المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص
للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي
وهو شرح لكتاب النصوص للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
النص الثالث
قال رضي اللّه عنه : [ ومن النصوص الإلهية أن العلم الوحداني الذاتي يضاف إليه التعدد من حيث تعلقه بالمعلومات ، ولا يتحقق بإدراكها إلا من حيث تعيناته وتعلقاته ] .
لما فرغ عن بحث الإطلاق المقابل للتقييد ، شرع في بحث التقييد الأول ، وهو العلمي ، إذ هو أول النسب وجعله من النصوص الإلهية باعتبار أن العلم منشأ الأسماء الإلهية التي هي مع الذات حضرة للإلهية ، وجعل العلم وحدانيا لتوحده في هذه الحضرة التي هي الأحدية وذاتيّا ، لكونه غير متميز عن الذات .
ثم ذكر من أحكامه أنه يضاف إليه التعدد من حيث تعلقه بالمعلومات المتعددة التي هي الأعيان الثابتة ، أعني : حقائق الممكنات ، كما يضاف التعدد إلى الوجود الواحد المطلق باعتبار ظهوره في المظاهر ، وإلى الاقتضاء بحسب وصول الفيض إلى المفاض عليه مع وحدتها في مستقرها ، فالعلم الذاتي واحد محيط بالكل إحاطة الذات إلا أنه مجمل إذا اعتبر تعلقه بالذات فقط ، ولا يتحقق بإدراك المعلومات المتعددة إلا من حيث تعيناته بهذه المعلومات وهي تعلقاته بها ، فيدركها مفصلة .
فلذلك قيل : للأعيان الثابتة إنها صور العلم ، وإنها غير مجعولة ، وإلا فلا دخل لانتقاش الصور الكثيرة في العلم الواحد ، لكنها انتقشت باعتبار تعيناته الكثيرة من تعلقاته بالأعيان فهذه التعينات مرايا الأعيان الثابتة .
قال الشيخ رضي اللّه عنه : [ وتعلقه بكل معلوم ، تابع للمعلوم بحسب ما هو المعلوم عليه في نفسه : بسيطا كان المعلوم أو مركبا ، زمانيّا كان أو مكانيّا ، أو غير زماني ولا مكاني مؤقت
القبول ، متناهي الحكم والوصف ، أو غير مؤقت ولامتناه فيما ذكرنا ، فاعلم ذلك ] .
بيان التعميم وإحاطته بالكل مع أنه لا حدوث فيه ولا تغير من حيث وحدته الأصلية وأن وقع ذلك في تعلقاته ، فقال : وتعلق ذلك العلم الوجداني لكل معلوم تابع للمعلوم ، وإن كان كل معلوم حاصلا من ذلك العلم من حيث وحدته ، لكن لما كانت تعيّناته بالمعلومات ، فكل تعيّن له تابع للمعلوم الذي تعيّن به بحسب ما هو المعلوم عليه في نفسه ، فيتصف التعلق التابع بصفته دون العلم الوجداني المتبوع ، فيبقى على ما كان عليه ، وصفات المعلوم كونه بسيطا أو مركبا وكونه زمانيّا أو غير زماني ، ومكانيّا أو غير مكاني ، أبديّا أو غير أبدي .
مثال البسيط الزماني المكاني المؤقت حروف الهجاء اللفظية ، ومثال البسيط غيرها العقول والنفوس ، ومثال المركب الزماني المكاني المولدات ، ومثال المركب غير الزماني والمكاني محدد الجهات ، وتعلق العلم يتصف بهذه الصفات دون نفس العلم الوجداني كمن يعلم أن زيدا فاعل كذا في الوقت الفلاني فإذا جاء علم بذلك العلم أنه وقبله أنه سيفعل ، فتجدد بعلمه عند فعله نسبته لم تكن ، لكن العلم بأنه فاعل كذا في الوقت الفلاني ، باق بحاله ، وهكذا علم بالمركب من حيث كليته واحد ، ومن حيث التفصيل مسبوق بنسبة علمه إلى جزأيه ، فافهم ذلك ، فإنه مزلة أقدام الفلاسفة والمتكلمين ، فلذلك قال رضي اللّه عنه : ( فاعلم ذلك ) .
قال : [ ومن تفاريع ما ذكرنا من النصوص أيضا ، أن الحكم من كل حاكم على كل محكوم عليه تابع لحال الحاكم عين الحكم ، وتابع لحال المحكوم عليه حال حكم الحاكم عليه ] .
فيه بيان أن الحاصل من الإطلاق يكون فيضا مطلقا ، فإن كان الإطلاق لا في مقابلة التقييد كان الفيض كذلك ، وإلا كان في مقابلته وأن المعلوم لما كان حاكما على تعلق العلم كان تعلقه كذلك ، فهذا تفريع على النصوص الثلاثة جميعا .
إنما كان أيضا ؛ لأنه ذكر أولا من تفريع الأول تعقل الوحدة ، ووجوب الوجود والمبدئية ، ومن تفريع الثاني الاقتضاءات المختلفة بحسب المراتب ، ومن تفريع الثالث تبعية تعلق العلم بالمعلومات ، فذكر هاهنا ما يصلح كميته للكل ، وهو أن الحكم من كل
حاكم قديما أو حادثا على كل محكوم عليه مبدعا أو ماديّا تابع لحال الحاكم لوجوب المناسبة بين الأثر والمؤثر ، وإنما اعتبر حاله إذ لا أثر للذات من حيث هي لتساوي الآثار إليه ، وإنما اعتبرت حين الحكم ؛ لأن السابقة واللاحقة غير موجودتين ، فلا أثر لها وتابع لحال المحكوم عليه ، إذ لا بدّ من قابليته لذلك الحكم ، وقيدت تلك الحال بحال حكم الحاكم إذ الحالة السابقة ، واللاحقة غير موجودتين حال تأثير الحاكم ، فكيف يتأثران بها ويقرب من هذا قول أهل المعقول إن النتيجة لا بدّ أن تناسب المقدمتين .
قال رضي اللّه عنه : [ فإن كان المحكوم عليه من شأنه التنقل في الأحوال ، تنوعت أحكام الحاكم عليه في كل حال ، واختلفت بحسب تلبسه بتلك الأحوال ، وإن كان المحكوم عليه مما من شأنه الثبات على وتيرة واحدة ، ثبت حكم الحاكم عليه بحسب التعلق الأول المعين بحكم الحاكم عليه ومقتضاه وبقي الأمر بحسب حال الحاكم حين الحكم ، فإن كان الحاكم من مقتضى ذاته التقلب في الأحوال بحسبها أو مقتضى ذاته أنه ثابت ، والأحوال تنقلب ، فيكون تبعية حكم الحاكم بحسب أحد الأمرين الحاضرين لمراتب حكم كل حاكم ، وكل محكوم عليه إذ لا يخرج عما ذكرته حكم حاكم ولا محكوم عليه ] .
أي : لمّا كان الحكم تابعا لحال الحاكم والمحكوم عليه حين حكمه عليه ، فإن كان المحكوم عليه مما ينتقل من حال إلى حال ، كثرت أنواع حكم الحاكم عليه في كل حال يكون عليه حكم من الحاكم على حدة ، واختلفت تلك الأحكام بالجنسية والصنفية وغيرها بحسب تلبس المحكوم عليه بتلك الأحكام المختلفة سواء كان الحاكم ثابتا أو متقلبا ، فأما المتقلب كالصانع في صنائعه .
وأما الثابت فالأسماء الإلهية والملائكة بالنسبة إلى عالم الكون والفساد ، وذلك بأن ينقطع حكم الحاكم الثابت عن المحكوم عليه بحسب حال تجددت له ، فيصير الحاكم عليه غيره ، ولذا يختص أعمال الأسماء والملائكة بالأوقات المخصوصة لها ، وإن كان المحكوم عليه مما من شأنه الثبات على نهج واحد ثبتت عليه الحكم الأول من الحاكم على حسب تعلق حكمه به أولا ؛ لأن تعلق حكم الحاكم به بحسب هذه الحالة مما دامت هذه الحالة ، بقي التعلق وهذا التعلق معين للحكم ، فيبقى الحكم المعين ببقاء هذا التعلق الباقي بتلك الحالة التي للمحكوم عليه .
ولكن هنا كلام ، وهو أن تعلق حكم الحاكم أيضا بحسب حال الحاكم ، فنقول إن كان الحكام أيضا ثابتا ، فلا يختلف الحكم عليه كحكم الحق تعالى على العقول ، فلذا كانت بالفعل أزلا وأبدا ، وإن كان مختلف الأحوال كالنفوس يؤثر فيها العقول الكثيرة يختلف أحكامها عليها ، وإن كانت ثابتة ، فلذا يختلف الفيض المتفضل عليها .
وجواب قوله : فإن كان الحاكم ، محذوف وهو ثبت الحكم على وتيرة واحدة ، وجواب ما عطف عليه أيضا محذوف ، وهو يتكثّر الأحوال عليه .
وقوله : “ فيكون ، بيانا للحاصل مما سبق ، وأنه يفيد الحصر ، وبيانه : إن الأحكام لا تخلو من أن تكون منشأة عن الأقسام الأربعة ثباتها ، وانتقالها أو ثبات الحاكم ، وانتقال المحكوم أو بالعكس ، وإنما صرح بهذا الحصر ؛ لأنه قد يتوهم أن حكم الحاكم الثابت مع ثبوت المحكوم عليه يختلف باختلاف الوسائط ، فكأنه قال : إن الحاكم هو المجموع من المتوسط وممن توسط المتوسط بينه وبين المحكوم عليه ، وإلا فالحاكم الأول هو الحاكم على الكل ، فافهم “ .