موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

وصل من هذا الأصل

 

 


اعلم، أنّ أهمّ ما يجب ذكره وبيانه من هذه التقاسيم كلّها هو أفعال المكلّفين، المضمون لهم عليها الجزاء وهم الثقلان ؛ وللحيوانات في ذلك مشاركة من جهة القصاص لا غير، وليس لها ـ على ما ورد ـ جزاء آخر ثابت مستمرّ الحكم. وأمّا الجنّ فنحن وإن كنّا لا نشكّ في أنّهم يجازون على أفعالهم، لكن لا نتحقّق أنّهم يدخلون الجنّة، وأنّ المؤمن منهم يجازى على ما عمل من خير في الآخرة ؛ فإنّه لم يرد في ذلك نصّ، ولا يعرف من جهة الذوق في هذه المسألة ما يوجب الجزم، فقد يجنون ثمرة خيرهم في غير الجنّة، حيث شاء الله. وأمّا الإنسان فعليه مدار الأمر وهو محلّ تفصيل الحكم.

فنقول : فعله لا يخلو إمّا أن لا يقصد به مصلحة مّا، فهو المسمّى عبثا، وقد سبق التنبيه عليه وعلى أنّه غير مقصود للحقّ في نفس الأمر، وإمّا أن يكون مقصودا ومتعلّقا بأمر هو غايته، وذلك الأمر إمّا أن يكون الحقّ أو ما منه.

فما متعلّقه الحقّ، فإنّ مجازاته سبحانه عليه تكون بحسب عنايته بالعبد الذي هذا شأنه، وبحسب علم العبد بربّه، الذي لا يطلب بما يفعله شيئا سواه، وبحسب اعتقاده فيه، وحضوره معه حين الفعل من حيث العلم والاعتقاد، ولهذا المقام أسرار يحرم كشفها.

وما من الحقّ يتعلّق تفصيله بأربع مقامات : مقام الخوف، ومقام التقوى، ومقام الرجاء، ومقام حسن الظنّ.

وهذه المقامات تابعة لمقامات المحبّة ؛ فإنّ الباعث على الفعل هو الحكم الحبّي ،

ومتعلّقه باعتبار ما من الحقّ.

إمّا طلب ما يوافق الطالب، أو دفع ما لا يوافقه عنه، أو الاحتزاز من وقوع غير الموافق، أو ترجّي جلب الموافق بالفعل، أو به وبحسن الظنّ بمن يرجو من فضله نيل ما يروم حصوله من كون المرجوّ جوادا محسنا ونحو ذلك، أو العصمة ممّا يحذر وقوعه منه من كونه قاهرا شديد العقاب، فيخشى أن يصل إليه منه ألم وضرر.

ثم كلّ ذلك إمّا أن يتقيّد بوقت معيّن وحالة مخصوصة ودار دون دار، كالدنيا والآخرة وما بينهما من المواطن، وإمّا أن لا يتقيّد بشيء ممّا ذكرنا، بل يكون مراد الفاعل أحد أمرين : إمّا جلب المنافع، أو دفع المضارّ على كلّ حال وفي كلّ وقت ودار بما تأتّى له من الطرق، أو يكون الباعث له على فعل الخير هو نفس معرفته بأنّه حسن، واحترازه من الشرّ هو نفس معرفته بأنّه قبيح مضرّ.

ونتيجة كلّ قسم من أقسام الأفعال تابعة لحكم الأمر الأوّل، الموجب للتوجّه نحو ذلك الفعل والباعث عليه مع مشاركة من حكم الاسم «الدهر» و «الشأن» الإلهيّين. وحكم الموطن والنشأة والنقص والإتمام وما سوى هذا فقد سبق التنبيه عليه.

وظهور كلّ فعل من حيث صورته في مقام المجازاة والإنتاج تابع لحكم الصفة الغالبة على الفاعل حال التوجّه نحوه. ومنتهى الفعل حيث مرتبة الفاعل من الوجه الذي يرتبط بتلك الصفة الغالبة، وبحسب متعلّق همّته، لكنّ الغلبة المنسوبة إلى الصفات الجزئيّة من حيث أوّليّتها تابعة للغلبة الكلّيّة الأولى، المشتملة على تلك الجزئيّات، كالأمر فيما سبق به القلم من السعادة والشقاء بالنسبة إلى محاسن الأفعال الجزئيّة ومقابحها الظاهرة بين السابقة والخاتمة، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك كلّه غير مرّة، وبيّنت أنّ الحكم في الأشياء هو لأحديّة الجمع ويظهر بالأوّليّات، فتذكّر.

ثم اعلم، أنّ كلّ فعل يصدر من الإنسان فإنّ له في كلّ سماء صورة تتشخّص حين تعيّن ذلك الفعل في هذا العالم وروح تلك الصورة هو علم الفاعل وحضوره بحسب قصده حال الفعل، وبقاؤها هو بإمداد الحقّ ـ من حيث اسمه الذي له الربوبيّة ـ على الفاعل حين الفعل ،

وكلّ فعل فلا يتعدّى مرتبة الصفة الغالبة، الظاهرة الحكم فيه حين تعيّنه من فاعله.

والشرط في تعدّي الأفعال الحسنة وحكمها من الدنيا إلى الآخرة أمران هما الأصلان في باب المجازاة ودوام صور الأفعال من حيث نتائجها، أحدهما : التوحيد، والآخر : الإقرار بيوم الجزاء، وأنّ الربّ الموجد هو المجازي، فإن لم يكن الباعث على الفعل أمرا إلهيّا كليّا، أو معيّنا تابعا للأصلين وناتجا عنهما، فإنّ الصورة المتشخّصة في العالم العلوي، المتكوّنة من فعل الإنسان لا تتعدّى السدرة، ولا يظهر لها حكم إلّا فيما دون السدرة خارج الجنّة، في المقام الذي يستقرّ فيه فاعله آخر الأمر، هذا إن كان فعلا حسنا.

وإن كان سيّئا، فإنّه ـ لعدم صعوده وخرقه عالم العناصر ـ يعود، فتظهر نتيجته للفاعل سريعا، وتضمحلّ وتفنى أو تبقى في السدرة ؛ لما يعطيه سرّ الجمع الكامن في النشء الإنساني وما تقتضيه دار الدنيا، الجامعة لأحكام المواطن كلّها. فإذا كان يوم الحشر، ميّز الله الخبيث من الطيّب، كما أخبر : (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ) الآية. وهذه صفة أفعال الأشقياء الذين لا يصعد لهم عمل حسن على اختلاف مراتبهم. والسرّ في ذلك أمران :

أحدهما : أنّ للكثرة حكم الإمكان كما بيّنّا ولا بقاء لها ولا وجود إلّا بالتجلّي الوجودي الأحدي والحكم الجمعي، فأيّ موجود لم يعقل استناده إلى أحديّة المرتبة الإلهيّة، تلاشت أحكام كثرته وآثارها، ولم تبق ؛ لعدم الاستناد إلى المرتبة التي بها يحفظ الحقّ ما يريد حفظه، ولو لا انسحاب حكم ميثاق «ألست» ونفوذه بالسرّ الأوّل، لتلاشى هو بالكلّيّة.

والأمر الآخر فيما ذكرنا يتضمّن أسرارا غامضة جدّا، يجب كتمها، فأبقيناها في خزائن غيبها، يظهرها الحقّ لمن شاء كيف شاء.

وأمّا الموحّدون ومن يكون فعله تابعا للأمر الإلهي الكلّي والجزئي المعيّن، فإنّ صور أفعاله تنصبغ ـ كما قلنا ـ بصفة علمه، ويسري فيها روح قصده، ويحفظها الحقّ عليه من حيث رحمته وإحصائه بموجب حكم ربوبيّته.

فإن غلب على الفعل حكم العناصر وصورة النشأة العنصريّة، انحفظت في سدرة المنتهى، منبع الأوامر الشرعيّة الباعثة على الفعل ؛ فإنّها غاية العالم العنصري ومحتد الطبيعة من حيث ظهورها بالصور العنصرية، فجعلها الحقّ غاية مرتقى الآثار العنصريّة ؛ فإنّ أفعال المكلّفين بالنسبة الغالبة نتيجة الصور والأمزجة المتولّدة من العناصر والمتركّبة منها، فلهذا لم يمكن أن يتعدّى الشيء أصله، فما من العناصر لا يتعدّى عالم العناصر، فإن تعدّى فبتبعيّة حقيقة أخرى تكون لها الغلبة إذ ذاك والحكم، فافهم.

فإن خرقت همّة الفاعل وروحانيّته عالم العناصر بالغلبة المذكورة ـ لاقتضاء مرتبته ذلك وحاله ـ تعدّى إلى الكرسي وإلى العرش وإلى اللوح وإلى العماء بالقوّة والمناسبة التي بينه وبين هذه العوالم، وكونه نتيجة من سائرها، فانحفظ في أمّ الكتاب إلى يوم الحساب.

فإذا كان يوم الفصل، انقسمت أفعال العباد إلى أقسام :

فمنها : ما تصير هباء منثورا، وهو الاضمحلال الذي أشرت إليه.

ومنها : ما يقلبها إكسير العناية والعلم بالتوحيد أو به وبالتوبة، فيجعل قبيحها حسنا، والحسن أحسن، فتصير التمرة كأحد، ويوجر من أتى معصية جزاء من أتى مثلها من الحسنات بالموازنة، فالقتل بالإحياء، و الغصب بالصدقة والإحسان ونحو ذلك.

ومنها : ما يعفو الحقّ عنه ويمحو حكمه وأثره.

ومنها : ما إذا قدم الفاعل عليه، وفّاه له مثلا بمثل خيرا كان أو ضدّه.

ونموّ الجميل من الفعل وغلبته الظاهرة بصورة الترجيح تارة، وبالحكم الماحي تارة أخرى راجع إلى العناية والعلم الشهودي التامّ مع الحضور وسبق الرحمة والشفاعة المختصّة بالتوحيد والإيمان، المتفرّعة في الملائكة والرسل والأنبياء والأولياء والمؤمنين، والآخريّة للعناية السابقة المضافة إلى الحقّ آخرا من كونه أرحم الراحمين.

ومن الأفعال ما يكون حكمها في الآخرة هو كسر سورة العذاب الحاصل من نتائج

الذنوب، وقبائح الأفعال.

ومن الأفعال ما يختصّ بأحوال الكمّل، ونتائجها خارجة عن هذه التقاسيم كلّها، ولا يعرف حكمها على التعيين إلّا أربابها، والواصل من الحقّ في مقابلتها إلى من ظهرت به لا يسمّى جزاء ولا معاوضة.

وتسمية المحقّق مثل هذا جزاء وأجرا إنّما هي من حيث إنّ العمل المشروع يستلزم الأجر ؛ لكونه ناتجا عنه وظاهرا به، كما أنّ الإنسان شرط في ظهور عين العمل في الوجود، وتلك سنّة إلهيّة في هذا ونحوه، لا أنّ هذا النوع من الجزاء يطلب من ظهر منه العمل أو به غير أنّه لمّا لم يكن العمل يقتضي لذاته قبول الأجر والانتفاع به ؛ لأنّه نسبة لا أمر وجودي، أعاده الحقّ بفضله على من أضيف إليه ذلك الفعل ظاهرا من أجل ظهوره به وتوقّف وجوده عليه، ولاستحالة عوده من هذا الوجه على الحقّ، فإنّه كامل الغنى يتنزّه ويجلّ أن يعود من خلقه إليه وصف لم تكن ذاته من حيث هي مقتضية لذلك. وسرّ الأمر أنّ المطلوب من كلّ مرتبة من مراتب الوجود وبها وفيها ليس غير الكمال المختصّ بتلك المرتبة ومظاهرها، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

وللأفعال والأعمال مرتبة، ولها بداية وكمال، فمبدؤها الحركة الحبّية والتوجّه الإرادي الكلّي، المتعلّق بظهور الكمال الذي سبق التنبيه عليه عند الكلام على سرّ الإيجاد وبدئه. وكمالها هو ظهور نتائجها التي هي غاية كلّ فعل وعمل.

فكمال الأعمال ونتائجها إنّما يتمّ حصوله بصدورها عن الحضرة الذاتيّة الغيبيّة، وبروزها إلى مرتبة الشهادة التي هي محلّ سلطنة الاسم «الظاهر» الذي هو مرآة الاسم «الباطن» ومجلاه ومقام نفوذ حكمه، فإذا كملت في مرتبة الشهادة بظهور امتياز نتائجها عنها وتبعيّتها لها، عاد الأمر كلّه إلى الحقّ مفصّلا على نحو امتيازه عنده في حضرة علمه أزلا، مع أن لا فاعل سواه، لكن توقّف ظهور الأفعال على العباد وإن كانوا من جملة الأفعال، فالأفعال إنّما تنسب إليهم في الحقيقة من حيث ظهورها بهم، لا أنّهم الفاعلون لها.

وهكذا حكم الصفات التي توهّم الاشتراك بين الحقّ والخلق، على اختلاف أحكامه

ومراتبها، فافهم وتذكّر ما سبق ذكره في سرّ الغذاء وصوره وكونه شرطا في التوصيل وظهور التفصيل لا غيره، وكذلك ما نبّهت عليه من النكت المبثوثة الكاشفة لهذا السرّ ؛ فإنّك تستشرف على أسرار جليلة، عظيمة الجدوى، والله المرشد.


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!