موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

سرّ اليوم

 

 


لا بدّ قبل الشروع في الكلام على أسرار هذه الكلمة من تقديم مقدّمة تكون مذكّرة ببعض ما سلف من الأصول المنبّهة على حقيقة الزمان وما يختصّ به وما [هو] مستنده في الإلهيّات، فأقول :

قد علمت ممّا مرّ أنّ الغيب الإلهي المطلق لا يحكم عليه بالتناهي ولا التعيين ولا التقييد ولا غير ذلك، وأنّ الممكنات غير متناهية، لكنّ الداخل في الوجود من الممكنات والظاهر

من الغيب الذاتي ـ في كلّ وقت ومرتبة وحال وموطن، وبالنسبة إلى كلّ اسم ـ لا يكون إلّا أمرا متعيّنا ذا بداية وغاية مقدّرة.

والحقائق الكلّيّة والأسماء الإلهيّة الحاكمة في الأكوان متناهية الأحكام، لكنّ بعضها ينتهي حكمه جملة واحدة، وبعضها ينتهي حكمه من الوجه الكلّي لا الجزئي التفصيلي.

وبيّنت أيضا أنّ الإنسان متعيّن متميّز متقيّد بعدّة أمور وصفات لا يمكنه الانفكاك عن كلّها لكن عن بعضها، فكلّ ما يصل إليه من غيب الحقّ من تجلّ وخطاب وحكم فإنّه يرد بحسبه، وينصبغ بحكم حاله ومرتبته، ومبدأ الحكم الإلهي ومنشأه هو من التعيّن الأوّل، وله النفوذ والاستمرار على نحو ما بيّن من قبل.

وإذا وضح هذا، فنقول : أصل الزمان الاسم «الدهر» وهو نسبة معقولة كسائر النسب الأسمائيّة والحقائق الكلّيّة، وهو من أمّهات الأسماء، ويتعيّن أحكامه في كلّ عالم بحسب التقديرات المفروضة، المتعيّنة بأحوال الأعيان الممكنة وأحكامها وآثار الأسماء ومظاهرها السماوية والكوكبيّة.

ولمّا امتاز كلّ اسم ـ من حيث تقيّده بمرتبة معيّنة ـ بأحكام مخصوصة ينفرد بها مع اشتراكه مع غيره من الأسماء في أمور أخر، اقتضى الأمر أن يكون محلّ نفوذ أحكام كلّ اسم ومعيّنات تلك الأحكام أعيانا مخصوصة من الممكنات هي مظاهر أحكامه ومحلّ ربوبيّته فإذا انتهت أحكامه المختصّة به في الأعيان القابلة لتلك الأحكام من الوجه الذي يقتضي لها الانتهاء، كانت السلطنة لاسم آخر في أعيان أخر، وتبقى أحكام ذلك الاسم إمّا خفيّة في حكم التبعيّة لمن له السلطنة من الأسماء، وإمّا أن ترتفع أحكامه، ويندرج هو في الغيب، أو في اسم آخر أتمّ حيطة منه وأدوم حكما، وأقوى سلطانا ؛ هكذا الأمر على الدوام في كلّ عالم ودار وموطن، ولهذا اختلفت الشرائع والإلقاءات والتجلّيات الإلهيّة، وقهر ونسخ بعضها بعضا مع صحّة جميع ذلك وأحديّة الأصل وحكمه من حيث هو وأمره، فافهم.

ولا تكون السلطنة والغلبة في كلّ وقت بالنسبة إلى كلّ مرتبة وموطن وجنس ونوع وعالم إلّا لاسم واحد، ويبقى حكم باقي الأسماء في حكم التبعيّة كما أشرت إلى ذلك غير مرّة ؛ لأنّ السلطان لله وحده، والألوهيّة الحاكمة الجامعة للأسماء واحدة وأمرها واحد ،

فمظهر ذلك الأمر في كلّ وقت وحال لا يكون إلّا واحدا ؛ إذ بالوحدة الإلهيّة يحصل النظام، ويدوم حكمه في الموجودات جميعها وإليه الإشارة بقوله عزوجل : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَت) وهذا من البيّن عند المحقّقين.

وإلى هذا الأصل يستند القائلون بالطوالع في أحكام المواليد وغيرها، فيجعلون الحكم مضافا إلى أوّل ظاهر من الأفق حين الولادة والشروع في الأمر والانتهاء إليه، وما سوى الأوّل الذي له السلطنة حينئذ فتبع له، ومنصبغ بحكمه، فافهم.

وقد عرفت أنّ الحقّ هو الأوّل والظاهر، وقد نبّهت في هذا الكتاب على كثير من أسرار الأوّليّة في غير موضع منه، فتذكّر ترشد ـ إن شاء الله تعالى

ثم نقول : فتعيين الأوقات والأيّام والشهور والأعوام والأدوار العظام، كلّها تابعة لأحكام الأسماء والحقائق المذكورة، والعرش والكرسي والأفلاك والكواكب مظاهر الحقائق والأسماء الحاكمة المشار إليها ومعيّنات لأحكامها ؛ فبالأدوار تظهر أحكامها الكلّيّة الشاملة المحيطة، وبالآنات تظهر أحكامها الذاتيّة من حيث دلالتها على المسمّى وعدم مغايرتها له، كما بيّنّا ذلك من قبل، وما بين هاتين المرتبتين من الأيّام والساعات والشهور والسنين فيتعيّن باعتبار ما يحصل بين هذين الأصلين من الأحكام المتداخلة، وما يتعيّن بينهما من النسب والرقائق، كالأمر في الوحدة التي هي نعت الوجود البحت، والكثرة التي هي من لوازم الإمكان، والموجودات الظاهرة بينهما والناتجة عنهما، فافهم.

وانظر اندراج جميع الصور الفلكيّة وغيرها في العرش مع أنّه أسرعها حركة، وكيف يتقدّر بحركته الأيّام؟! وارق منه إلى الاسم «الدهر» من حيث دلالته على الذات وعدم المغايرة كما بيّنّا، واعتبر الآن الذي هو الزمن الفرد غير المنقسم، فإنّه الوجود الحقيقي وما عداه فأمر معدوم سواء فرض ماضيا أو مستقبلا، فللوجود الآن، وللدور حكم الكثرة والإمكان، ولمعقوليّة الحركة التعلّق الذي بين الوجود الحقّ وبين الأعيان، فبين الآن والدوران المدرك مظهره في العيان، وبين الوجود والإمكان المدرك بالكشف والمعقول في

الأذهان تظهر الأكوان والألوان، وتتفصّل أحكام الدهر والزمان، فمستند الأدوار «أكتب علمي في خلقي إلى يوم القيامة» ومستند الآن ومحتده «كان الله ولا شيء معه» وقوله : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) فافهم.

فبالآن تتقدّر الدقائق، وبالدقائق تتقدّر الدرج، وبالدرج تتقدّر الساعات، وبالساعات يتقدّر اليوم، وتمّ الأمر بهذا الحكم الرباعي والسرّ الجامع بينهما.

فإن انبسطت سمّيت أسابيع وشهورا وفصولا وسنين، وإلّا كان الزائد على اليوم تكرارا، كما أنّ ما زاد على السنة في مقام الانبساط تكرار.

ومن تحقّق بالشهود الذاتي، وفاز بنيل مقام الجمع الأحدي لم يحكم بتكرار ولم ينتقل من حكم الآن إلى الأدوار ؛ فإنّ ربّه أخبره أنّه (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) فلمّا أضاف اليوم إلى الهو، عرف شهودا وإخبارا أنّه الآن الذي لا ينقسم ؛ لأنّ يوم كلّ مرتبة واسم بحسبه وللهو الذات الوحدة التي تستند إليها المرتبة الجامعة للأسماء والصفات، ومن هذا المقام يستشرف هذا العبد وأمثاله على سرّ قوله عزوجل : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) فيعلم الأقرب أيضا ويشهده وإن لم يكيفه، فاعلم، والله المعلّم الهادي.


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!