موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

سرّ (الدِّينِ)

 

 


هذه الكلمة لها أسرار كثيرة لا تتشخّص في الأذهان، ولا تنجلي لأكثر المدارك والأفهام، إلّا بعد استحضار عدّة مقدّمات عرفانيّة ذوقيّة يجب تقديمها قبل الكلام عليها بلسان التفصيل، وحينئذ نذكر ما تشتمل عليه من المعاني ـ إن شاء الله تعالى ـ وليست فائدة هذه المقدّمات مقصورة على فهم ما تتضمّنه هذه الكلمة من الأسرار المنبّهة عليها، بل هي عامّة الفائدة ينتفع بها فيما سبق من الكلام وما يذكر من بعد وفيما سوى ذلك.

وإذا عرفت هذا، فنقول : اعلم، أنّ الصفات والنعوت ونحوهما تابعة للموصوف والمنعوت بها بمعنى أنّ إضافة كلّ صفة إلى موصوفها إنّما تكون بحسب الموصوف ،

وبحسب قبول ذاته إضافة تلك الصفة إليها، والحقّ سبحانه وإن لم يدرك كنه حقيقته، فإنّه قد علم بما علّم وأخبر وفهّم أنّ إضافة ما تصحّ نسبته إليه من النعوت والصفات لا تكون على نحو نسبتها إلى غيره ؛ لأنّ ما سواه ممكن، وكلّ ممكن فمنسحب عليه حكم الإمكان ولوازمه، كالافتقار والقيد والنقص ونحو ذلك وهو سبحانه من حيث حقيقته مغاير لكلّ الممكنات (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) فإضافة النعوت والصفات إليه إنّما تكون على الوجه المطلق الكلي الإحاطي الكامل.

ولا شكّ أنّ العلم من أجلّ النسب والصفات، فإضافته ونسبته إلى الحقّ إنّما تكون على أتمّ وجه وأكمله وأعلاه، فلا جرم شهدت الفطر بنور الإيمان، والعقول السليمة بنور البرهان، والقلوب والأرواح بأنوار المشاهدة والعيان بأنّه لا يعزب عن علمه علم عالم، ولا تأويل متأوّل، ولا فهم فاهم ؛ لإحاطة علمه بكلّ شيء كما أخبر وعلّم.

وكلامه أيضا صفة من صفاته أو نسبة من نسب علمه على الخلاف المعلوم في ذلك بين أهل الأفكار، لا بين المحقّقين من أهل الأذواق. والقرآن العزيز هو صورة تلك الصفة، أو النسبة العلميّة ـ كيف قلت ـ فله الإحاطة أيضا كما نبّه على ذلك بقوله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) وبقوله أيضا : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) فما من كلمة من كلمات القرآن ممّا يكون لها في اللسان عدّة معان إلّا وكلّها مقصودة للحقّ، ولا يتكلّم متكلّم في كلام الحقّ بأمر يقتضيه اللسان الذي نزل به، ولا تقدح فيه الأصول الشرعيّة المحقّقة، إلّا وذلك الأمر حقّ ومراد لله ،

فإمّا بالنسبة إلى الشخص المتكلّم، وإمّا بالنسبة إليه وإلى من يشاركه في المقام والذوق والفهم.

ثم كون بعض معاني الكلمات في بعض الآيات والسور يكون أليق بذلك الموضع وأنسب لأمور مشروحة من قرائن الأحوال كأسباب النزول وسياق الآية والقصّة أو الحكم، أو رعاية الأعمّ والأغلب من المخاطبين وأوائلهم، ونحو ذلك، فهذا لا ينافي

ما ذكرنا ؛ لما سبق التنبيه عليه في سرّ القرآن، وأنّ له ظهرا وبطنا وحدّا ومطلعا، ولبطنه بطن إلى سبعة أبطن وإلى سبعين.

وإذا تقرّر هذا، فلتعلم أنّ للفظة «الدّين» في اللسان عدّة معان، منها الجزاء، والعادة، والطاعة، والشأن، و «دانه» في اللغة : أذلّه واستعبده وساسه وملكه. والديّان : المالك، والدين : الإسلام أيضا، فهذه المعاني كلّها تتضمّنها لفظة «الدّين» وهي بأسرها مقصودة للحقّ، لكمال كلامه وإطلاقه وحيطته، وتنزّهه عن التقيّد بمفهوم خاصّ، أو معنى معيّن، كما مرّ بيانه.

وأنا أومئ ـ إن شاء الله ـ إلى ما ييسّر الحقّ ذكره من معاني هذه الكلمات بإشارات وجيزة كما فعلت ذلك فيما مرّ، ثمّ أبيّن معاقد أحكام هذه الآية من حيث الترتيب، وسرّ انتهاء القسم الأوّل من أقسام الفاتحة بانتهاء هذه الآية، ثم أنتقل إلى الآية الأخرى المشتملة على القسم الثاني ـ إن شاء الله تعالى ـ فلنبدأ أوّلا بشرح الجزاء الذي هو المفهوم الأوّل القريب من هذه الكلمة في هذا الموضع، مع أنّي أدرج فيه نكتا شريفة تنبّه على جمل من أسرار أحوال الآخرة وغيرها، فمن أمعن النظر فيما نذكره بنور الفطرة الإلهيّة، استشرف على أمور جليلة، عظيمة الجدوى، والله الهادي.

اعلم، أنّ الحقّ سبحانه ربط العوالم والموجودات ـ جليلها وحقيرها، كبيرها وصغيرها ـ بعضها بالبعض، وأوقف ظهور بعضها على البعض، وجعل بعضها مرائي ومظاهر للبعض، فالعالم السفلي بما فيه مرآة للعالم العلوي مظهر لآثاره، وكذلك العالم العلوي أيضا مرآة تتعيّن وتنطبع فيه أرواح أفعال العالم السفلي تارة، وصورها تارة، والمجموع تارة أخرى، وعالم المثال الكلّي من حيث تقيّده في بعض المراتب، ومن حيث عموم حكمه وإطلاقه أيضا مرآة لكلّ فعل وموجود ومرتبة، وانفرد الحقّ سبحانه بإظهار كلّ شيء على حدّ علمه به، لا غير، وجعل ذلك الإظهار تابعا لأحكام النكاحات الخمسة، التابعة للحضرات الخمس، وقد سبق التنبيه على كلّ ذلك، فظهور الموجودات ـ على اختلاف أنواعها وأشخاصها ـ متوقّف على سرّ الجمع النكاحي، على اختلاف مراتبه المذكورة، وأحكامه

المشار إليها من قبل.

وإذا عرفت هذا، فأقول : الجزاء المراد بيان سرّه، عبارة عن نتيجة ظاهرة بين فعل فاعل، وبين مفعول لأجله بشيء [وفي شيء] والباعث على الفعل هو الحركة الغيبيّة الإراديّة، التابعة لعلم المنبعث على الفعل. ولتلك الحركة بحسب علم المريد حكم يسري في الفعل الصادر منه، حتى ينتهي إلى الغاية التي تعلّق بها العلم، وعلّق بها الإرادة، فكلّ فعل يصدر من فاعل فإنّ مبدأه ما أشرت إليه، ولا بدّ له أيضا من أمر به تتعيّن الغاية وتظهر صورة الفعل، وإليه الإشارة بقولي : «مفعول لأجله بشيء وفي شيء، ولا بدّ له أيضا من نتيجة وأثر يكون متعلّقه غاية ذلك الفعل، وكما له.

وهذه الأمور تختلف باختلاف الفاعلين وقواهم وعلومهم ومقاصدهم ؛ وحضورهم ومواطنهم ونشآتهم، إن كانوا من أهل النشآت المقيّدة، والفاعل المطلق في الحقيقة لكلّ شيء وبكلّ شيء وفي كلّ شيء هو الحقّ، ولا يتصوّر صدور الفعل من فاعل ويكون خاليا عن أحكام هذه القيود النسبيّة المذكورة إلّا النشآت المقيّدة ؛ فإنّ أفعال الحقّ من حيث الأسماء والوجه الخاصّ وآثار الحقائق الكليّه والأرواح، لا تتوقّف على النشآت المقيّدة، ولكن تتوقّف على المظهر ولا بدّ إلّا أنّه ليس من شرط المظهر.

وأقرب من ينضاف إليه ذلك الفعل أن يكون عارفا بما ذكرنا أو حاضرا معه ؛ فإنّ من الأفعال ما إذا اعتبر بالنظر إلى أقرب من ينسب إليه سمّي لغوا وعبثا بمعنى أنّ فاعله ظاهرا لم يقصد به مصلحة مّا، ولا كان له فيه غرض، والشأن في الحقيقة ليس كذلك ؛ فإنّ فاعل ذلك الفعل في الحقيقة الذي لا فعل لسواه هو الحقّ عزوجل، ويتعالى أن ينسب إليه العبث ؛ فإنّه كما أخبر وفهّم (أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) بل له سبحانه في كلّ تسكينة وتحريكة حكم عجيبة، وأسرار غريبة، لا تهتدي أكثر الأفهام إليها، ولا تحيط العقول دون تعريفه بكنهها، ولا تستشرف النفوس عليها.

فلا بدّ لكلّ فعل من ثمرة وبداية وغاية، ولا بدّ أن يصحبه حكم القصد الأوّل والحضور

التابعين للعلم المتعلّق بالغاية كما مرّ، لكن للفعل ولمن ينسب إليه مراتب، فربما نعت الفعل في بعض المراتب بنعوت عرضت له من حيث النسبة والإضافة في مرتبة معيّنة أو حالة مخصوصة أو بحسب مراتب وأحوال، فيظنّ من لا يعرف السرّ أنّ الفعل يستند إلى فاعلين أو أنّ ذلك النعت ذاتي للفعل واجب الحكم عليه به على كلّ حال وفي كلّ مرتبة ظهر منها، وليس كذلك بل الأمر كما قلنا.

ثم اعلم، أنّ الأفعال على أقسام : ذاتيّة، وإراديّة، وطبيعيّة، وأمريّة.

والأمريّة على قسمين : قسم يتّحد بالأفعال الإراديّة ولا يغايرها، كفعال الملائكة والأرواح النوريّة، وقسم يخالف الإراديّة من بعض الوجوه كالتسخير المنسوب إلى الشمس والقمر وبعض الملائكة.

والطبيعيّة في التقسيم كالأمريّة، وتتّحد في بعض الصور بالنسبة إلى بعض الموجودات بالإراديّة كاتّحاد الأمرية بالإراديّة.

وثمّ قسم جامع لهذه الأقسام الستّة، وصدور هذه الأقسام الفعليّة من الموجودات على أنواع ؛ فإنّ من الموجودات ما يختصّ بقسم واحد من هذه الأقسام المذكورة، ومنها ما يختصّ بقسمين وثلاثة على الانفراد والتركيب، بمعنى أنّ أفعاله تصدر مركّبة من هذه الأقسام. أو يكون في قوّته أن يصدر منه بحسب كلّ قسم فعل أو أفعال شتّى، ومنها ما يجمع سائرها بالتفسير المذكور. ومظاهر هذه الأقسام الأرواح النوريّة والناريّة والصور العلويّة والعناصر وما تولّد عنها، وخصوصا الإنسان وما تولّد عنه في كلّ نشأة وحال وموطن ومقام.

وقد بقي من هذا الأصل أمر واحد وهو إسناد كلّ قسم من أقسام الأفعال إلى من يختصّ به من الموجودات على التعيين، والكلام عليه يستدعي بسطا وكشف أسرار لا يجوز إفشاؤها، ومن عرف من ذوي الاستبصار ما اومأت إليه، تنبّه لبعض ما سكتّ عنه ولما تركت ذكره، ثم نرجع إلى تتميم ما يختصّ بالإنسان من هذا الأصل، فإنّه العين

المقصودة والمثال الأتمّ والنسخة الجامعة. فنقول :

الإنسان جامع لسائر أقسام الفعل وأحكامها، وله من حيث مجموع صورته وروحه في الحياة الدنيا أفعال كثيرة، وله من حيث روحانيّته حال الانسلاخ بالمعراج الروحاني أفعال وآثار شتّى، تقتضي أمورا شتّى ونتائج جمّة، مع بقاء العلاقة البدنيّة والتقيّد من بعض الوجوه بحكم هذه الدار، وهذه النشأة العنصريّة، وله أيضا بعد مفارقة النشأة العنصريّة بالكلّيّة في نشأته البرزخيّة والحشريّة والجنانيّة وغيرها أفعال وأحوال مختلفة، ولكن كلّها تابعة للنشأة العنصريّة وناتجة عنها، وبتوسّطها تتعدّى أفعال الإنسان من الدنيا إلى البرزخ، ثم إلى الآخرة، وتتشّخص في الحضرات العلويّة، ويثبت ويدوم حكمها كيف كان الإنسان، وحيث كان من المراتب والعوالم والمواطن، فإنّه لا يعرى عن أحكام المزاج العنصري ولوازمه ونتائجه التي يظهر بها وفيها نفسه ؛ إذ لا غنى له عن مظهر. ومظاهر الإنسان لا تعرى عن حكم الطبيعة أبدا، فافهم.


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!