثرة في القيامة الكبرى، والقيامة الصغرى الحاصلة للسالكين عند التحقيق بالوصول، عقيب انتهاء السير وحال الانسلاخ : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) والحاكم على الملك هو الملك، فدلّ على أنّه أرجح.

وأيضا فالأسماء المستقلّة، لها تقدّم على الأسماء المضافة، والاسم «الملك» ورد مستقلّا بخلاف «المالك» وممّا يؤيّد ذلك أنّ الأسماء المضافة لم تنقل في أسماء الإحصاء الثابتة بالنقل، مثل قوله عزوجل : (فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) و (ذِي الْمَعارِجِ) وشبههما.

وأيضا فالأحاديث النبويّة مبيّنات لأسرار القرآن، ومنبّهات عليها، وقد ورد في الحديث في بعض الأدعية النبويّة «لك الحمد لا إله إلّا أنت ربّ كلّ شيء وملكه » ولم يرد و «مالكه» وهذا السياق مناسب لسياق الأسماء المذكورة في أوّل الفاتحة.

وأيضا ما ذكروه في ترجيح المالك على الملك ـ من أنّ المالك مالك العبد، وأنّه مطلق التصرّف فيه، بخلاف الملك فإنّه إنّما يملك بقهر وسياسة ومن بعض الوجوه ـ فقياس لا يصحّ ولا يطّرد إلّا في المخلوقين لا في الحقّ ؛ فإنّه من البيّن أنّه مطلق التصرّف، وأنّه يملك من جميع الوجوه، فلا تقاس ملكيّة غيره عليه، ولا تضاف النعوت والأسماء إليه إلّا من حيث أكمل مفهوماتها، وسيّما مما سبق وضوحه بالشرع والبرهان، فاعلم، فدلّ ذلك على ترجيح القراءة بملك يوم الدّين.

وأمّا سرّ المالك من حيث الباطن فقد اندرج فيما ذكرته في شرح الاسم «الربّ» فأغنى ذلك عن الإعادة، فافهم وتذكّر، والله المرشد.


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!